بعد أن تفاقمت ممارسات النظام الدكتاتوري ضد الكورد والتنكيل بهم بشتى أنواع التعذيب والتفنن بأساليب القتل والتللذ بفنون الترحيل والتهجير والتغييب والنفي والسجن لا لذنب إقترفوه سوى الإنتماء للقومية الكوردية المتعطشة للحرية حتى طفح الكيل وبلغ السيل الزبى ولم يبق في قوس الصبر من منزع وعلى أثر قمع النظام البائد لإنتفاضة الشعب الكوردي وقبل ثمان وعشرون عاماً وفي مثل هذا اليوم الحادي والثلاثين من آذار عام 1991وفي أجواء شتوية قارصة تصحبها هطول زخات المطر والثلوج هاجرت الملايين من العوائل الكوردية تاركة مدن وقصبات كوردستان وراءها وما يمتلكون مما لذ وطاب من متاع الدنيا وملذاتها متجهة صوب مصير مجهول على الحدود التركية الإيرانية العراقية في مشهد تراجيدي مهيب لم يألفه العالم من قبل , ودوي المدافع وأزيز الطائرات تسمع على مدار الساعة لتحصد من أرواح الأبرياء ما يحلو لها بعد أن خانهم الطقس والتضاريس فضلاً عن إنعدام الماء والطعام في أكبر عملية نزوح جماعية قدرت بمليونين شخص بين رجل وأمراة وطفل رضيع وشيخ طاعن في السن في رحلة مبهمة غير معروفة الإتجاهات رافضين العيش تحت وطأة الإحتلال والظلم حتى سقط العديد من هؤلاء النازحين ولقوا حتفهم نتيجة للظروف القاسية التي مرّوا بها ، فاختلطت دماؤهم بدماء شهداء حركة التحرر الكوردية من الذين سقطوا دفاعاً عن وطنهم وكرامتهم ، فرَوت هذه الدماء الزكية أرضهم الطاهرة ، صارخين بوجه المتغطرس الطاغي لن ندعك تسلب الكورد حريته بعد الآن مهما كان الثمن , حيث كانت الهجرة سيراً على الاقدام وقطع فيها النازحون مئات الكيلومترات في أراض جبلية وعرة , فارين من بطش وقمع النظام الشوفيني وطاحونته العسكرية التي كانت سبباً في إرتكاب جرائم الأنفال والقصف الكيميائي والاعدامات بالجملة , فلا مأوى للنازحين يحميهم ولا قضمة خبز تشبعهم ولا جرعة ماء ترويهم , يفترشون الأرض ويلتحفون السماء , منتظرين مصيرهم المجهول والى من يناصرهم في محنتهم وما تؤول اليه قضيتهم المشروعة , وعيونهم ترنو الى مستقبل قد يلوح في الأفق بإنتهاء مأساتهم العقيمة , ليتنفس الكورد الصعداء ويعيشوا بأمن وأمان وسلام في وطن سلبت فيه حقوقهم التي ناضلوا من أجلها لعقود من الزمن , بعيداً عن فوهات المدافع وأزيز الطائرات ودوي القنابل المحرمة دولياً والأسلحة الكيمياوية بعد أن تم إختبارها في حلبجة الجريحة , ليتلذذ المجرمون بجرائمهم الشنيعة .
وفي منتصف شهر نيسان من عام 1991 صدر قرار مجلس الامن الدولي المرقم ( 688 ) بأنشاء منطقة آمنة للكورد في كوردستان العراق شمال خط العرض ( 36 ) , لتبدأ هذه الملايين البشرية الزاحفة على شكل أمواج هادرة برحلة العودة الى مساكنها وممتلكاتها والتي كانت قد تعرضت للنهب والسرقة , وبحماية قوات التحالف الدولي وبعد فرض منطقة الملاذ الآمن في كوردستان تمكنت قوات البيشمركة من السيطرة على الوضع وإنسحاب ما تبقى من فلول الجيش العراقي , ليتمتع الشعب الكوردي بكامل حريته ويتنفس الصعداء حتى بادرت القيادة السياسية آنذاك باجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد إستتباب الوضع الأمني المسيطر عليه من قبل القوات الأمنية الكوردية ليتمخض عنها برلمان وحكومة إقليم كوردستان .
هنيئاً لحكومة إقليم كوردستان بشعبها الصابر المحتسب وهنيئاً لشعب كوردستان بحكومته الرشيدة لتغييرها الواقع بنقلة نوعية على جميع الأصعدة وبفترة زمنية قياسية ولما خطته من خطوات سديدة لإعادة البنى التحتية من أجل توفير المزيد من الخدمات من خلال مواكبة العصر لتوظيف التقنيات الحديثة وما توصل اليه العلم من الحداثة والتكنولوجيا وتسخيرها في خدمة المواطنين بما يتلائم والبيئة الكوردية من أجل تطوير مدن وقصبات كوردستان بما يضاهي عواصم الدول الغربية ولتعويض ما فات الشعب الكوردي من أيام العوز والفقر ليعيش برفاه وسعادة بعيداً عن الظلم والتهميش الذي مورس ضدهم لسنوات خلت على يد أعتى نظام دكتاتوري عرفه التأريخ المعاصر .