6 أبريل، 2024 10:15 م
Search
Close this search box.

الهويات الفرعية في العراق – أبجدية التكامل والصراع

Facebook
Twitter
LinkedIn

التاسع من نيسان 2003 في العراق  ، كان تاريخ البدء لمرحلة توالت فصولها تباعاً بعد ذلك بسنوات  ومن ثم دخلت المنطقة في مايوصف  إستطراداً بأنه (صراع هويات ).
الملاحظ في توصيف كهذا ،  انه يدخل حقل المطلقات على قضايا مازلت في طور المفترضات والإحتمالات  المتداخلة ، من دون قاعدة إستقرائية تأخذ في الإعتبار جانبين رئيسين : الهويات  بتعريفها  ، والصراع بمستوياته .
كانت الهوية حتى مديات قريبة ، تعرّف باعتبارها كيانية إجتماعية في إطار سياسي ، أي المجتمع ربطاً بواقع السياسة ، لكن ذلك التعريف إن جرى إعتماده ، يبقي الهوية عرضة للإجتهاد ومن ثم التبدل أو التغيير في حال تعددت المناهج السياسية ضمن المجتمعية الواحدة ، لذا ولكي تحافظ الهوية على ذاتها ، كان من شروطها ان تكون مقوننة ، أي أن تدخل ضمن دولة ذات سيادة ودستور معترف به لتسمى عندها ( الهوية الوطنية ) وهي أعلى أنواع الهويات وأوّلها من حيث الجدارة  .
اما الصراع ، فهو ذلك النوع من الخلاف أو التعارض الذي تصل الأطراف المنخرطة فيه الى حالة من إشتباك تناحري يحاول كلّ طرف من خلاله  تنفيذ مهام تتسلسل إبتداءاً من إلغاء الطرف الآخر ، نزولاً إلى فرض الهيمنة عليه كأهداف قصوى ، أو تأكيداً للذات في مقابل الآخر المختلف، كحالة دنيا .
ذلك يعني إفتراضاً ،ان الهويات قد أكملت كينونتها أو تبلورت درجة يمكن فيه الحديث عن خاصية ( هوياتية ) باتت معنية بتحقيق كيانيتها السياسية الخالصة ، وهي إذ تفعل ذلك ، فلابد أن تخوض صراعاً مع الهويات الأخرى المتبلورة بدورها والساعية كذلك إلى صناعة ذاتها .
الإقرار بصيغة الهويات  المتصارعة كوصف للمرحلة ، يحمل في طياته اعترافاً ضمنياً بفشل مشروع الهوية الوطنية من جهة ، وعدم قدرة ( الهويات ) الفرعية على إيجاد صيغة ما للإقرار بمعالم  وحدود الإختلاف من جهة أخرى .
من المواصفات المرافقة للهوية الفرعية ، انها  قد تصل مرحلة التفاعل ، لكنها لاتبلغ الإكتمال بأية صيغة ، ذلك لأنها بمثابة جسد حي من أهم خاصياته انه  يتكون  من خلايا تنشطر بإستمرار ليضمحل جزء وينشط آخر توالد بدوره من الجزء المضمحل ذاته – كما في نشوء الأفكار وتطور الأهداف  والرؤى والأساليب وماشابه –  لكنه في الوقت عينه ولأن ذلك التفاعل يتمّ في (تربة ) إجتماعية حصراً ، لذا يسعى للتكامل في فضاء جمعي ، وكلما كانت (التربة ) الإجتماعية  أكثر امتلاكاً للمحفزات ، كلما تسارع التفاعل والنمو ، لذا فالإكتمال يجعل الهوية مكتفية بذاتها ، مايؤدي الى إنفصالها وربما مواتها اللاحق لانتفاء حاجتها إلى التفاعل وفقدها القدرة على التوالد.
يمكن الإتكاء على معادلة كهذه ، للنظر إلى موضوع الهويات في تفاعلاتها المختلفة ، فبعد ان دخل مشروع الدولة الوطنية واقع أزمته البنيوية ، تقدمت الهويات الفرعية لتأخذ حيزها الفعلي بأحقية تمثيلها الإجتماعي لأنهاحققت فيه حضوراً لافتاً ، ذلك لأن المجتمعيات الإثنية والطائفية ، إشتغلت بنسبة ما على تسمياتها الخاصة ، لكنها وفي الوقت الذي مازالت تحتفظ  فيه بمقادير معينة من هوياتها الجامعة ، فإن عوامل أخرى تتفاعل بشدّة في الهويات  الفرعية حيث النظرة المختلفة سياسياً تقف بالضد من الرؤى الفقهية أو الطائفية لمعنى الهوية وطبيعة تكويناتها .
