كانت الناس في الزمن الماضي، وقبل عقود من اليوم، يشدها الحماس في كل مناسبة، سواء كانت اجتماعية، او دينية، أو حتى نخوة عشائرية. وكانت رايتهم واحدة، وحماستهم تتقد أكثر بكلماتٍ يلقيها أحد أبناء العشيرة، تُعرف باسم “الهوسة الشعبية” — وهي نوع من أنواع الشعر الشعبي.
في كل عشيرة، كان هناك من يُجيد نظم هذه الهوسات، فيلقيها في مجتمعه بصوتٍ قويٍ يلهب المشاعر ويؤجج الحماس. وكثيراً ما كان يُستعان بها في مناسبات مثل موسم الحصاد، حين يتجمع “الحواصيد” — وهم من يهبّون لمساعدة أحد أبناء القرية في حصاد محصوله الزراعي، قبل انتشار الآلات الحديثة، حين كان الحصاد يدوياً ومتعباً.
وقد أُطلق على تلك الهوسات في هذا السياق اسم “أغاني الحصاد”، وكانت تشكل طقساً احتفالياً يبعث النشاط والفرح في نفوس العاملين.
كان الريف العراقي، وربما الريف العربي عامة، متقيدًا بعادات وتقاليد قبلية صارمة، تحثّ أبناء القبيلة على نصرة بعضهم البعض. وفي التجمعات الكبرى، لا سيما عند شيخ القبيلة، كان يُلقى هذا النوع من الشعر وسط حضور جماهيري من أبناء العشيرة. وكان ذلك يبعث فيهم روح الإقدام والهمة، فينفذون ما يُطلب منهم، سواء في سبيل نصرة عشيرة أخرى جاءت تستنجد بهم، أو في خدمة فرد من أفراد قبيلتهم.
كانت الهوسات يومها كثيرة ومتنوعة، لكنها بدأت تندثر شيئاً فشيئاً، بسبب غياب التوثيق، واعتماد الناس على النقل الشفوي. ومع رحيل أولئك الرجال الذين حفظوا هذا التراث في صدورهم، رحلت معهم قصص وأشعار وهوسات، لم تُسجَّل للأسف، وبات كثير منها طي النسيان.
وما زلنا، رغم كل شيء، نردد بعض ما بقي في ذاكرتنا…
مثل
((يردس حيل المو شايفها والشايفها ما يهواها))
((جربنا وشوف اش ما بينه))
((الطوب احسن لو مگواري))
(( ياجمال الحگ بارنا.. شوف الزود إلهم لو لنه))
(( ورِد مالك ملعب ويانا))