23 ديسمبر، 2024 4:40 ص

الواقع الاعلامي ودوره في الانتخابات البرلمانية المقبلة

الواقع الاعلامي ودوره في الانتخابات البرلمانية المقبلة

اضحت العديد من وسائل الاعلام غير ملتزمة بالتوازن والموضوعية والحيادية في صناعة الخبر ونقل المعلومة الدقيقة والصادقة للمواطنين بعد ان تهاونت مع كل انواع الفساد متناسية دورها في البناء والاصلاح والمشاركة في حل الازمات، والناس بأمس الحاجة لدور الاعلامي لفعاليته وتأثيره في تحقيق الاصلاح والبناء في جميع مفاصل الدولة والمجتمع وفرض القانون وتحقيق العيش المشترك للمواطنين واحترام الأنظمة والقوانين وتقديم الخدمات وتفعيل كافة القطاعات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية وادارة العملية السياسية، وكل هذه المهام والعمليات من مسؤولية الدولة والقادة السياسيين واحزابهم، ولكن للأعلام الدور الكبير والمهم والفاعل في تحقيقها، لما يمتلكه من وسائل ضغط مؤثره على الدولة والقيادات السياسية واحزابها، كون احد مسؤولياته بناء راي عام ورؤى وطنية ودور قيادي عندما تتطلب الظروف ان يقود الاعلام بالإضافة لدوره في تثقيف المواطنين وتوعيتهم وتزويدهم بالمعلومات وتعبئتهم باتجاهات الفعل الوطني الميداني، لكن هناك محاولات كثيرة لتعطيل هذا الدور الأساسي والمهم في عمليات الاصلاح والتغيير والحرب على الفساد.
وتعطيل دور الاعلام يعني ضعف وانحسار الديمقراطية وغياب الحقائق عن الناس وغلق الابواب بوجههم لمعرفتها.. والواقع تمكنت قوى الفساد والفاسدون من تحجيم العديد من وسائل الاعلام والسيطرة عليها وجعلها تعمل خارج سياقاتها واخلاقياتها المهنية بعد ان تمكن الفاسدون من اصحاب المال والسلطة اختراق هذا القطاع الحيوي المهم حتى بات الفساد السياسي والمالي والاداري يلقي بظلاله على العديد من المؤسسات الإعلامية التي شطحت واصبحت جزءا منه ومن ازماته تمارس تضليل الراي العام، ناهيك عن ان العديد من هذه الوسائل الاعلامية اصبحت ضمن بؤر الارهاب تشرعنه وتبث خطاباته التي تحرض على العنف بشكل مباشر وغير مباشر وعلى طريقتها الخاصة لتخويف المواطنين، حتى اصبحت الحاجه ملحه لوضع مثل هذه الوسائل الإعلامية تحت الرقابة الشعبية والرسمية لمنعها عن هكذا سلوك مدان ومحاسبتها قانونيا ومهنيا بعد ان اصبحت تشكل منعطفا خطيرا، لان مثل هذه الوسائل الاعلامية التحريضية المنفلتة التي يحركها ويدعمها الفساد السياسي والمالي الذي جعلها تخرج عن رسالتها الاعلامية المهنية الانسانية النبيلة التي تعنى ببناء المجتمع وحياة المواطنين المعاشية والخدمية والامنية وعيشهم المشترك، ودورها في انعاش الحياة السياسية والاقتصادية والحفاظ على المال العام وتأشير الاخفاقات في كافة مفاصل الدولة والمجتمع والاسهام في اصلاحها.
