هل انتصر الكيان الصهيوني بعد قتله كل من القيادي العسكري الكبير في حزب الله اللبناني، فؤاد شكر، ورئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية(حماس)، اسماعيل هنية؟.
بعض الاوساط والمحافل السياسية، ووسائل الاعلام الغربية، ومعها محافل سياسية ووسائل اعلام عربية، تذهب الى ان تل ابيب سجلت انتصارا كبيرا جدا بنجاحها في غضون ساعات قلائل، بإغتيال اثنين من ابرز قادة محور المقاومة. وللوهلة الاولى تبدو الامور كذلك لمن يستغرق في متابعة قسم من منصات الاعلام الغربي بصورة سطحية بعيدا عن التدقيق في التفاصيل والجزئيات، والحقائق والارقام، والعودة قليلا الى الوراء، للوقوف على معطيات ونتائج ومخرجات التجارب السابقة.
قد تكون الصورة مختلفة لمن يدقق ويحلل ويتأمل، واغلب الظن انها ستبدو قاتمة وسوداوية الى حد كبير بالنسبة الى تل ابيب.
فعلى امتداد ثلاثين عاما او اكثر، تمكن الكيان الصهيوني من اغتيال قادة وزعماء كبار من لبنان وفلسطين وايران ودول اخرى، مثل الامين العام لحزب الله اللبناني السابق الشهيد السيد عباس الموسوي، والامين العام لحركة الجهاد الفلسطينية الشهيد فتحي الشقاقي، والامين العام لحركة المقاومة الاسلامية(حماس) الشيخ احمد ياسين، والقيادي الفلسطيني عبد العزيز الرنتيسي، وغيرهم.
بيد انه وعلى العكس مما كان يخطط له قادة الكيان الصهيوني ويتمنونه من وراء تلك الاغتيالات، بإضعاف حركة المقاومة، وتعزيز امن الكيان، فإن مختلف قوى واطراف المقاومة اكتسبت المزيد من القوة والحضور الميداني، وما معركة “طوفان الاقصى” المستمرة منذ حوالي عشرة شهور الا دليل دامغ على ذلك، فضلا عن الضربات المتتالية التي يتلقاها هذا الكيان يوميا من حركات المقاومة اللبنانية واليمنية والعراقية والفلسطينية، التي تسببت له بخسائر وانكسارات مادية ومعنوية هائلة.
ومن الناحية المنطقية والعقلية، ان من يحقق نصرا او مكسبا او انجازا-سواء كان فردا او جماعة-فلابد ان يشعر بالفرح والسعادة، ويستشعر طعم وحلاوة ما حققه، ولكن هل استشعر الكيان الصهيوني ذلك، بعد ان قتل فؤاد شكر واسماعيل هنية؟.. كل الحقائق والمعطيات والمؤشرات تؤكد خلاف ذلك تماما، فحالة القلق والذعر والرعب باتت تسيطر على المنظومة السياسية والامنية والاقتصادية الاسرائيلية، ناهيك عن مواطني ذلك الكيان في كل مدنه ومناطقه، وليس فقط تلك المحاذية والقريبة من الحدود اللبنانية ومن قطاع غزة.
ليس هذا فحسب، بل ان شللا شبه تام قد اصاب المطارات والموانيء، وغيرها من المفاصل الاقتصادية الحيوية الاسرائيلية، حتى ان الارقام تتحدث عن خسائر مالية فادحة بمليارات الدولارات، لحقت بالاقتصاد الاسرائيلي بعد اغتيال فؤاد شكر واسماعيل هنية.
وحتى ان كانت الولايات المتحدة الاميركية داعمة ومؤيدة لخطوات رئيس وزراء الكيان الصهيوني في توسيع دائرة الصراع عبر خيار الاغتيالات، فإنها في الواقع لاتستطيع في ظل الاجواء الدولية الغاضبة والرافضة لسياسات تل ابيب، ان تسير وراء نتنياهو واليمين الصهيوني المتطرف على طول الخط، ولا ترغب في توسيع نطاق الصراع في المنطقة، لان ذلك يمكن ان يخلط الاوراق ويعرض مصالحها للخطر، حتى وان كانت تتفوق على خصومها واعدائها بأمكانياتها العسكرية والمالية والتقنية.
