كتاب .. الهويدر قرية الالف لقب والالف شهيد . ( حسين علي الهاشمي الحسيني ) .
مؤلف الكتاب هو الاستاذ حسين ، كان يعمل مدرساً قبل أن أترك القرية وألتحق مع الثوار في الجبل العام ١٩٨٣ ، وكان محسوب على قوى اليسار وقريب جداً من الشيوعيين ، وأيضا أخيه ( سيد زيد ) صاحب محل حدادة الوحيد في قرية الهويدر . عرفت لاحقاً أن السيد حسين علي مؤلف الكتاب ومن خلال تواصلي الدائم مع أبناء قريتي أصدقاء ورفاق وأهل والسؤال الدائم عنهم ، أن السيد حسين ترك القرية منذ زمن وحط الرحال في العاصمة بغداد وأتخذ زاوية له في شارع المتنبي للعمل في مجال الثقافة والنشر والكتاب .
الكتاب أهدانياه رفيقي وصديقي خالد حسين سلطان / الشكر مع تمنياتي له بالعمر والراحة .
في البدء شدني عنوان الكتاب وبأستغراب ( الهويدر قرية الالف لقب والالف شهيد ) . في أهتماماتي المتواصلة حول القرية وأهاليها أعرف جيداً هناك تسميات مختلفة حول أسم القرية وقيامها ، لكنها لم تتعدى العشرة ألقاب . أذن ماذا أراد السيد حسين من هذا العنوان ؟. لهدف تسويقي من أجل الرغبة على شراء الكتاب أو هناك فعلاً تحوي تلك القرية على عدد تلك الالقاب ، والتي لم أجدها على صفحات الكتاب .
القب الثاني والالف شهيد . القرية ومنذ مطلع الثمانينيات قدمت تضحيات كبيرة . بدءاً من الحرب العابثة بمصير البشر وسبقتها حملة البعث على الشيوعيين وقوى الاسلام وختمتها باحتلال العراق والحرب الطائفية ، كان نصيب أهالي القرية كبيراً منها. أتصلت بصديقي العزيز الاستاذ عبد الكريم جعفر بأعتباره مؤرخاً ومتابعاً لاحوال القرية وتاريخها وأحد وجوهها البارزين عن عدد شهداء القرية ( أن عدد شهداء القرية قد وصل الى ٦٠٠ شهيد ) . ومن خلال قراءتي للكتاب والاطلاع على دفتيه . شدني الحنين الى تاريخ القرية وأهلها ، حيث تمكن المؤلف في صفحات الكتاب البالغ عددها ٢٣٩ من القطع الكبير أن ينقلني الى تاريخ وشخصيات واحداث القرية بأسلوب أنسيابي ممتع من خلال الوقائع التي مرت على القرية الطبيعية والسياسية والاجتماعية منذ نشأتها الاولى عندما ألتف حولها نهر ديالى ليكون منها جزيرة وسط المياه ومحاطة ب (١٥٠ ) بستاناً كما جاء في صفحات الكتاب واسماء تلك البساتين وأصلها ( مال دبي ، الشكاكة ، أم الدباديب ) ، المعلومات التي وردت في الكتاب نكأت جروحي القديمة حول القرية وأهلها في مشهد تراجيدي مؤلم بالنسبة لي ، أعادني الى سنوات الطفولة ومعاقل الصبا ورائحة القداح وطلع النخيل .
وفي أحدى تلك الصور على دفتيه الكتاب شخصيات وأماكن وديوخانات ومواقع وطاكات . وذكر في ص ٣٧ من الكتاب ( طاك بيت علي الشوربة والد كل من حسين والمقدم المناضل خزعل ورئيس العرفاء طالب ( أبو سعد ) كان موقعه في نهاية محلة الفضوة ) , وهؤلاء هم خوالي أولاد جدي من أمي علي الشوربة ، وأيضا في واحدة من صور الكتاب كنت ظاهراً بها أي في فترة بدايات نضوجي السياسي وتلمسي طريقه الوعر بصحبة رفاق وأهل وأحبه بعضهم رحل الى السماء ، تلك الصور أعادتني الى ذلك الزمن الجميل وأثارت عندي شجون الشوق الى أمي وأبي الراحلين في زمن صعب من تاريخ العراق ولم أودعهما في رحلتهم الابدية . واحدة من ميزات هذا الكتاب في سلاسة تبويبه السهل حول تكوينات القرية وطبيعتها وأهلها وتاريخها وتقاليدها . ينقل الكاتب بأسوب سلس وبسيط في تطور دراماتيكي عن تكوين القرية وتطور الحياة بها من خلال لوحة واضحة وتاريخية عن أهم العوائل والعشائر التي سكنت القرية ، ولم يترك حتى الذين تركوا القرية وعاشوا في العاصمة ومدن أخرى في المرور على حياتهم العملية وعلاقتهم بأهالي القرية لينقل حقيقة النسيج الاجتماعي المتواصل بين أهالي القرية رغم كل الظروف الصعبة التي واجهتهم في تطورات الحياة .