ان ما نشهده هو انحسار هذا الدور لمثل هذه المؤسسات التي اختلفت وتقاطعت مع رسالتها ومهنيتها في تسليط الاضواء على المخالفات والخروقات والظواهر المدانة وتأشير الخلل اينما وجد، لان انحسار دور الاعلام وصمته وسكوته على المحظور خاصة الفساد المالي والاداري وكل انواع الخروقات والتجاوزات التي تخدم وتحقق المصالح الربحية الخاصة للفاسدين. ان هكذا وسائل اعلام اصبحت تشكل عوامل هدم وتخريب للوطن والدولة والمجتمع والحياة العامة والخاصة للمواطنين وهناك عوامل كثيرة كانت السبب في خروج العديد من هذه الوسائل الإعلامية عن مسارتها المهنية الصحيحة، والحقيقة هناك تحديات ومعوقات مالية كبيرة تعاني منها اجهزتنا الإعلامية ادت بالبعض منها الى اغلاق ابوابها لعدم قدرتها على مواصلة العمل بسبب ما تعانيه من ازمات مالية وعدم حصولها على الدعم النزيه والمحايد الذي يمكنها من الاستمرار لمواصلة مسيرتها واداء رسالتها المهنية بمختلف الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والشباب والمرأة والبناء والاعمار والاستثمار ومحاربة الفساد واحترام الأنظمة والقوانين.. وهي مهام بحاجة الى دعم الدولة لتتمكن من اداء مهامها والحفاظ على مهنيتها وحياديتها في نشر الخبر والحقيقة وحمايتها من الفاسدين واصحاب الاجندات المشبوهة الذين يحاولون استغلال حاجة بعض الجهات الإعلامية الى المال لاستغلالها وتسخيرها لاهدافهم واجنداتهم التي تتقاطع مع مسيرتنا الوطنية وبناء الدولة والمجتمع ، ومع الاسف ما نلمسه ان الدولة تركز جل اهتماماتها في الاعلام على الجوانب السياسية لتسيطر عليها واحتوائه لتصريف سياساتها، وفي نفس الوقت الذي يخترق فيه الفساد المالي والاداري والسياسي العديد من اجهزة الاعلام بسهولة بعد ان اخترق ولبس جميع مؤسسات الدولة فأصبحت اكثر هذه الوسائل الإعلامية اجهزة اعلام وقنوات محاصصة مذهبية طائفية وعنصرية، بدل ان يكون لدينا اعلام دولة مدنية ديمقراطية اصبح لدينا اعلام كتل وقوى سياسية اكثر مما هو اعلام سياسي اجتماعي اقتصادي ثقافي وطني مهني عام متوازن، وعلى الطرف الاخر نجد بعض الشرائح الاجتماعية الثقافية النخبوية الوطنية التي تعنى بالتربية والآداب والفنون والثقافة والطفل والمرأة والعلوم بدون غطاء اعلامي يعني بدون اعلام لان التغيير الذي احدثه الاحتلال جاء بالمقلوب؛ بمعنى انه لم يحقق الاهداف الإيجابية والتغيير الحقيقي المطلوب الذي تمناه العراقيون، في مقدمتها ارساء قواعد اللعبة الديمقراطية المطلوبة والبناء الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الرصين، بل كل ما جاء به الاحتلال عبارة عن افات وكوراث بعد ان قسم العراقيين الى طوائف ومذاهب واعراق انتجت لنا العنف والارهاب وكل انواع الفساد الذي ابتلع الدولة وفكك المجتمع، بدل القيام بتعزيز بناء اسس وثوابت الدولة الديمقراطية التي بإمكانها تحقيق العدل والانصاف وتكافؤ الفرص في المجتمع وبمشاركة فاعلة للكلمة الحرة وبناء الراي الحر الجريء الذي تتبناه المؤسسات الإعلامية المهنية النزيهة، ومن خلال دعم الدولة لها وابعاد الفساد والفاسدين والطارئين عنها لكن ما حدث ان العديد من هذه المؤسسات الإعلامية اصبحت ضمن مجال ومساحة ودائرة العرض والطلب التجاري والسياسي يعني ضمن سوق السياسيين اصحاب المصالح الشديدة الخصوصية ما ادى الى فقدان ثقة المواطنين بها بعد ان اصبحت الناطق الرسمي باسم السياسيين واصحاب المال بدل ان تكون ناطقة باسم كل المواطنين وذراعهم الطويل الذي يدافعون به عن انفسهم وهذا بحاجة الى ان تؤدي هذه المؤسسات الإعلامية واجهزتها وقنواتها مهامها ومسؤولياتها ودورها المهني بشفافية وشجاعة، من دون ان تتأثر بها التجاذبات والصراعات ، في حين ان مهام ومسؤوليات الاعلام ورسالته واهدافه ابعد ما تكون عن الدعاية السوقية الممولة من اصحاب المال والسلطة، بعد ان تحولت من خلال ممارساتها وادائها الى اعلام ريعي للسوق بعد ان كانت المراة العاكسة التي تبرز وتظهر طبيعة دور الجماهير واحتياجاته ومعاناته ومستوى قيمة الإنسانية، ولهذه الاسباب ارتفعت اصوات اصحاب المهنة والحرفة الإعلامية مطالبة بالحفاظ على رسالة ونزاهة الاعلام ودوره الشفاف في قول كلمة الحق الحرة الصادقة النابعة من رسالته الإنسانية النبيلة في وضع الحقائق والاخبار والمعلومات بشجاعة بين يد المواطنين ليتخذوا قراراتهم الشجاعة في اختيار ممثليهم الحقيقيين في انتخاباتهم القادمة؛ وهذا يعني ان تقوم مؤسساتنا الإعلامية الوطنية بدورها في تصريف رسالتها بأمانة، وان تفك البعض من هذه المؤسسات و الأجهزة الإعلامية ارتباطاتها غير المهنية المدعومة ماليا من الساسة والمسؤولين الذين يحاولون تمرير اجنداتهم غير الشفافة من خلال هذه الاجهزة الاعلامية التي عليها ان تلتفت لدورها في تثقيف المواطنين وتوعيتهم وتزويدهم بالحقائق بالمعلومات الدقيقة الموثقة عن المرشحين وتأشر لهم ما يحتاجونه وتحذيرهم من كل ما هو مشبوه وغير طبيعي ليتمكنوا من الاختيار الصحيح لمن يمثلهم و ينوب عنهم في البرلمان المقبل… هذا هو دور الاعلام الوطني الحر الذي لا يقبل ولا يسمح للمال السياسي ان يلعب به ويشتته ، خاصة وان الاعلام العراقي في واقعه لا يتبع لمؤسسة وطنية واحدة تمتلك الحقيقة وواحدة من مشكلتنا ايضا.

