بلاد تعيش فيها طوائف مختلفة، وأعراق متعددة، وقوميات عدة منها البشتون، والهزارة كما يسمونهم، والتاجيك، والأزبك، والتركمان، لكن هناك طائفة واحدة من بين هذه، تعرضت لحملات تشويه، وقمع، وقتل، وهي طائفة الهزارة الشيعية الموجودة في أفغانستان، وخاصة على يد عصابات حركة طالبان المتشددة، فقد كان الهزاريون هدفاً لجهاديي القاعدة المتطرفين، في تسعينيات القرن الماضي، فملف الشيعة وحركة التشيع حاضر بقوة، في مخطط القوى العالمية والإقليمية!
(بل سرخ) منطقة إستراتيجية، تقع في قلب العاصمة الأفغانية (كابل)، حي شعبي شيعي، توجد فيه أهم جامعة (خاتم النبيين)، ويشرف على هذا المجتمع الديني، الزعيم الروحي الشيخ (آصف محسني)، الذي كان وما يزال يردد قوله:(إن الشيعة في أفغانستان، لم ولن يتزحزحوا قيد أنملة، عن ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، حتى وإن تعرضوا للقتل، والتهجير، والحرمان، حتى وإن أطلقوا علينا إسم الهزارة)!
روج أعداء التشيع أن الهزارة، هم من بقايا عساكر جنكيزخان في أفغانستان، تركهم في منطقة جبلية وعرة، لحماية حدود إمبراطوريته المترامية الأطراف، لكن هذا التأريخ يكتبه المتطرفون المهزمون، لتجريد طائفة الهزارة من حقوقها التأريخية في البلاد، بغضاً وحقداً على الشيعة ونفوذهم المتزايد بقوة غيبية، حيث تشير الإحصائيات الدولية الى أنهم يقتربون، من تشكيل نسبة تقدر بـ ( 18%) من سكان أفغانستان، رغم عمليات التطهير العرقي!
الهزارة وظلامتهم وعمليات القتل الطائفي، التي تجري بحقهم لا تقابل من الحكومة، إلا بالإدانة والشجب، وإطلاق الوعود بإجراء تحقيقات عاجلة، ولكنها تصريحات لمَنْ كانت أقواله وأفعاله هباءً منثوراً، ومع أن التمثيل البرلماني للشيعة ( 50 مقعداً)، إلا أن السنُة لا ينظرون للشيعة، على أنهم جزء من الشعب الأفغاني، وهم قوة لا يستهان بها، وحاضرون بشكل مؤثر، وفاعل في القرارات الحكومية، وكتبوا قصة نجاح رغم الآمهم.
إنتشار الهزارة الواسع في مؤسسات الدولة، مصدر قلق دائم للطرف الآخر(البتشون)،الذين هم يشكلون الأغلبية بنسبة ( 83 %) من أفغانستان، مضافاً عليها سيطرة الشيعة على قطاع الإتصالات، بشركاته الثلاث الكبرى(روشن وبيسيم وأريبا)، وإحتلوا مكانة مهمة لإتخاذ القرارات المتعلقة بمصير البلاد، خصوصاً بعد إنتهاء حكم طالبان ( 2001م )، فنائب رئيس الجمهورية عبد الكريم خليلي، رئيس حزب الوحدة الإسلامي، هو زعيم شيعي من قدامى المجاهدين. التمثيل الوزاري هو الآخر زاد من قوة الشيعة، ومقدرتهم على إحداث إنتقالات نوعية، في وضع أفغانستان السياسي والإقتصادي، فقد تسنموا مناصب وزارات العدل والصناعة، والنقل والأشغال العامة، وصمدوا بمناصب حكام ولايات تحدت تخلف حركة طالبان، وقاموا بتطويرها مثل مدن،(هرات وباميان وسمنجان ودايكوندي)، وتم الإعتراف رسمياً بالمذهب الشيعي الجعفري، ناهيك عن وجود أبرز الشخصيات البرلمانية الحازمة، كالنائب محمد محقق وزير التخطيط السابق، في حكومة حميد كرزاي.
التفجير الإرهابي المزدوج، تبنته عصابات داعش في كابل يوم السبت، خلال تظاهرة إحتجاجية على السياسة المعادية للشيعة، سببه مشروع كهرباء عملاق عابر للبلاد، لكن السياسيين الطائفيين، مارسوا ضغوطاً كبيرة على الحكومة، لتغيير مساره وحرفوا خطوط الهاتف، لأنها تمر بمناطقهم، علماً بأنها تفتقر لخدمة الكهرباء والإتصالات، فأعتبر ذلك إجراءاً متعمداً للإضرار بالهزارة، فتظاهروا سلمياً وباغتهم الموت، والسبب أنهم شيعة موالون لنهج علي بن أبي طالب (عليه السلام)!
يقول المنظر الفرنسي فرنسوا هويال:(الشيعة يمتلكون رؤية حول نهاية العالم، تتمثل في فلسفة إنتظار المنقذ المهدي المنتظر، وهذا يؤدي بدوره لتفكيرهم بشكل فاعل، بضرورة تهيئة المشهد العالمي لخروجه المرتقب)،ومن هنا تتوضح كنوز القوة لدى الطوائف الشيعية، التي كثيراً ما دعت للحوار والتعايش، على عكس الآخرين الذين يبثون سموم التناحر، والعنف بين أبناء الوطن، لذا لن يستطيع البتشون الأفغان إزاحة الهزارة، فقد كتبوا قصة نجاحهم بتفوق!