والنقطة الاخرى، تتمثل في ان الذهاب الى خيار الاغتيالات، قد لايعكس قوة صاحب هذا الخيار، بقدر ما يعكس ضعفه وتخبطه، وعجزه عن تحقيق مكاسب استراتيجية تتيح له تحصين امنه القومي وجبهاته الخارجية والداخلية، وما معركة “طوفان الاقصى”، التي فشل الكيان الصهيوني، رغم مرور عشرة شهور عليها، في حسمها لصالحه، رغم الدعم والاسناد الدولي الكبير له على كل الاصعدة والمستويات، الا دليل واضح ودامغ على ذلك.
فقادة تل ابيب السياسيين والعسكريين والامنيين، لم يخفقوا الى ابعد الحدود في تحقيق انتصارات حقيقية فحسب، بل انهم فشلوا فشلا ذريعا في منع توسع الجبهات ضدهم، من لبنان واليمن والعراق وايران، وربما تنفتح عليهم جبهات اخرى لاحقا.
ولم يعد الكثير من الاصدقاء والحلفاء الاقليميين والدوليين للكيان الصهيوني، مقتنعين بمسارات صناع قراره في ادارة وتوجيه الامور. ويمكن التأكد من ذلك، من خلال ما يقال ويكتب في وسائل الاعلام والمنابر السياسية الغربية عن المأزق الكبير الذي تسبب به بنيامين نتنياهو وحلفائه السياسيين والدينيين المتطرفين. وقد يكون ما كتبه رئيس تحرير موقع “ميدل ايست اي” البريطاني، ديفيد هيرست، افضل مصداق يختزل ما يطرح ويقال في المحافل الغربية، اذ اكد “ان اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية، كان خطأ جسيما ومتسرعا، قد يرمي اسرائيل الى الهاوية، ويزج بها في حرب هي غير مؤهلة لمواجهتها”.
فضلا عن ذلك، فإن دولا عديدة، مثل روسيا والصين وباكستان، ابدت استعدادها للوقوف مع ايران ومساندتها عسكريا في حال هاجمت الكيان الصهيوني ردا على اغتيال هنية.
وحتى تكون الصورة اوضح، فإن متابعة بسيطة وسريعة وعابرة لما تكتبه يوميا الصحف الاسرائيلية الواسعة الانتشار، مثل “معاريف” و “هاارتس”، و”يديعوت احرونوت”، يكشف حجم التداعيات والمخاطر السياسية والاقتصادية والامنية والمجتمعية التي نتجت عن معركة “طوفان الاقصى” وتشعباتها على الكيان الصهيوني، حتى ان الكثيرين هناك باتوا يتحدثون ويتخوفون ويخشون من الوصول الى مرحلة الانهيار الكامل للكيان، عاجلا ام اجلا. لاسيما في ظل الانقسامات السياسية الحادة، والضغوطات الاقتصادية القاسية، والثغرات والاختراقات الامنية الفاضحة، وضعف البنية العسكرية في ظل مقتل الاف الجنود والضباط، وهروب وتسرب الاف اخرى منهم، ناهيك عن المشاكل النفسية والصحية التي افرزتها اجواء الرعب والقلق في المعارك.
ولعل ما ذكرته صحيفة “يديعوت احرونوت” مؤخرا بهذا الخصوص، يعد مثالا بسيطا على ما ذهبنا اليه، فهي اشارت الى “ان اكثر من عشرة الاف جندي اسرائيلي قتلوا وجرحوا منذ بداية حرب غزة، وان نحو الف جندي اسرائيلي ينضمون شهريا الى قسم اعادة التأهيل في وزارة الدفاع لاصابتهم بإعاقات عقلية وجسدية”، الى جانب تصاعد الصدامات والتوترات بين الشرطة الاسرائيلية وطائفة اليهود “الحريديم” ذات التوجهات الدينية، بسبب استدعاء افراد هذه الطائفة للانخراط في اداء الخدمة العسكرية.
في الواقع، لم يعد بأمكان قادة الكيان الصهيوني ترميم واصلاح ما خربوه بسهولة، وربما هذا هو الذي يجعلهم يهربون الى الامام بخطوات متهورة وحمقاء، ليغوصوا عميقا في مستنقع المشاكل والازمات بدلا من ان يحاولوا الخروج منه بأقل قدر من الخسائر والخيبات والانتكاسات.
————————-
*كاتب وصحافي عراقي