اليوم وعندما تشخص بكاء كل قيس على ليلاه وإن كانت هذه الليلى ذميمة إﻻ إن للعشق مذاهب وكما قال الشاعر (تعشقتها شمطاء شاب وليدها ..وللناس فيما يعشقون مذاهب ) وإهتمام كل طائفة وقومية وتيار سياسي في العراق بالخصوصيات وهجره مع سبق الإصرار والترصد “للعموميات” التي تهم الصالح العام والتي بإمكانها أن تقود البلاد والعباد الى بر اﻷمان في أحلك حقبة زمنية يمر بها البلد في تأريخه القديم والحديث فإعلم بأن هناك خللا كبيرا في المنظومة الفكرية والاجتماعية والسياسية ككل وللكل .
وبما أن المثقفين والنخبة هما الشريحة المعول عليها بالدرجة اﻷساس في عملية الاصلاح والتغيير فإن حرف بوصلة هذه الشريحة عن غاياتها السامية وتحويلها الى تقديس الهوى وعبادة الذات والتقوقع والانكماش الى الداخل اصبح هو الهدف ، وﻻبد للناصح اﻷمين من أن يتوجه اليها أولا وقبل غيرها وبناء عليه اقول غير آبه بالإنتقاد ﻷن السكوت – والتغليس – عن هوى اﻵخرين المنظور سيغرقنا جميعا في بحار الظلمات وﻻت حين مندم :
اليوم تجد المثقف اليساري العراقي وقد إختزل مسيرته الإصلاحية ودائرته الفكرية بـ” صور الزعيم عبد الكريم قاسم ، وقصائد الجواهري ، ومظفر النواب ، أغاني انوار عبد الوهاب ، الإحتفال بذكرى ثورة 14 تموز ،والسرمحة في شارع المتنبي ومقهى الشابندر وساحة التحرير ” مع اطالة الشعر للرجال وارتداء القبعات الغريبة وحمل الحقائب اﻷغرب وبطريقة مسرحية للتميز عن سواهم + سياسة = فالصو !!
اليوم تجد المثقف السني وقد اختزل منظومته الدعوية والاصلاحية ببوستات – كوبي بيست – عن ” تهنئة بيوم الجمعة ، تهنئة بمناسبة عيدي الفطر والاضحى ، تهنئة بمناسبة العام الهجري وقدوم رمضان ، بوستات عن فضائل صيام عرفة ، 6 شوال ، التاسع والعاشر من المحرم ، حرمة أو حلية الاحتفال برأس السنة الميلادية ، حرمة أو الدعوة الى الاحتفال بالمولد النبوي ، الشماتة بأية كارثة طبيعية تلحق بأي شعب من الشعوب حول العالم على غير ملته بإعتبارها عقوبة الهية من دون ان يشرح لنا – طيحان الحظ والكوارث التي يعانيها منذ 3 عقود ، هل هي عقوبات الهية أم اختبار ، ام فتنة ..أم ماذا ؟؟ + مقاطع فيديو على الخاص والعام والفايبر وواتس آب ترسل بمعدل مليون مقطع في الشهر نصفها فوتو شوب + سياسة = فشنك !
اليوم تجد المثقف الشيعي وقد إختزل مسيرته الدعوية والاصلاحية بسب بني امية ، شتم المنصور وهارون الرشيد والمأمون وصلاح الدين الايوبي ، التعرض للجيل الاول من الصحابة الكرام ، سب النظام السابق ، التهنئة بمناسبة الولادات ، التعزية بمناسبة الوفيات ، الدعوة والتبرك بالزيارات والمطالبة لهذا الغرض بتعطيل الدوام وإيقاف عجلة الحياة وقطع الارزاق و الطرقات، وسب انظمة السعودية والامارات وقطر والبحرين وتركيا + سياسة = فراغ اصلاحي وهباء دعوي وتشتت وجودي وضياع تأريخي وتلاش مستقبلي !!