ان مؤسساتنا الإعلامية مشتتة بسبب اصطفافاتها وتخندقها في خنادق السياسيين المتصارعين على سلطات الدولة ومنافعها بعد ان لعب المال السياسي دورا في تخريب هذه الأجهزة الاعلامية واخراجها من دوائرها ومساحاتها المهنية وهنا لابد من الوقوف عند نقطة جوهرية هي ما يواجهه الاعلاميون من تحديات ومعاناة مالية واقتصادي ومعاشية صعبة وهي عوامل ذات مخاطر واثر كبير على مهنيتهم وادائهم لرسالتهم، عوامل دفعت الحاجة بالبعض منهم الى مناطق الضعف واوقعت بهم ليصبحوا ضمن دوائر الفساد المالي والسياسي على الرغم من ان الاعلام ابن بيئته السياسية وهذا ليس تبريرا مطلقا، لان دور الاعلام والاعلاميين هو القيام بتوعية المواطنين وحمايتهم ووضع الحقائق بين ايدهم، وفضح الفساد والمفسدين بدون تردد او خوف من احد، لكن التحديات والعوز المالي الذي تعاني منه الكثير من المؤسسات الإعلامية والاعلاميين له اثاره السلبية على اداء المؤسسات الإعلامية وعملها الميداني في ظل تحديات جسيمة وافرازات الفساد السياسي والمالي الذي خرب نفوس بعض الاعلاميين العاملين في هذه المؤسسات ليمنعهم من القيام بدورهم على اكمل وجه وومنعهم ايضا من قول الحقائق والسكوت عن الكثير من ملفات الفساد والفاسدين، بل ذهبوا ابعد من دالك في ترويجهم لبعض الفاسدين ودعمهم في حملاتهم الانتخابية.
الناس اليوم بأمس الحاجة لدور الاعلام الانتخابي الوطني المهني المتوازن والمحايد للقيام بدوره في تنوير المواطنين وتعبئتهم ثناء العمليات الانتخابية بكل حيادية وصدق بعيدا عن كل ما تعرضه وما تقدمه بعض النشاطات السياسية المشبوهة والفاسدة من اغراءات لأجهزة الاعلام والإعلاميين ليجعلوا من الاعلام جزءا من الازمات التي نعاني منها ونعيشها بدل من ان يكون العامل والمفصل المركزي الاساسي من حل وتصفير الازمات ، لكن ما نشهده الان هو انخراط الوسائل الاعلامية في الاحداث بشكل سلبي تاركة دورها المهني ورسالتها في الاصلاح والتغيير وبناء راي عام وطني فاعل مساندا للأدوار وللنشاطات الإصلاحية الوطنية وداعمة للناشطين الوطنيين.
نحن اليوم بأمس الحاجة الى الاعلام والصحافة الاستقصائية من اجل الوصول الى الحقائق لان الوصول الى المعلومات الدقيقة الموثقة ووضعها بين يد المواطنين ليتخذوا قراراتهم الصائبة بحاجة الى الدعم الشفاف والنزيه ليتمكن الاعلام من تحقيق اهدافه وتصريف مهامه دون فسح المجال امام الفساد المالي والسياسي من اختراقه والسيطرة عليه والمسك بشرايينه وإسكاته ومنعه من قول الكلمة الحرة، وهناك العديد من وسائل الاعلام التي شطحت باستسلامها للمال السياسي الفاسد واصطفت مع اصحابه لتمريرهم في الانتخابات المقبلة بعد تعطيل دور المواطنين وتضليلهم في اختيارهم لممثليهم الحقيقيين في البرلمان المقبل.