لم يستفد العراقيون من التواجد الأمريكي في بلادهم طيلة ثماني سنين لجهل ساستهم وهرولتهم وراء منافع شخصية أو طائفية أو عرقية. فلم يبنوا دولتهم على النمط الحديث بالخبرة الأمريكية وينهضوا بإقتصادهم, كما فعلت اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا وبدلا من يسّخروا القدرات الأمريكية الهائلة لمصلحة وطنهم, راحوا يتصارعون على كراسي هشة مشكلين أحزابا وكتلا لا هدف لها إلا الأستيلاء غير المشروع على السلطة. وبقي العراق ضعيفا كسيحا فلا بنوا قوة عسكرية تحمي أوطانهم ولا تمكن هؤلاء القادة السياسيون الفاشلون من إستغلال التواجد الأمريكي والعلاقات مع أمريكا بإستعادة حقوق مسلوبة من أراضي وأموال, ولا طلبوا عونا من هذه الدولة العظمى بالتأثير على دول الجوار التي بخست حق العراق بالمياه كتركيا وسوريا وإيران.
لقد وظفت أمريكا للعراق قدرات هائلة وأنفقت أموالا لا يستهان بها لكنها بددت وسرق غالبيتها ,إما من ضباط وموظفين أمريكان أو من ساسة عراقيين إبتلى الشعب بهم.
ولم يفلح ساستنا الفاشلون إلا بسن دستور بائس رسخ الفرقة وعطل كل سعي لبناء البلاد.وقد تحدثت عن هذا الأمر كثيرا لدرجة الممل وتحدث غيري. ولكن هؤلاء الساسة سدروا في غيهم فلا هم لهم إلا مصالحهم الشخصية أو الطائفية أو العرقية,أو تمرير أجندات خارجية مضرة بالعراق
ونتيجة لما حصل أحبط الشعب. وصار يرى في السلطة المركزية عائقا كبيرا لا بد الخلاص منه, ليتنفسوا الصعداء ويرتقوا سبيل التحضر والبناء. سيما وقد تأكد لهم ما وصل لهم أخوتهم الأكراد من أوضاع مستقرة ومن تقدم في كل نواحي الحياة, رغم عثرات أو هنّات هنا وهناك.فزائر مدن كردستان يظن إنه في بلد آخر غير العراق .فإرتفعت الأصوات منادية بإقامة الأقاليم لعل الخير يصيبهم كما أصاب كردستان العراق.فمن المسؤول عن هذا الأتجاه الخطر التي إتجهت له الجماهير؟ لا شك إنهم هؤلاء الساسة البعيدون عن الوطنية.
إن المطالبة اليوم بإقامة الأقاليم هروب الى الأمام فمعالجة المشكلة التي يمر بها العراق والخروج من محنته تتم بتغيير الدستور وتعديل قانون الأنتخابات. وعندها سيصل الى قبة البرلمان ممثلوا الشعب بجدارة وسيتحملون مسؤولية التغيير والأصلاح. لا الهروب من المشكلة والوقوع في مصيبة أعظم.
وتحضرني طريفة إنتشرت نهاية الخمسينيات من القرن الماضي عندما طالب العراق بإعادة ضم الكويت للعراق. إن مجموعة من الأخوة الكويتيين كانوا في الصين الشعبية للسياحة. وأخذوا يتشكون لبعض معارفهم من الصينيين إن العراق كذا وكذا فسأل أحد الصينيين كويتا كم عدد نفوسكم؟ فرد عليه الكويتي مئة ألف وكذا فرد الصيني قائلا وفي أي فندق تقيمون أيها الكويتيين؟ ظانا إن هذا العدد في سفرة ويقيمون في أحد الفنادق الصينية مقارنة بشعب المليار ونيف الصيني.ولم يدر في خلد الصيني إن هذا العدد يشكل دولة.
فيا ترى هل نحن بعدد نفوسنا المتواضع هذا نحتاج لأقاليم.إن نفوس العراقيين لا تتجاوز نفوس مدينة صينية أو ولاية هندية .نحن أرضنا واسعة وعددنا قليل ومواردنا هائلة مقارنة بالآخرين ,وميزانية العراق تعادل ميزانية أربعة دول. فلماذا تشتيت البلاد ؟كل ما في الأمر نحن بحاجة لعدالة وقوانين وأنظمة عصرية وبحكومة لا مركزية, عفيفة اليد تتقي الله في شعبها, قوية قادرة على إدارة البلاد والنهوض بها.
فماذا يا ترى بعد الأقاليم؟ لا شك إنه صراع على الحدود الأدارية.
والحل المؤقت هنا لكل هذه التجاذبات التي تنذر بالأخطار هو العودة للحدود الأدارية التي عمل بها في العهد الملكي بشكل مؤقت, عدا إقليم كردستان فله وضعه الخاص. وعند أستقرار البلاد يعاد ترتيب الحدود الأدارية والتقسيم الأداري أيضا. بعد أن تهدأ النفوس ويستعيد العراقيون ثقة بعضهم ببعض بعد ان ساهم الساسة في ضياعها. وكذلك علينا المطالبة بحدود دولية مع الجوار هي حدودنا المعترف بها دوليا قبل 1958م .
نعم إن الفدرالية كنظام إداري فيها الصلاح أن كانت بعيدة عن الطائفية والعرقية. فهي تعطي صلاحيات اكثر, وتساهم بالتأكيد في دفع المجتمع الى الأمام. ولكن هل الشعب العراقي مهيأ لذلك ثقافيا وسياسيا؟ أم إن هناك من يدفع لذلك لأغراض لئيمة خبيثة متبناة من دول جوار كالكويت والسعودية تسعى لتقسيم العراق وإضعافه .لإن صراعا سينشب عند ذلك على حدود هذه الأقاليم وصلاحياتها وعلاقتها بالمركز. وقد تتطور هذه الصراعات الى حرب أهلية لا نهاية لها وهذا بالتأكيد ما سيحصل.
