سلطة رابعة، بعد السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، قيل إنها: صاحبة الجلالة، ومهنة المتاعب، وأهم ما يدركه المرء في العمل الإعلامي، والمفترض رؤيته، إستقلالية هيئة الاتصالات والإعلام، عن العمل الحكومي تماماً، أما في العراق فالأمر مختلف جداً، فحال هذه الهيئة كمدينة، تعمها الفوضى والضجيج، والمثقفون يعيشون فيها ثورة عارمة، من الديمقراطية والحداثة المزيفتين، وتحولوا الى وسائل تجارية رخيصة، ونستثني من ذلك القامات الإعلامية، التي لا تتغير ثوابتها الوطنية، أينما حلت فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
مجد لا يعرف الغياب، فالشواهد حية في مقابر الموت الجماعية، وكأنها مرافئ لا تعرف الإنتظار، وأمل جريح بأن أسماءهم ستبقى مجهولة، لكن مؤسسة الشهداء المرتبطة برئاسة الوزراء، أصبحت خير عون لإنصاف الشهداء، والسجناء، والضحايا، لأن سلطة النظام المقبور، كانت ترفض شيئاً إسمه (الشيعة)، فعمدت الى القمع والقتل، بيد أن ما يؤخذ على المؤسسة، أنها تباطأت في إكمال معاملات المتضررين، بذرائع الروتين والفساد الإداري والمالي، فعُطلت كثير من حقوق الأبرياء، وهذه الهيئة السابعة، وهي مستقلة بالطبع!
ذهول قريب من الشعور بالإنزعاج، والألم يعترينا عندما نتكلم، عن هيئة ثامنة مستقلة، فديوان الأوقاف المرتبط بمجلس الوزراء، مزق النسيج الاجتماعي لشعبنا، بعد إستحداث وقف ديني لكل مكون، وأصبحت معظم شخصياته، تعمل وفقاً لوجهتها المذهبية والسياسية، دون النظر للدين الواحد، والوطن الموحد، مضافاً إليها ملفات الفساد في دوائرها وعقودها، وكأني بالمشاهد المقدسة التي يديرونها، تناديهم: أيعقل أن تكون حالة اجسادنا بعد الموت على أيديكم، التي تكنز ما تسرقه من المال العام؟ فسيجزيهم الباريء بما يكنزون!
يقول الشاعر المصري محمد الشحات: (إن لم تستطع رفض شيء تكرهه، فإنزع رأسك، وإبحث عن أخر) والأمر ينطبق على هيئات ثلاث مثيرة للجدل، لأني سأنزع رأسي وأضع أخراً، لأتفهم مسألة ضرورة إستحداثها، لأن مهامها متداخلة مع الوزارات الأخرى، وهي هيئة عامة لحقوق المحافظات غير المنتظمة بإقليم، وهيئة لمراقبة الواردات الإتحادية، ومجلس الخدمة الإتحادي، وكلها متفقة على تطوير العمل في محافظاتنا، وفقاً لمعايير الكفاءة، والنزاهة، والحيادية في تعيين الوظائف العامة، بعيداً عن التسييس والتحزب، وهذا شيء عجاب!
الحياة في الهيئات المستقلة متأخرة جداً، لأن أمر إدارتها دائماً ما يكون بالوكالة، وإعتمادها على مبدأ المحاصصة، وعليه فنسب الإنجاز محدودة، يرافقها الفساد الإداري والمالي، فكل خساراتها المتكررة سببها الترهل والهدر، دون تخطيط وتفعيل لقرارات حقيقية تخدم الشعب، كما أن حكومة الفشل السابقة، ألغت عدداً من الهيئات، وحلت أخرى مكانها، كهيئة المساءلة والعدالة، التي عرفت بإسم الهيئة الوطنية لإجتثاث البعث، وهيئة دعاوى الملكية، التي أدمجت بوزارة العدل، فما جدوى هذه الهيئات، إن كانت متبوعة وليست مستقلة؟!
ختام الحديث عن الحكومة، وهيئاتها المستقلة، هو خطاب موجه الى ذوي الحل والرأي، بضرورة تقليص الحقائب الإدارية المترهلة، أو إلغائها تقليلاً للهدر الحاصل، في الخزينة العامة للدولة، وإرهاقها بحلقات زائدة دون فائدة تذكر، وعليه فالحديقة الوزارية الرشيقة، المتنوعة، الحازمة، هي المطلوبة لإدارة أوضاع البلد الإستثنائية، فرغم سطوة الطغاة، وعظمة التضحيات، وفداحة الخراب، لا يسعنا إلا نساهم في خلق حكومة فاعلة، مؤثرة قادرة، على صناعة القرار المناسب، للمواجهة من أجل الوجود، كما أشارت لذلك مرجعيتنا الرشيدة.