اليوم تجد المثقف التركماني وقد اصبحت قضية كركوك عنده هي الغاية والوسيلة ” قالت كركوك ، بكت كركوك ، كركوك وليكن بعدها الطوفان ،البصرة تموت عطشا ولكن كركوك هي الخلاص ، الموصل وصلاح الدين والانبار مدمرة كليا اﻻ ان كركوك .. بساتين ديالى ومزارعها اصبحت هباء منثورا، قلبي على كركوك ، صحيح ان العراق افلس اﻻ ان عقلي مشغول بكركوك ، نفط العراق ومستقبله ضاع ، حبيبتي كركوك ” + سياسة = ضياع كلي واخشى ان يكون نهائيا اذا ما استمر الحال على ماهو عليه !
اليوم تجد المثقف الكردي وقد اختصر رؤاه ومسيرته بكردستان فقط – والسعي الدؤوب لتحقيق حلم الدولة التي لن تقبل بولادتها لا ايران ولا تركيا ولا سورية ولا العراق وربما حتى الاتحاد الاوربي ، إضافة الى سب النظام السابق والذي سبقه وسبقه وسبقه وسبقه + سياسة = عزلة واستعداء للمحيط برمته جر من الويلات والكوارث على الشعب الكردي الحبيب ما يعرفه الجميع !
اليوم تجد المثقف البعثي او القومي وقد اختزل كل شيئ بـ” عبد الناصر وصور صدام ، وطارق عزيز ، وشوف باااااوع ..ايباااااه ، الله يرحمهم ،صدك قادة كبار ، قبل وين ، هسه وين ، الاحتفال بثورة 17 – 30 تموز ، والاحتفال بذكرى 7 نيسان ، 8 شباط ، عيد ميلاد الريس + سياسة = عرب وين طنبورة وين ؟ ، وهذا هو حال التأريخ والدنيا مذ خلقها الله تعالى ، أمم سادت ثم بادت ، ممالك تولد وتقوى على انقاض أخرى تموت وتهوي ، أنظمة تصعد وأخرى تنزل وﻻيوجد فيلسوف وﻻمنظر واحد في تفسير التأريخ قد خرج عن هذه الدائرة ، دائرة ولادة حضارات وممالك وأمم وأنظمة وأفول أخرى لقد إنتهى كل شيء والدنيا بين الناس دول ولو دامت لغيركم ماوصلت إليكم ، وان عدتم فهي عودة ذليلة بشروط المنتصرين لا بشروط المهزومين ” فلاتبك كالنساء ملكا ضاع منك لم تحفظه كالرجال !”.
وانوه الى ان ” السياسة ” التي ينشغل بها كل من ذكرت آنفا ﻻتعني التنظير فيها ووالتعريف بقواعدها ومدارسها وبيان مفرداتها واشكالها وأيها اﻷصلح للعراق والعراقيين – ﻻﻻﻻﻻﻻ حبيبي ﻻتتوهم – انما الحديث في السياسة هنا عبارة – عن تسقيط الكل ومن ثم انتخابهم بزعم ان لابديل لهم وبزعم ان ” الشين اللي تعرفه افضل من الزين اللي ماتعرفه ” ، وبزعم ( اهون الشرين ) وبإدعاء ( اخف الضررين ) و( المجرب اﻷجرب خير من اللامجرب ) ..وكلهم يخوض الانتخابات اثناء الحملة الدعائية بـ” ها عليهم خوتي النشامى ” ومن ثم وعند تقاسم المغانم وتوزيع المناصب والمحاصصة بـ” ماكو فرق كلنا اخوة …وعفا الله عما سلف ” وبعضهم ينظر اثناء الحملة الانتخابية لكسب الاصوات بـ” قاتلوهم ” ومن ثم وبعد الفوز او الخسارة وطمعا بالمناصب بـ” وان جنحوا للسلم فأجنح لها ” !!
والحل هو بوضع اﻷمة ومصلحتها كلها نصب اعيننا وفوق اهوائنا الشخصية كمثقفين والسعي لإصلاح الحال وتغييره نحو الافضل والتخلص من شوائب التأريخ وامراضه وعقده وتشخيص مواضع الخلل ومواقع الزلل والكف عن تخصيص الطموحات واستعداء الاخرين بما يقودنا جميعا كوننا في مركب واحد الى مهاوي الردى والضياع ، وما سال من الدماء الزكية الطاهرة بغير وجه حق حتى الان ، يكفينا وزيادة ..اللهم هل بلغت ..اللهم اشهد !
اودعناكم اغاتي