بدأت الخدمة العسكرية الالزامية في العراق في العام 1935 في الحقبة الملكية، ثمّ توقف العمل بها في العام 2003 أي بعد سقوط نظام صدام حسين إثر الغزو الأميركي – الإنكليزي على العراق.
بعد نحو عقدين على إلغاء التجنيد الإجباري لـ(خدمة العلم(، يفكر البرلمان بإعادة هذه الخدمة على شباب العراق للأعمار بين (18-35) وبمدد متفاوتة.
في بلد مثل العراق فيه جيش تعداده أكثر من 700 ألف منتسب، إضافة إلى أكثر من 700 ألف ينتسبون إلى جهاز الداخلية وأكثر من 160 الف ينتمون للبيشمركه وبنفس العدد للحشد الشعبي، وكلاهما ينتميان من الناحية الشكلية للمؤسسة العسكرية، وهذا يعني هناك أكثر من مليون و700 ألف لبلد تعداده حوالي 40 مليون نسمة، للعلم هذا الرقم أقل بقليل من تعداد القوات المسلحة الصينية التي تقول الاحصائيات نحو 2300000، علماً أن تعداد الصين يزيد عن مليار ونصف.
وبهذه الخصوصية هل الجيوش الحديثة تحتاج إلى هذا الكم الهائل من الأعداد البشرية، الحقيقة إن الحاجة إلى القوة البشرية كان في السابق خاصة خلال الحربين العالمتين في القرن الماضي، أما الآن وبعد التطور التكنلوجي فلا تحتاج إلى هذا الكم الهائل من البشر، إنما اصبحت الجيوش تقاس بتقدمها على أساس التطور التكنلوجي والأمثلة كثيرة، فأغلبنا عاش حرب الخليج الثانية، ورأينا الفرق بين جيش مثل جيش أمريكا وبين جيشنا الضعيف تكنلوجياً، لذلك كانت هزيمتنا مذلة.
المصانع أهم من الثكنات، هذا الشعار والمشروع الذي يجب أن ينفد أو يُسعى لتنفيذه، لأننا في بلد دورة الدولار تدور خارج أرض الوطن، نحن بلد أصبح استهلاكي بكل مفاصله، ولا أريد أن أخوض في هذا المجال وأسبابه، بلد موازنته ريعية، يعتمد على بيع النفط وتقلباته في السوق العالمي.
العراق يحتل مرتبة متقدمة بين الدول في تفشي الفساد، وهذا المشروع (مشروع خدمة العلم) سوف يفتح آفاق جديدة للفساد، ويثقل كاهل الميزانية التي أصبحت جلها موازنة تشغيلية، وما يخصص منها للتعليم والصحة والمشاريع الاستثمارية غير النزور القليل.
إذاً ما هي الفائدة من المطالبة بإقرار هذا القانون، الفائدة الوحيدة التي أراها من اقرار هذا القانون، هو زج الشباب الناقم على الوضع السياسي، بسبب قلة الخدمات المقدمة والبطالة المتفشية بين الشباب من أجل إلهاءهم وابعادهم عن مطالبة النظام السياسي بتحسين الأوضاع، ليبقوا متمسكين بمناصبهم بدون منغصات.
أما القول أن القانون يعزز الهوية الوطنية، فحقاً أنه طرح مضحك، أقول أن فاقد الشيء لا يعطيه، فالطبقة السياسية التي لم تخدم الوطن أو تغلب الهوية الوطنية على الهوية الطائفية وغيرها من الهويات الفرعية، لا يمكن أن ينادي بالهوية الوطنية، أو يعي الوطنية.
ختاماً نقول على الطبقة السياسية المتحكمة بالعراق منذ 20 سنة، عليكم أن تعيدوا حساباتكم بشكل بعيد عن عسكرة المجتمع، حتى وأن أثقل الموازنة، ولا تستفزوا ذاكرة الشعب بالعسكرة لأنها مثقلها بصور مآسي الحرب، والأيام السوداء من الاهانات والازدراء أيام خدمة العلم، كفاكم اهانة للشباب العراقي، اعملوا على تشريعات اقتصادية لبناء البلد، والعمل على تشغيل جيش من العاطلين، من خلال بناء المصانع، ومشاريع من أجل إحياء العراق الذي كان يسمى (بلد السواد).
قلتها سابقاً، هذه فرصتكم الأخيرة لتتخلصوا من ارث 20 سنة سوداء، ابدأوا ببناء وطن معافى، وخلاف ذلك سوف تكون نهايتكم مأساوية، اغتنموا هذه الفرصة، وهي آخر فرصة لكم، وقد اعذر من انذر، والله من وراء القصد.