من يتصفح التاريخ الحقيقي لبلاد الرافدين ، يصل الى تلك الحقيقة التاريخية ان الكورد الفيليين هم من سكان شرق دجلة الاصلاء وهذا ما اكده الزعيم الراحل عبدالكريم قاسم حين زاره وفد من رؤساء العشائر والوجهاء والشخصيات الكوردية الفيلية في ستينيات القرن الماضي ، ولكن الصراعات الاقليمية بين الامبراطوريتين الصفوية والعثمانية شطرت جغرافيتهم الموحدة بين العراق وايران الحاليتين مثلما قسمت ارض كوردستان بين الدول المجاورة على وفق معاهدة سايكس بيكو المجحفة ، ومنذ قيام الثورات الكوردية في العراق ، الكورد الفيليون اول من يتعرض للضغوط والاعتقالات والتعذيب بوصفهم الخندق الامامي والعمق الستراتيجي للقومية الام من جهة وبسبب وجودهم في بيئة مشتركة مع اخوتهم العرب في بغداد ومناطق الوسط والجنوب وسهولة ممارسة الضغوط عليهم من جهة اخرى.
في ظل جميع الانظمة الحاكمة التي توالت على حكم العراق ، تم الطعن بوطنيتهم وعدوا مواطنين من الدرجة الثانية بسبب انتمائهم القومي ولذلك تعرضوا الى شتى انواع الظلم والاضطهاد القومي واخرها كانت عمليات الابادة الجماعية المتمثلة بالتهجير القسري الجماعي الى ايران على يد النظام البعثي العنصري فضلا على تغييب وقتل اكثر من عشرين الف شاب فيلي في حملة تطهير عرقي لا لسبب سوى انهم كورد.
واليوم واستمرارا لنفس النهج العنصري تتعالى اصوات نكرة ، تهدد الكورد الفيليين بتكرار مآسي الماضي وذلك بسحب اوراقهم الثبوتية وتهجيرهم الى اقليم كوردستان ، ليس لسبب سوى ان الاقليم يريد ان يجري استفتاء على تقرير مصيره ومستقبله في العراق.
ترى ماالذي يخيف تلك القوى العنصرية والشوفينية من الكورد الفيليين ، ولماذا هذه الفوبيا من هذه الشريحة المسالمة التي كان لها دور كبير في بناء حضارة وادي الرافدين وايضا في بناء الدولة العراقية الحديثة وساهموا مساهمة فعالة في النضال الوطني من اجل الحرية و الديمقراطية والعدالة الاجتماعية؟
اتصور فوبيا تلك القوى من الكورد الفيليين لم تأت من فراغ بل من دراسة معمقة للواقع وفهم طبيعة هذه الشريحة التي قدمت تضحيات جساماًً من اجل حقوق شعبهم وتعتقد تلك القوى واعتقادهم صائب انه بالرغم مما تعرض له ابناء الكورد الفيليين من الابادة الجماعية والانفال والتغييب والتهجير ومصادرة املاكهم ، لا يمكن فصلهم عن القومية الام بتحفيزات مذهبية ومناطقية وهذا ما ثبت عند تعامل الانظمة الحاكمة السابقة واللاحقة مع ابناء تلك الشريحة.
لكشف الحقائق اكثر ، هناك اسئلة بسيطة تطرح نفسها وهي:
لماذا قام نظام البعث بأنتهاج سياسة الابادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الكورد الفيليين ؟ لو كان ما حصل لاسباب طائفية ، لكان على النظام انتهاج نفس السياسة بحق الملايين من ابناء الطائفة الشيعية من العرب والتركمان وغيرهم وتهجيرهم ورميهم خارج الحدود؟
لماذا لم تحصل أي من القوى الشيعية في جميع الدورات الانتخابية التي جرت بعد سقوط الصنم في 2003 ولو على مقعد واحد من اصوات الكورد الفيليين؟
لماذا سعت تلك القوى وباتفاق مسبق خلف الكواليس في الدورات الانتخابية الماضية الى انشاء كتل صغيرة وباسماء مختلفة من الكورد الفيليين ؟ الم يكن الهدف منه تشتيت الصوت الفيلي وعدم ذهاب اصواتهم للقوائم الكوردية؟
واليوم لماذا هذه الفوبيا لبعض القوى الشيعية من الكورد الفيليين وتهديدهم بممارسة نهج البعث المقبور في تهجيرهم الى اقليم كوردستان وسحب اوراقهم الثبوتية ومصادرة اموالهم وفصلهم من وظائفهم ؟ الا يثبت ويدل ذلك بان تلك القوى وبرغم كل الجهود التي بذلتها في الماضي والحاضر والامكانيات المادية الهائلة التي صرفتها منذ عقود على استقطاب الكورد الفيليين طائفيا قد فشلت فشلا ذريعا و لم تات اكلها وانها يئست تماما من تحقيق هدفها الستراتيجي وهو فصلهم عن القومية الام بشتى الوسائل؟
عن طريق نقاشاتي الشخصية مع بعض القيادات وكوادر الاطراف الشيعية اتضح لي ومن دون ادنى شك ، انها تسعى وبكل السبل الى ازالة او رفع كلمة الكوردي مع المصطلح الفيلي ومن ثم صهرها وما مصطلح المكون الفيلي الذي بدأنا نسمع اطلاقه اخيرا الا محاولة يائسة لفصل الكورد الفيليين عن القومية الام وانهاء ولائها لها.
لذلك باعتقادي الهدف والدافع الحقيقي وراء التهديدات الاخيرة والفوبيا من الكورد الفيليين هو ان تلك القوى تعتقد جازمة ان غالبية الكورد الفيليين سيشاركون وبشكل فاعل في كرنفال الاستفتاء وسيصوتون بنعم للاستقلال ان وجدت آلية للمشاركة فيه وان بقوا في مناطقهم الحالية سيبقون عمقا ستراتيجيا للكيان الكوردي الجديد ومن الافضل ان يحسموا امرهم معهم قبل فوات الاوان.