هناك حالة من الإلتباس تعيشها كلّ من الهويات الفرعية  في العراق – سواء مع نفسها أومقارنة بالهويات الأخرى – ففيما تنقسم ( الهوية ) الشيعية بين قواها الإسلامية إلى توجهات ثلاثة رئيسة : حسينية (المجلس الأعلى ) ومهدوية ( التيار الصدري ) وفاطمية (حزب الفضيلة -1) كمايرى أحد المتابعين ، تحمل كذلك أعداداً كبيرة من المنادين بالهوية الوطنية وآخرين مازالوا على أيمانهم بفكرة القومية العربية ، فيما تندرج فئات ثقافية وأحزاب وجمعيات أهلية عديدة ، في إطار اليسارية والعلمانية ، وكلّ من هذه المسميات والعوامل – ظاهرها ومستترها – يتضمن الكثير من معوقات تبلور (هوية ) شيعية ناهيك باكتمالها .
العوامل المذكورة تبرز بشكل أكبر في الحديث عن (الهوية ) السنيّة ، خاصة في عاملي الهوية الوطنية والفكر القومي العروبي ، فالسنّة كانوا على امتداد التاريخ العراقي الحديث ، يحكمون العراق بشكل منفرد (تقريباً) ما جعل النظر الى الهوية الوطنية يبدو جزءاً من تشكّل نفسي ينعكس على السلوكيات السياسية عموماً لكنه يختلط كذلك في موضوعة الإنتماء الوطني ربطاً بمحيط عربي ، مايلقي بظلاله على تسارع (مفترض ) في بلورة هوية طائفية عند السنّة من العراقيين.
وعلى رغم الخصوصيات الكردية ومايبدو من نضج أكثر وضوحاً في موضوع الهوية ،إلا أن العوامل المتفاعلة داخلياً ، تشير في الحديث عن هوية كردية (صافية) إنه مازال يكتنفه بعض الإلتباس ، لا في واقعه السياسي المنقسم وحسب ، بل في تجلياته القومية الموزعة بين هويتين رئيستين :  سورانية  -كرمانجية – وبكلّ مايحيط بهما من خصوصيات أخرى طائفية وإثنية مختلفة – فيليون – شبك – إيزيدون- كورانيون – .
حراك وتشكّل ، ذلك هو الوصف الأنسب لطبيعة المرحلة ، مايعني تداخلاً في المعنى وتشابكاً في الظروف المؤدية إلى تبلور الهويات الفرعية أو المانعة لها عن  التحوّل من كينونة إجتماعية إلى كيانية سياسية ،  ذلك لأن الهويات إنما تعتمد في سيرورتها ومآلاتها  ، على ماتمتلكه من عوامل دفع ذاتية و(تربة) محلية مناسبة في فضاءات خارجية متقبّلة أو متفهّمة أو داعمة.
ان معوقات النضج في الهويات الفرعية ، لاتقّل عديداً  إشكالياً ، عن معوّقات النضج في الهوية الوطنية ، فإذا كانت الإنقسامات  الطائفية والمذهبية والإثنية من جهة  ، وعدم الإتفاق على تعريف موحد لمعنى الوطن وفيما إذا كان (مكان الحلم المشترك) كما نادي الفيلسوف الفرنسي أندريه مالرو ، أم هو الكابوس المشترك كما في حال دخول ( الهويات الفرعية ) مرحلة الصراع ، قد حالت دون نجاح محاولات البناء السليم للهوية الوطنية ، فأن الهويات الفرعية تحمل العوامل ذاتها يضاف إليها المستجد الملتبس في تحديد ماهية تلك الهوية ومن هو أولى بتمثيلها أو التعبير عنها ، رغم ان عوامل الدفع إليها ، لاتزيد كثيراً عن العوامل التي مازلت تكمن في الهوية الوطنية ، ولاشيء يجزم بأن ( الفرعيات ) طور التكوّن ، قادرة على إنجاز ماعجزت عنه الهوية الوطنية الجامعة  .
