الى/ الشاعر زاهر الجيزاني بعد أن القى بتهمة الخيانة على أهل الموصل:
التشكيك بوطنية مجتمع ما،واتهامه بالخيانة،لاينبغي أن يصدر من شخص مثقف..خاصة إذا ماكان هذا المجتمع المقصود بالتهمة،يشعر بالقهر،وسبق له أن طالب ــ بشكل سلمي ــ بحقوقه لمدة عام كامل دونما ايّة استجابة من السلطة ، بل على العكس ، تعاملت معه بكل استهتار واستخفاف وعنف .
من الطبيعي أن يصدر حكم الخيانة،مِن رجل يعكس ويمثل رأي السلطة، لكنْ ــ وهذا مايثير الدهشة ــ أن يكون هذا الحكم لسان حال شاعر “حداثوي ” وقف الى جانب معاناة أهله في يوم ما ،فهذا مايدعو إلى الرثاء على الحال الذي وصل اليه موقف المثقف في العراق،عندما نجده ينحاز للسلطة والطائفة قبل أن ينحاز الى جانب الضحية .
وإذا كانت الموصل اليوم،قد سقطت في قبضة حفنة متطرفين،فلن يكون أهلها هم المسؤولون عن ذلك،ولن يكونوا أبداً هم السبب،إنما مسؤولية ذلك تتحمله اساليب السلطة بأجهزتها الأمنية التي كانت تمسك بشرايين الحياة،وتعتاش على مصائبهم،ومعاناتهم .
أيها الشاعر الكبير،قبل أن تلقي باللائمة على الناس،عليك أن تتصل بهم ،وتصغي اليهم،وهذا أمر ليس بالمستحيل،وهو ماينبغي أن تفعله باعتبارك مثقفا،وليس رجل سلطة لايعير أهمية لعذابات البشر،ولاأنت بمواطن عادي يفتقر الى التعليم،لايهمه في هذه الدنيا الفانية سوى أن يعيش،وليس يعنيه أن يبحث عن الحقيقة من مصادرها المتعددة.
سيدي الشاعر الكبير،وإذا ماأردتم البحث عن اسباب الهزائم الوطنية،اسألوا الزعماءوساسة البلاد،ولاتلقوا بالأحمال ــ ثقيلة ــ على شعوب مسلوبة الإرادة والحقوق ،وأنت شخصيا ، أول الناس أدرى بذلك .
إن ماجرى من خراب ودمارٍ طيلة الاعوام العشرة الماضية،أصاب شعوب العالم أجمع بصدمة كبيرة،قبل العراقيين،حتى أنَّ أعتاهم لصوصية ودموية يعجز عن الاتيان بما جاء به ساسة العراق،وستنكشف بلا أدنى شك في يوم ما،صفحات سوداء كثيرة،تم التستر عليها،مثلما كُشِفت من قبل صفحات الانظمة السابقة بعد سقوطها.
ونتيجة مارتكبه ساسة العراق الجديد من تدمير للقيم الوطنية في مقابل تعميم ثقافة طائفية عفنة،تبخرت بسببها من مخيلة العراقيين الشرفاء كل الأمنيات التي داعبتهم عقودا طويلةــ بما فيهم اهل الموصل ـــ وهم يحلمون بالكرامة الانسانية و العيش الآدمي البسيط.
ليست مفاجأة بعد كل الذي شاع من قيم تتقصد تظليل الانسان عبر تمجيدها للحَجرِ قبل البشر،والماضي المُلتبسٍ السحيقٍ قبل الغد الآمن المشرق..ليست مفاجأة أن ينحاز كثيرٌ ممن يحسبون على الثقافة العراقية الى طائفته،حتى لو إرتكبَت خطيئةَ الظلم بحق طائفة أخرى .
القضية الأصعب التي باتت تواجه المجتمع العراقي،هي نسبة الجهل العالية المتفشية في أوساط النخب المثقفة.وليس في عموم الناس البسطاء .
والغريب،عندما نجد أن الكثير منهم،مازالوا يعانون من قصر نظر شديد ـــ رغم كل التجارب المريرة التي مرّبها العراق مع الانظمة السابقة ــ إلى الحد الذي يجعلهم غير قادرين تماما،على التمييز مابين الوطن والقائد،وهذا ما سيبقيهم ــ دون بقية الشعوب ــ يضحون بالوطن، من أجل عيون القائد، حتى لوكان مجرماً واحمقاً ومنحطاً .!!!
نتمنى،على المثقف العراقي أن يكون على قدرالمسؤولية الانسانية، فقط ، قبل أن يتخندق مع الطائفة..عندها سيجد بأن معظم مايردده من تحليلات ومعلومات ــ على اعتبار انها حقائق ثابتة ــ ليست سوى اكاذيب سلطةٍ،لم تراع حقوق الناس،بعد أن كانت لعقود تتاجر بشعارات الحرية والمظلومية.
خلاصة اقول: إن الخطأ سيتكرر .. وستنكسرُ البلاد، أكثر مِن مرّة ، طالما ،لا أحدَ ــ حتى هذه اللحظة ــ لديه الشجاعة ، لأن يعترف ، بمسؤوليته عن الخطأ .