إن مخطط أعداء العراق القديم الجديد إشغال العراق بحروب وصراعات فمن هدر أموال في التصنيع العسكري وتسلح لم ينل الشعب العراقي منه إلا الفقر مرورا بالحرب على إيران الى حرب الكويت واليوم مطلب التقسيم الى أقاليم والمسلسل التآمري مستمر ليبقى العراق ضعيفا ولا تقوم له قائمة.وساستنا ينفذون لأعداءنا مخططهم بعلم ودون علم.
فهل العراق واسع الأطراف لكي يحتاج الى أقاليم؟ممكن العراق أن يقسم إداريا الى إقليمين فقط إقليم شمالي لأخوتنا الكرد وإقليم جنوبي لنا نحن عرب العراق والأقليات الأخرى.أو بتسميات أخرى يتفق عليها.أما أن تكون كل محافظة إقليما فهذه الطامة الكبرى والمآل الحزين.
إن عامة من ينادي بالأقاليم أبرياء يتطلعون للخلاص من سلطة مركزية فاشلة لم تقدم لهم أي شيء.سلطة ضعيفة عاجزة بسبب تركيبتها الطائفية والعرقية,سلطة شكلت على أسس المحاصصة بعيدا عن الكفاءة والمهنية. والحكومة ليست المسؤولة الوحيدة عن هذا التحول الجماهيري عن المركزية أو اللا مركزية المقننة الى تشكيل الأقاليم . فالمسؤولية يتحملها كل السياسيين وقادتهم فالحكومة هي نتيجة إفرازات دستور وإنتخابات جرت بدستور غير سليم وقانون إنتخابات باطل.
هؤلاء الساسة هم من وضع هذا الدستور وهم وكتلهم من سن قانون الأنتخابات الباطل الذي لم يفرز ويوصل الممثلين الحقيقين للشعب لقبة البرلمان.بل أوصلهم هم وأعوانهم ومريديهم دون حق.
لوكانت لدينا حكومة أغلبية قوية ومعارضة بأجواء سياسية صحية جاءت وفق إنتخابات سليمة منصفة لكنا في حال أفضل. ولم يفتش الناس ولم يسعوا لأقامة أقاليم أو فدرالية. وهاهو الشعب يستجير من الرمضاء بالنار. فمن المسؤول؟بلا شك إنهم هؤلاء الذين غدروا بالشعب ولم يحسنوا التصرف.الذين إتجهوا بكل ما لديهم من خبث ومكر للأستحواذ على السلطة وتقاسم الغنائم والمراكز. وسعوا للجاه والثروة الحرام وتركوا الشعب بلا خدمات والوطن بلا برامج إعمارولا تخطيط سليم ولا تنمية. فمن الذي يخطط لمسقبل أفضل للعراق والعراقيين مزوروا الشهادات؟ أم السراق؟ أم من إمتهن الدجل وصناعة الكلام لا غير؟.فكل شيء لهم هم وحوارييهم ومرتزقتهم. ولم يجن الشعب منهم إلا تعابير جوفاء وإدعاءات باطلة وشفافية غير حقيقية والحقيقة والواقع وكل شيء بعيد عن الحقيقة والواقع.وليس هناك إلا حقيقة واحدة هي إنهم غدروا بالشعب وتسببوا بخراب الوطن.
الأمن متسباح والخدمات معطلة والأقتصاد في تدهور مستمر ولا شغل لهؤلاء القادة إلا الأجتثاث والمسائلة والعدالة ولاندري الى متى ينتظر الشعب نهاية لهذا الأجتثات . بالأمس كان الحزب القائد يجتث حزب الدعوة واليوم حزب الدعوة يجتث حزب البعث ولا ندري غدا من يجتث من . ونسينا كل ما يجب فعله من أجل هذا الشعب المبتلى.
مرت قبلنا شعوب أوربا الشرقية بتجربة التغيير فلم نسمع بإجتثات لأن القانون يحاسب كل من أجرم . ولا حاجة لإجتثاث جعلنا ندور في حلقة مفرغة.هي السبب الرئيس في تدهور الأمن وتعطيل الحياة.
سيخرج الأمريكان بعد فترة وجيزة وقد يبق منهم القليل من المدربين. وستنكشف الأوراق ويكشر الطامعون عن أنيابهم وسيتمزق العراق, وسيطحن الفقراء في هذه الدوامة وسيضيع الشباب ,وضياع على ضياع وإحباط يجر إحباط.
والأعجب إن الشعب يتفرج على ضياع وطنه وهو في سبات.غير مدرك لخطورة ما سيحدث.رغم كل ما يجري حوله من الربيع العربي, وهبة الشعوب لأستعادة حريتها وكرامتها وثرواتها المنهوبة.
لم يعد للشعب أي أمل بتراجع هؤلاء الساسة عن ما هم فيه .فالمال والجاه والسلطان أعمى بصيرتهم.وفات الأوان فلقد أصبحوا أسرى طمعهم وقلة حصافتهم.وإن بقي العراق تحت وطأة هؤلاء فالتقسيم قادم لا محال .
بتنا بحاجة لربيع عراقي للنهوض بالبلاد وإقامة دولة المؤسسات, دولة المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات والفرص, دولة حقوق الأنسان.
فهل لشبابنا من صحوة لتدارك الأمر قبل فوات الأوان؟