إشكاليات الهوية الوطنية ، كانت على الدوام تظهر مع فشل الدولة في أداء مهمتها ، خاصة مع إصرارها على إضفاء (الهوية) الفرعية  للفئات الحاكمة وجعلها من ثم مقياساً للوطنية برمتها، ما يحدث شروخات  وتصدعات في الجسد الوطني تؤدي غالباً إلى صراعات تناحرية تعيق أو تلغي تبلور مفهوم الهوية الوطنية .
لكن مايميز  ذلك المفهوم ، يكمن في قدرته على التكامل بل وقد يتعداه إلى نسبة من الإكتمال كلما قطع البلد شوطاً في البناء الحضاري، وهو ماتعجز عن تحقيقه الهويات الفرعية كلّ بمفردها .
سلسلة من المراحل تعيشها الهويات ، قبلّ أن يصبحّ الحديث عن وصف طبيعة المرحلة التي تقطعها أكثر وضوحاً ، وهي على التوالي حسب أهميتها :
– الإلتباس : وذلك حينما لايكون هناك إنسجام بين وضوح الهدف ووسائل تحقيقه ، أو تداخل شديد في العوامل المؤثرة بحيث لايطغى عامل على آخر بشكل حاسم، هذه المرحلة وإن لم تكن الأخطر ، لكنها الأكثر دقّة ومفصلية في تحديد ملامح المآل النهائي لمعنى الهوية .
– الإشكالية : تدخل الهويات  مرحلة الإشكالية عندما  يكون الهدف أكثر صعوبة من الوسائل المتوفرة لتحقيقه وبالتالي تعجز القوى المعنية عن قطع خطوات ملموسة في سبيل  الإنجاز، في وقت يصعب فيه تغيير الهدف أو تحديد الأولويات .
– المشكلة : حين يتحول العجز في الوسيلة إلى تنافر مع الهدف ، حيث التغيير في الهدف يعني فقداناً للدافع ، وتغيير الوسائل يتطلب بدوره إصلاحات في الأداة التي وضعت الهدف .
– الأزمة : وهي مجموعة من المشكلات التي لم تجد الطريق إلى المعالجة ، وذلك حين يضع حزب أو جهة أو قوى سياسية ما ، سلّة من الأهداف ويرفع من أجلها مجموعة من الشعارات والمقولات الجاذبة ، لكن صعبة التحقق ، ما يحولها في المحصّلة إلى أطواق تعيق حركة تلك القوى وتمنعها من التراجع في الوقت الذي تجد نفسها عاجزة عن التقدم ، لتقع من ثم في المراوحة ، وهي واحدة من أهم مؤشرات الأزمة .
– المأزق : بعد أن  تتراكم الأزمات التي تواجه قوى أو بلد أو حكومة ما ، فإنها  تقود إلى ردود أفعال سواء من جمهور تلك القوى أو في داخلها ، قد تظهر على شكل تمرد أو إنشقاقات أو إنتفاضات – إلخ ، ولمواجهة ذلك ، تقوم الجهات المعنية غالباً ، بإتخاذ إجراءات يسودها الإرتباك أو التسرّع ، ما يضفي المزيد من الأزمات أو يدفع ماهو موجود منها ، إلى حالة من الإستعصاء ومن ثم الدخول في المأزق الذي تتطلب مواجهته حلولاً جذرية في الوسائل وإعادة جدولة للأهداف وفي الأداة على السواء .
– المعضلة : حين تتحول المآزق إلى حالة مستديمة تعجز عن حلها الإجراءات المتبّعة بكلّ مستوياتها ، ما يتطلب القيام بثورة شاملة  للتغيير ينتج عنها بناءات جديدة  تقطع غالباً مع مسببات المعضلة وتعمل على إزالة  منتوجاتها .
إشتباك المراحل المذكورة  وتداخلها ضمن مرحلة واحدة ، يزيد في صعوبة التشخيص لماتفرزه  من ظواهر أو ماتعكسه من  آثار ، مايحتاج تبيانه الى إجراء مسح شامل لكافة المعطيات المتوافرة ، لإستخراج من ثم الإستنادات الملائمة لعنونة طبيعة المرحلة بعد تخليصها من الإسقاطات الذاتية من جهة ، أو الإستغراق في صخب الواقع أو وهم الإمنيات من جهة أخرى .
