لم تلتفت الحكومة العراقية ومؤسساتها وأجهزتها المختصة الى هجرة ألاف العراقيين الهستيرية والمفاجئة والتي لم يشهد لها التاريخ مثيلا لولا غرق الطفل الكردي السوري أيلان وما رافقه من غرق طفلين عراقيين من كربلاء المقدسة،ثم توالت المصائب على المهاجرين في البر والبحر مع ما أضافته مواقع التواصل الاجتماعي من صور محزنة وقاسية أطرت الهجرة بمسحة من الحزن والانكسار والشعور بالدونية لأوضاع وأحوال المهاجرين وكيفية تعامل الأجهزة الأمنية التابعة للدول التي مروا بها اتجاه قبلة الحالمين برلين والقديسة ميركل.
ورغم ان وجهات المهاجرين ومحطات أحلامهم عندما خرجوا من ديارهم لم تكن معلومة بدرجة واضحة الا أنهم كانوا عازمين على الهجرة والتعامل مع الموضوع وفق نظرية مروان ابن الحكم والقائمة على مبدأ أينما أصاب فتح طالما ان كل بلاد اوربا جميلة ومخضرة وتدفع باليورو وتتساوى فيها مساحات الشطئان والبيض الحسان،الا ان طريقة التعامل والحصار والركل واللكم جعل الجميع يولي وجهه صوب برلين بعد ان انتفضت العمة ميركل وثارت بداخلها حمية النخوة العربية قبل عصر العولمة والربيع العربي فاتحة بوابات المانيا للحالمين وللراغبين بحط الرحال بين ربوعها وفي حمايتها،بل تعدت بكرمها ونخوتها حدود المعقول عندما طالبت من دول الاتحاد الأوربي استقبال المهاجرين وتقديم الماء والكلأ لهم ولإنعامهم ،وإلا فإنها ستحرمهم من ميراث المساعدات الاقتصادية التي تجود بها يمينها.
ومع كل الفرضيات والاحتمالات والمؤامرات التي يتحدث عنها الإعلام والجعفري باعتباره وزيرا للخارجية وأصحاب الاختصاص في العراق عن الأسباب والنتائج والانتماء والوطن تبقى الحقيقة متفاوتة لمن هاجر ولمن يرغب في الهجرة وللرافضين للهجرة حد الإملاق،لان لكل طرف أسابه ودوافعه وأمنياته وأحلامه وانكساراته وظلامته وشعوره بالمجهول والخوف من الغد ،حتى مع فرضية الجعفري الاخيرة والتي عرفها بالاضلاع الثلاثة.
هاجر من هاجر ومات من مات وعاد من عاد وبقي من بقي وهناك من يريد الهجرة مع كل المشاهدات وكل صور الركل والغرق وثلاجات الموت ليس لانه مهووس بالهجرة وليس لانه لا يملك تدبير امره وليس لانه فاقد العقل والاهلية ولكن لانه فقد الامل والرغبة في البقاء ببلد لم يبق منه الا الاسم بعد ان مزقته المفخخات والمحاصصة والفساد،حجته داحضه في الجدل لانه يعتقد ان بقاءه مجهول وسفره افضل من المجهول ان تجاوز محطات الخطر والموت بشيء من الحظ والمطاولة والصبر وعطف وانسانية اوربا عامة وميركل خاصة.افضل من انتظار المجهول في العراق ولا شيء غير المجهول.
لا تكلموني عن المهاجرين وعن وطنيتهم وعن انتمائهم ولكن كلموني عن الحكومة وعن استحقاقات المواطن،هل بامكان الحكومة ان توفر الامن والامان وهل بامكانها ان توفر لكل مواطن فرصة عمل حقيقية يمكنه من خلالها العيش بشرف هو وعائلته وهل بامكان الحكومة ان توفر له الرفاهية والاستقرار النفسي وهل بامكان الحكومة ان تعالج الفوضى العارمة في كل مؤسسات الدولة وشوارع المدن والاقضية والنواحي وهل وهل.
ان حب الوطن شيء جميل لكن ما قيمة وطن لا يمنح الحياة لابنائه.