يصنف السيد حسين في كتابه مهن الناس في القرية أي عدد الاطباء ، المهندسون ، البقالون ، العطارون ، الشعراء ، الضباط ، الوزراء ، مالكي المقاهي ( القهوجية )، مالكي البساتين ، القصابون ، صانعو السلال ، صانعو الريلات ( العربنجية ) ، المختارون ، حراس الليل ( الجرخجية ) ، الشرطة ، المحامون ، نواب الشرطة ، أطباء بيطرون ، حكاويون ، سائقو السيارات ، الباعة المتجولون ، منتجو القشطه ( القيمر ) ، أصحاب المقاهي وعمالها , ملوك الفكاهة ( النكتة ) ، الباعة المتجولون ، جوامع القرية ( سدنتها ومؤذنوها ) ، الملالي وقارئي القرآن ، مراسيم عاشوراء ، شرايع المياه ومعابرها ، محلات القرية ومالكيها ، الانهار المتفرعة من نهر الهويدر ، الرياضيون في القرية ، الخياطون ، الحلاقون ، القصابون ، بائعي التبغ ، ناقروا الطبول ، بائعو المعجنات ، المختارون ، المدرسون ، النجارون ، الخ . فات عن ذهن المؤلف شريحة مهمة في الهويدر ( المطيرجية ) لهم طقوسهم الخاصة وأماكن محددة في تجمعهم اليومي أتخذوا زاوية مهمة في مقهى المرحوم ( دردي ) للقائهم اليومي حول برج الطيور ، فهم جزء من ذاكرة القرية .
تعرضت القرية الى كوارث طبيعية والى أمراض فتاكة ( الطاعون ) ، لكنها بقيت محافظة على طابعها العام ونسيج العلاقات القروية . ولم تكن في منأ عن أحتلالات البلد من عثمانيون وبريطانيون ، وقد حاول البريطانيون في أحتلالهم للعراق الدخول لها لكنهم تلقوا مقاومة بطلة من أهالي القرية منعوههم من تدنيس أرضها الخصبة وقدموا شهيدين على مذبح الحرية . تعرضت في فترة الاحتلال الامريكي للعراق ما بعد ٢٠٠٣ الى هجمات وقصف مدفعي وثلاثة سيارات مفخخة ما بين منطقة السوق والحمام أودت بحياة عدد كبير من أهالي القرية ضمن سياقات الحرب الطائقية التي أذكاه الحاكم الامريكي ( بول بريمر ) لتحطيم نسيج المجتمع العراقي .
راح عن بال مؤلف الكتاب في كتابه دور الاحزاب في القرية ووجوهها البارزين وفي مقدمتهم الشيوعيين ( محمد الدفاعي ، طارق الطيار ، الشهيد جاسم كساره ) الخ ، كانوا قوة غزيرة ومؤثرة ومهمة . والبعثيين الاوائل في القرية ورجالات القوى الاسلامية .
زارها ملوك وسياسين ملك فيصل الاول وقد فرش له السجاد الاحمر ونثرت حوله الورود ، وزارتها المندوبة البريطانية ( ألمسز بيل ) ، وتغنى بها وبجوئها وبفرتقالها وبحسنها شعراء ومغنيين .
يقول الشاعر القروي رشيد سليم الخوري في وصف قريته والتغني بها :
على جانبيها يسجد الحسن والسحر
وفوق رباها غرد الطير والشعر
وفي صبحها الضاحي يسامرني السهى
وفي ليلها الداجي ينادمني البدر
في ربيع العام ١٩٣٢ زار الموسيقار العربي الراحل محمد عبد الوهاب القرية وغنى على أثرها أغنية البرتقال وفي مطلعها : يللي زرعتوا البرتقال آن الآوان يلله أجمعوه ؛