18 نوفمبر، 2024 12:51 ص
Search
Close this search box.

الواقع الامني..والتنازل عن الحقوق

الواقع الامني..والتنازل عن الحقوق

كانت شعارات اغلب الانظمة الدكتاتورية الجمهورية(في الوطن العربي تحديدا)القادمة على ظهر الدبابات الاستعمارية انها جاءت من اجل “تحرير الشعب من الانظمة الفاسدة”,اضافة الى بعض الاهداف الدعائية الفارغة,ثم سرعان مايجد الشعب ان الشعارات تحولت الى مقصلة لتصفية الحساب السياسي التنافسي,وللقضاء على الوطنيين, والمعارضين للنهج الشمولي المنحرف في السلطة وادارة الدولة,فتصبح”طابور خامس…خونة…جواسيس…عملاء للاجنبي..الارهاب حاليا”
الخبرات الشخصية والعامة التي عرفها وعاشها المواطن العربي في ظل تلك الانظمة الدكتاتورية(التي جاءت خمسينيات وستينيات القرن الماضي) تقول ان تلك الشعارات التعبوية الاقصائية كانت صفة اغلب الحكومات المستبدة وليس العكس,مما يجعل من مسألة الحذر الشديد من ظاهرة التستر خلف الشعارات والاحداث المصيرية الكبرى ضرورة وطنية,لانها كانت ولاتزال معبرا للطغاة ,ولطريقة الحكم العائلي او الطائفي في اغلب دولنا العربية.
الارهاب في العراق كما في العديد من دول الربيع العربي صادر الطموحات الانسانية المشروعة في بناء دولة المواطن,وعطل مفهوم  مبدأ التداول السلمي للسلطة وترسيخه في دولة المؤوسسات الديمقراطية,مع انه بالمقابل اصبح وسيلة دعائية خطرة ,استثمرها بنجاح دعاة التغيير السياسي الديمقراطي, لبناء حواجز التعمية المقصودة لمصادرة الحقوق العامة  للمجتمع,وابعاد الناس عن المطالبة باستكمال بناء مشروعهم التحرري الوطني(وهذه الحالة استثمرتها الادارة الامريكية بعد احداث 11سبتمبر,واوربا تسير على نفس الخطى),فعلى سبيل المثال لا الحصر,لو قمنا بمراجعة  وفتح عدة ملفات مهملة ,غابت عن طاولة التحقيق والتدقيق والمتابعة بحجة الواقع الامني وضربات الارهاب,لوجدنا ان العراق يعيش في دولة فوضوية بامتياز,ومن هذه الملفات الغائبة نطرح مايلي.
اولا.ملفات الفساد المالي والاداري ,الذي يشمل العقود الخاصة بالوزارات ومجالس المحافظات, والتي تمت عبر وسطاء وليس بالتحويل المباشر,وكذلك مجموعة كبيرة من الصفقات المشبوهة ,والتي شملت ايضا التسليح الخاص بالجيش والشرطة العراقية(اجهزة كشف المتفجرات,والاسلحة السكراب او المغشوشة,المصروفات الهائلة المخصصة للبعثات والمؤتمرات والسفرات الحكوميةالخ.),وعمليات غسيل الاموال التي تتم بين البنوك العراقية واصحاب الشركات والعقود الوهمية,ومكاتب الصيرفة وبيع العملات,الخ.
ثانيا.قمع مظاهرات والاحتجاجات ومطالب مواطني الوسط والجنوب, بحجة ان الاعتصامات في المناطق الغربية اعتصامات طائفية(مع انها كانت في العموم كذلك, لكن لايمكن القول لفقراء المناطق الغربية والعاطلين عن العمل ليس لكم حقوق في العراق ),واهمال مسألة الفقر ,وتوفير فرص العمل للعاطلين ,وانهاء ملف الخدمات العامة وتحسين اداء دوائر الدولة,الخ.
ثالثا.تجاهل مسألة التحقيق في التعيينات الخاصة بأبناء المسؤولين واقربائهم ,واختيار المواقع الحساسة لهم رغم قلة الخبرة وانعدام الكفاءة,وغض الطرف عن الشهادات المزورة,الخ.
رابعا.الامتناع عن تشريع قانون لملاحقة الفاسدين,او ممن اثروا على حساب المال العام(كقانون براءة الذمة المالية,وقانون من اين لك هذا,ومحاسبة المسؤول الذي يمارس وظيفتين,كأن يكون وزير  او مدير عام او سفير ويدير في نفس الوقت شركات خاصة تحت اسمه او اسماء اخرى,وكذلك متابعة عملية استغلال المال العام لمصالحه الشخصية,كبيع او استملاك اراضي استثمارية وتحويلها الى قطع سكنية,الخ.
خامسا.تعزيز النهج والدور الدكتاتوري في دوائر الدولة كافة,والابتعاد عن بناء دولة المؤوسسات الديمقراطية المدنية,والاستحواذ المطلق من قبل مسؤولي الدولة على الشؤون الادارية والمالية الخاصة
 بوزاراتهم او دوائرهم العامة,الخ.
