مفهوم الهجرة نفس مفهوم السفر ولكن يختلف من حيث التوجة، فالمسافر يذهب لبلدةٌ هنا او هناك لطلب العلم والعلاج والسياحة وغيرها وفي هذه الحالة يكون خروجه اختياري، اما الهجرة فتكون اجبارية لهذا الشخص او ذاك بسبب ظروف تحيط به مما يضطر للخروج من بلده قسرياً بعد ان ضاقت به السبل في وطنه.
التاريخ يسرد لنا قصص كثيرة في هذا الصدد عن المهاجرين، فمنهم للبحث عن الحياة الكريمة التي ليس فيها ظُلم واضطهاد والتي افتقدها في وطنه، وتارةً تكون اسباب الهجرة من اجل العقيدة كما حدث للانبياء ومنهم خاتم الرسل النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، حين هاجر من مكة المكرمة الى المدينة لنشر رسالة السماء وهي دين الاسلام، التي لاقت رفضاً قوياً من قِبل مشركي قريش، مما اضطرته الظروف للخروج من موطنه مكة المكرمة.
كذلك الحال مع سيد اباة الضيم ابي عبدالله الحسين “ع” حين خرج من مكة والمدينة متجها الى العراق من اجل الاصلاح وبعد ان ضيقت عليه رجال السلطة من قِبل الامويين.
شهيد المحراب اية الله العظمى محمد باقر الحكيم (قدس سره)، فهجرته من ارض العراق الى بلد المهجر كانت كما حصلت للمصلحين من قبله اجباريةً ايضاً، فسبب هجرته كانت حين تصدى منذ نعومة اضفاره للحكومات التي مارست العنف والقهر والاستبداد ضد رجال الحوزة العلمية وروادها بشكل خاص والشعب العراقي بشكل عام، ولا سيما حين اشتد الصِدام مع سلطة البعث الصدامي الفاشي، فخلال فترة تواجده داخل العراق، اعُتقل السيد الشهيد الحكيم ومن معه لاكثر من مرة من قِبل جلاوزة النظام وصدر بحقه حكم الاعدام ثم خفف بعد الضغط الجماهيري الى ان تم الافراج عنه، وكان سبب ذلك هو حمله لمعاناة شعبه المظلوم.
خروجه من ارض النجف الاشرف لم يكن من اجل نُزهة او لتغير السكن بسكن اخر، وانما كانت في سبيل العقيدة والوطن، فكان (رضوان الله عليه) من جهةً لنشر علوم اهل البيت التي هي عقيدة الامامية ليعرف العالم بعلوم اهل البيت (عليهم السلام) وبمضلوميتهم ومظلومية اتباعهم والذي هو منهج الحق والاعتدال وكشف الضبابية وايضاح الصورة الناصعة للاخرين، ومن جهة اخرى يحمل مظلومية شعب بكامله التي صادر البعث حقوقه المشروعة وجعل الشعب العراقي اسير بيد جلاد يفعل بهم كما يشاء، فهجرته “قدس سره” هو لفضح الجرائم الوحشية التي ارتكبت و مورست بحق الشعب العراق عامة وبحق اسرته خاصة امام العالم بأسره، لان حزب البعث عتم الاعلام وجنده لصالحه وسخره كيف يشاء، ولهذا اصبح الشعب العراق بعزلة تامة عن الخارج فلم يستطيع ايصال صوته للعالم ليرى وحشية صدام وزبانيته، وما كان لشهيد الحكيم الا ان ينبري لها وهو ابن العراق وابن مرجعها الاعلى فحمل صوت العراق خارجاً وقد استطاع بجهاده وصموده ان يكشف زيف السلطة الحاكمة وتعريتها في المحافل الدولية.