واقع ( الهويات) الفرعية في العراق ، مازال متموجاً في تحديد معالمه ، إذ ليس في المجتمعيات العراقية ما يمكن أن يطلق عليه مصطلح(هوية ) ، ذلك لأن معظمها لم يتجاوز بعد صفة المجتمعيات أو المكونات المجتمعية(1)  ، وتلك المجتمعيات رغم وضوح معالمها في هذا الجانب ،  الا ان موضوعة الإنتقال إلى مستوى تكوين الهوية ، مازال يعيش مرحلة الإلتباس كما أسلفنا ، لكنها لاتتساوى جميعها في هذا المنطلق ، إذ ان  بعضها يقف على مشارف الهوية وقد قطع أشواطاً في هذا المضمار ، فيما البعض الآخر مازال يرى مسارات مختلفة لحركته اللاحقة ، وبتفاصيل تلك المجتمعيات تبرز الصورة على الشكل التالي:
1- الكرد: يظهر الكرد في المشهد السياسي العراقي ، كأولى المكونات التي تسير في طريق بناء الهوية الخالصّة ، وعلى رغم ان الملامح النهائية لتلك الهوية مازال محاطاً بالكثير من  التفصيلات تحت المظلة الكردية  الجامعة ، إلا ان شعار ( حقّ تقرير المصير) ووسائل تحقيقة (من رئاسة وحكومة وبرلمان وجيش وشرطة و مؤسسات رسمية مختلفة ) تبدو على قدر من التناغم في مظهرها العام  – أقله في المرحلة الراهنة – وان كانت التربة المناسبة للنمو مازالت بحاجة إلى الكثير من التمهيد كما ان الفضاءات الخارجية المحيطة ، ماتزال غير مهيئة  لتقبّل خطوات أعلى في طريق تحقيق فعلي للهوية الكردية    .
2- الشيعة : القول ب (هوية ) خاصة يكوّنها المذهب ، تبدو لامنطقية في خصوصيات الواقع العراقي ، فالشيعة هم أكبر المكونات المجتمعية وأكثرها تأثيراً في المشهد السياسي لمرحلة مابعد التغيير ، وبالتالي فمهمة بناء الهوية الوطنية أو الحفاظ على حدّ أدنى من مقومات بقائها ، يقع أولاً على عاتق الشيعة  باعتبارهم أكثرية ، كذلك عليهم  ان يقودوا عملية التكامل مع بقية المكونات بصفتهم تلك ، أما المسألة الأكثر وضوحاً بالنسبة( للهوية ) الشيعية ، فإن إندفاعها للتكامل مع متشابهات طائفية أخرى ، ستوقعها في تناقض قومي وسياسي وديني ، فالتربة الداخلية ( الشيعية ) تمور بالتموجات  بمختلف أشكالها ومستوياتها- كما جاء أعلاه –  والفضاءات الخارجية لاتمتلك سوى إمتداد وحيد ( إيران ) بشيعيتها المختلفة قومياً ( الفارسية ) وفقهياً( ولاية الفقيه) وسياسياً (النظرالى شيعة العراق باعتبارهم ضمن مجالها الحيوي الدائر في فلكها) ، وبمجموع هذه المعطيات ، تبرز الأهمية في بحث المجتمعية الشيعية عن بدائل أكثر تناغماً مع الواقع الوطني ، منه إلى البحث عن خصوصيات هوياتية .