من اننا على يقين ان في جعبة كل مواطن عراقي مجموعة من الاشكالات والاعتراضات والحقائق المهمة المغيبة,والتي لو استمعت او نفذت نصفها المؤوسسات الدستورية الثلاث
(التشريعية والقضائية والتنفيذية)لما بقي حال العراق يراوح عند بوابات الجماعات الارهابية والتخريبية داعش والقاعدة والفاسدين,مع ان الاعذار الحكومية والسياسية كانت دائما تعزوا مسألة الفشل الحكومي العام الى اسباب الواقع الامني المتدهور,حتى عدها البعض اسباب مفيدة لبقاء الوضع على ماهو عليه,بغية الاستفادة منها في تمرير العديد من الصفقات والملفات المشبوهة بين الجهات المتوافقة سياسيا,فلا الخطأ الامني والاهمال ازاحت بعض القيادات الامنية المسؤولة عنها,ولا كثرة الملفات المثارة حول هذا المسؤول او ذاك جلبته الى ساحة العدالة او ارجعت الاموال المسروقة الى خزينة الدولة ,الخ.
هناك حقائق مهمة تحصل في اغلب ان لم تكن جميع المجتمعات وانظمتها الديمقراطية او الشمولية,هو ان هذه المجتمعات تتجاهل او تتنازل عن حقوقها المشروعة بفعل المتغيرات والاحداث والظروف الغير الطبيعية (كالحروب الداخلية والخارجية,او مايسمى بتهديدات محتملة تمس الامن القومي والوطني,والازمات الاقتصادية والتجارية والزراعية,وانتشار الامراض والاوبئة,الخ.),الرابح فيها دائما المسؤول ,والخاسر الوحيد المجتمع,
فمن يخسر في سوريا والعراق اليوم جراء العمليات والجرائم الارهابية هم مواطني تلك الدولتين لا مسؤوليها,ففي العراق بقيت المنطقة الخضراء محصنة امنة ,بينما تشتعل اجساد العراقيين بنيران السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة للانتحاريين على بعد عدة امتار من الدائرة الخارجية لها,ومع كل هذا يصفق ويرقص ويفرح الانتهازيون والمنتفعون والرابحون من الديمقراطية المعلبة والمقولبة بقوالب الثقافة البدائية البدوية قبليا وعشائريا واثنيا,علما ان هذه النماذج لايخلوا منها اي زمان او مكان,بل ينتشرون حتى عند ابواب مراجع الدين(يسمونهم بحواشي المرجع او رجل الدين),هذه الاخفاقات لايمكن الحديث عنها او اثارتها بمعزل عن الاسباب المؤدية الى تفاقمها,و بعد ان تم تشخيص  وتحليل مكامن الخلل والفشل السياسي والحكومي من قبل العديد من المهتمين بالشؤون الوطنية والسياسية ,وبالرجوع الى البيئة السياسية والثقافية  المنتجة للنخب المختلفة لاي مجتمع,فمن الصعب ان تنهض بمجتمع يكون فيه نسبة الفساد المالي والاداري والاخلاقي تفوق النسب المعتدلة,او عندما تضرب الوظائف الانسانية والتربوية والاخلاقية(قطاع الصحة,وقطاع التربية والتعليم,وقطاع السلطات الثلاث واهمها السلطة القضائية),ففي كل قطاع من تلك القطاعات توجد ملفات فساد هائلة,تورط العديد منهم في عقود حكومية مبرمة من شركات خاصة بغية الحصول على عمولات كبيرة على حساب السعر الدولي وكفاءة ونوعية المواد المستوردة,ولكن ترك مسألة متابعة تلك الملفات الشائكة هي معاول لهدم الاسس المنتظر وضعها لبناء نظام ديمقراطي حقيقي,وبالطبع تبقى قوة المبادرة في الاصلاح بأيدي الشعب,فبعد ان اغلقت صنادق الاقتراع للانتخابات البرلمانية العامة2014,
وبانت النتائج الشبه رسمية للكتل والمقاعد الفائزة,اصبحت الامانة الان في سلة الكتل البرلمانية والحكومة المقبلة,مع ان الدور الاكبر في عملية متابعة الاداء الحكومي لم تنتهي,وهي كما قلنا مسؤولية المواطنين,فعندما يحصل اي انحراف في مسار الوعود الانتخابية والاداء الحكومي ,فعليهم ان يخرجوا عن صمتهم,ليقولوا قول الفصل في مستقبل بلادهم ,
فالبرلمان الجديد مطالب ان يكون حذرا جدا من غضب الجماهير ,وان يبتعد عن التلاعب بمقدرات والتشريعات الخاصة بالمصلحة الوطنية العليا,ولديه مجموعة من الاولويات المصيرية كملفات تعديل الدستور ,وايجاد حلول جذرية لملفات الامن والفساد المالي والاداري والوظيفي,والعمل على توزيع الثروات الوطنية بشكل عادل على جميع المواطنين دون استثناء.

أحدث المقالات