حاضرون في كل شيء يخص المصالح، والمكاسب الحزبية والفئوية، وغائبون في وحدة الخطاب، وإشاعة روح التسامح والتعايش، وإحترام الحقوق والحريات، إنها الهيئات المستقلة في الإسم فقط، التابعة للأحزاب والكتل في المعنى والمضمون والتنفيذ، باقة من الشخوص الهزيلة، مزروعة لتتكون منها حديقة مرعبة، في الفساد الإداري والمالي، وكأنهم قلادة دم تنخر عنق الدولة العراقية، دون مراجعة نزيهة لأنفسهم وذممهم، حول الوطن والمواطن.
أول منزل مقلوب في تنفيذ المهام لهذه الهيئات، المفوضية العليا لحقوق الإنسان، فالعراقيون أكثر الشعوب تحقيقاً لهذه الحقوق، ولكن بالعكس تماماً من معانيها، فالفقير لا يحظى بحقوقه المدنية، والسياسية، والدينية، والإجتماعية، بل وحتى الفكرية، والبيئية، ويفتقدها لعقود مضت، لأن الطغاة الذين حكموا العراق، لا يعرفون سوى الظلم والقمع، وكأنهم وحوش بشرية تلتهم مقدرات الشعب، فلا تشبع بطونهم من المال الحرام.
المنزل الثاني المهدم، المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات، والنكتة في إسمها، فهي ليست مستقلة بشيء، بل حالها ومالها تابع لأجندات حزبية، وطائفية، وقومية، وهاجس الحرية الذي يعيشه المواطن، بعد أية ثورة بنفسجية بات مفقوداً، لأن ديمقراطية العراق الجديد، مجرد رواية، في أوراق إنسان مظلوم ميت، فإن خرجت الجماهير في عرس إنتخابي، كان ذلك تنفيذاً لأوامر المرجعية، وأملاً في أحداث تغيير لواقعنا المؤلم.
ثالث منزل محطم البنك المركزي، المؤسسة التي تبرعت بغسل، جميع أموال الساسة الفاسدين، لغرض تدويرها في مشاريع خائبة، لا تحقق للعراق أي ربح يذكر، بل على العكس إنها تتاجر بأرواحهم ودمائهم، في وليمة دسمة من الصفقات، والعمولات القذرة، وكأنهم في خلاف عائلي خطير، كل يريد حصته وفقاً لأطماعه، على أن الفقراء يدخلون في وساطات كبيرة، لنيل قرض يسد رمق بيته الجريح.
منزل رابع مترنح، لا يعرف للنزاهة تطبيقاً، بل هو بيت مقلوب على مضمونه، لأننا لم نشاهد سوى، الآف قضايا الفساد والسرقات، في حكومات فشل متعاقبة، دون إجراء رادع يوقفهم، بل نراهم ويتراشقون التهم، والسباب، والفضائح، وفقاً لمناصبهم السياسية البائسة، ومحسوبيتهم الطائفية، وعليه نشاهد السراق والقتلة، ينعمون بحياة آمنة مطمئنة، والأبرياء يعيشون حرباً بلا هوادة، بفضل جهاز قضائي فاسد حتى النخاع.
ديوان متهاون بكل شيء يخص الموازنة، فلا يضع إستراتجية واضحة، مع تعقيدات قراءة مجلس النواب، للميزانية لأشهر عدة، فلا تكاد تبوب ويصادق عليها، إلا ونحن في نهاية العام، كما نرى عدم جدية جهاز الرقابة المالية، في تصفية الحسابات الختامية، للمسؤولين والحكومة على حد سواء، على أن المواطن الذي يكابد الأمرين، فقط لتعديل درجته الوظيفية، فالذرائع تنهال لا توجد تخصيصات مالية.
صرخات من بقايا النفس المتألمة لحال العراق، فالهيئات المستقلة ينبغي قراءتها من جديد والعمل على إصلاح منظومتها الإدارية، لتعمل بكفاءة كما في الدول الأخرى، بعيداً عن الفساد والهدر في المال العام، وعليه فنحن بحاجة الى ثورة حقيقية، للنهوض بهذه المنازل المنكوبة بفعل الفاسدين، والتعيين بالوكالة قطعاً ليس الحل الأمثل لإدارتها، فهناك كفاءات كثيرة ونزيهة، بإمكانها تحقيق العدالة والتطور في نفس الوقت.
السادة القراء: نود إعلامكم بأن للحديث تتمة حول بقية الهيئات المستقلة وعددها (7 )