3- السنّة : لاشك ان سعي الطائفية السنيّة العراقية ، إلى الإنتقال من المكون المجتمعي الى الهوية الطائفية ، يواجه أكثر من معضلة ، فالمكون السنّي بصفته العربية ، لايجد نفسه خارج  عراقيته ، وهو إذ يرى في انتمائه إلى فضاء عربي تغلب عليه الصفة القومية أولاً رغم إختلاطه بالمسألة المذهبية ، إلا ان جذوره تنمو في (تربة ) عراقية  ، كانت على الدوام مبعثاً للفكرة العروبية أو ركيزتها الأساس ، وبالتالي فتكوين هويته على أسس طائفية ، تعتبر بمثابة تحجيم لدوره  المحوري في فضائه العربي ، انه لايستطيع الإكتمال منفرداً كهوية طائفية عراقية ، أما السعي إلى  التكامل مع هويات عربية مجاروة ، فيتخلله الكثير من المآزق في ظل ما تشهده تلك المجتمعات من قلق في الهوية وإلتباس في التكّون وبالتالي فتكامله مع المكونات العراقية ، يمتلك من الأسس المنطقية مايزيد عن غيره ، ذلك لأن انتماءه إلى فضاء عربي ، قد يفيد في التعامل مع الخاصّ العراقي ، لا الصراع معه أو الإنفصال عنه  ، وإلا عدّ ذلك بمثابة مراهنات غير محسوبة تستبدل واقعاً (على إشكالياته) بمفترضات (في التباسها وأزماتها ومآزقها).
القول بالمشكلات التي يواجهها مفهوم الدولة/الأمة ، فيه الكثير من الجنوح نحو المطلقات ، فمازال هذا النموذج معتمداً في الغالبية العظمى من دول العالم المتقدمة ، لكن ذلك لايمنع الحديث عن تطور ذلك المفهوم نحو  الوطن / الأمة ، الذي بدأ بالظهور في أماكن لم تتبلور بعد لتصبح نموذجاً .
 الفارق بين المفهومين ، إن الدولة / الأمة ، تشترط وجود دولة مركزية تقود مجموعة من الأقاليم الفيدرالية  ذات الصلاحيات المحددة دستوريا ، وهذا النموذج يشترط كذلك مجتمعات قطعت شوطاً في بنائها الديمقراطي  ووضعت الأسس اللازمة للتكامل ، ولما كانت قد تجاوزت مرحلة الإلتباس ووضحت الأهداف العامة التي وضع من أجل دستور الأمة / الدولة ، لذا  فمجتمعياتها لاتدخل صراعاً من أجل الحصول على حصص أكبر في السلطة المركزية يؤدي بمحصلته إلى تقاسم يعطلّ الديمقراطية ويعرقل المهام التي ينبغي للحكومة القيام بها ، وذلك حينما تمتلك كلّ من ( الهويات) الفرعية حقّ ( الفيتو ) على قرارات الحكومة المركزية ، مايجعل حالة الإلتباس قائمة بين صلاحيتها كسلطة عامة ، وبين صلاحيات الهويات الفرعية  ، قد تصل إلى مستوى التصادم السياسي الذي يهدد بتحوله  إلى نزاع عسكري أوإضطراب  أمني.
أما مفهوم الوطن / الأمة ،فهو الذي يسمح بقيام كيانات قد تتجاوز الفيدراليات – كما هو حاصل في إقليم كردستان العراق وفي الإمارات العربية المتحدة – لكن تلك الكيانات أو الفيدراليات المركزية ، تجتمع ضمن مجلس أعلى يعدّ بمثابة مشرف ومنسق  عام لعملية التكامل بين الكيانات القائمة ، يتساوى فيه الممثلون لكياناتهم ،وقد يُرأس دورياً بعد أن يتم الإتفاق دستورياً على إدارة مشتركة للثروات العامة والمصالح التكاملية من مياه ومصادر طبيعية  وغيرها .
 تلك هي الأمة في مفهومها الحديث حيث التكامل في المصالح ومايتطلبه من سلام وتعاون ، بعيداً عن لغة ( الإكتمال ) في التشدد وماينتجه من صراعات ، إذ لم تعد( الأمة ) مفهومها آيديلوجياً أو (هويات) طائفية أو إثنية بالضرورة ، ولم يعد الوطن يتعلق بالجغرافيا ، بل بالإنسان أولاً، وبالتالي يمكن القول إن وطن الإنسان ، بات أكثر أهمية من وطن الجغرافيا   .
ذلك ماينبغي للعراق أن يجد الطريق إليه ، وهو ما يجنب البلاد الكثير من الأزمات فيما لو جرى تفعيل ثقافة التكامل الكلي  المسندة موضوعياً ، على حساب الإكتمال الجزئي في حساباته الواهنة  ، لكن ذلك يتعلق  أيضاً بمقدار تطور الثقافة ودور المثقّف . 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب