لو قُدّر وامتثل المتهم ( طارق الهاشمي) الى القضاء ،بإرادة منه أو بدونها ، فسينعكس ذلك إيجابيا على أصعدة شتى ، والتي أهمها الثقة بالحكومة ، باعتبارها المعنيّ الأول بذلك ، وسد كل الأبواب أمام كل من يحاول أن يعيث فسادا ، ويعبث بأرواح الأبرياء كما يحلو له ، ويطمئن الشعب من أن تسوية ملفات المجرمين وغلقها ، لن يتكرر ، ولن تكون هناك أية فرصة لغض النظر عن مرتكبي الجرائم تحت الضغوط السياسية ، كما تعزز العملية ، احترام القانون وسريان سلطته على الجميع دون الإلتفات الى المراكز، أو المواقع التي يشغلونها ، والأهم من كل ذلك حسم الملفات التي بجعبة الكثير من سياسيينا ، والتي أضحت ديدنهم في حربهم مع بعضهم ، فالكل يزعم ان لديه ملفات تدين خصومه ، ويستخدمها ورقة ضاغطة يتحيّن الوقت المناسب لإظهارها للعلن ، فهي أشبه ماتكون بقنابل موقوتة يفجرها حين تقتضي الضرورة ، وإن كان يوظفها في أغلب الأحيان كوسائل دفاعية صالحة للتهديد ،حين لا يجد سبيلا سواها ، أو يوظفها متى يشاء لصالحه أو لصالح قائمته أو الكتلة التي ينتمي إليها ، وربما وجد البعض في تأجيل إشهار الملفات التي يمتلكها ، ضرورة يمليها عليه الراهن السياسي ،
لا أحد بوسعه الوقوف على حقيقة هذه الملفات التي ربما منها ما له واقع دامغ ، وآخر ليس لها وجود أصلا ، بل هي وهمية ، تجعل الآخر يهابها لجهله مافيها ..فتتحقق بذلك مآرب لم تكن لتتحقق لو لا هذا التلويح .. إن من المعيب والمخزي أن يتحايل السياسيون على القانون ويركنوه ، ويتراضوا بينهم ، ثم تصل الدرجة الى حد أنهم يتنازلوا ، ويعطلوا القانون في البتّ في قضايا ليس من حقهم التنازل عنها ، لأنها لا تعنيهم ، إلا بحدود محاسبة مقترفيها ، كسرقة المال العام ، وزهق الأرواح و و .. وهي حقوق لغيرهم وليست لهم فهم وكلاء في حراستها ، فكيف يحق لهم التنازل عما ليس لهم ، ومن خوّل لهم ذلك ، فهم كمن يتستر على الجرائم فيضاعف وطأتها على أهلها مرتين ، مرة في حقهم المهدور ، والأخرى في فقدان الأمل فيمن تبوؤا مقاعد لحمايتهم والدفاع عنهم ، وإذا بهم يصدمون بالمساومات على دماء ضحاياهم ، دون أن يكون بمستطاعهم تغيير شيئ من ذلك .
إن ما يقوّم العملية السياسية ويركز دعائمها أكثر، هو الاشتغال على الرجوع الى الدستور في كل شاردة وواردة ، والحرص على تجنب ليّ القانون وتطويعه لحسابات سياسية ، قد تُحرَج الحكومة في كثير من الأحيان في معالجة الموضوعات التي هي حقوق عامة ، يصعب أخذ القرار فيها إلا بمراجعة القانون الذي سنّ لاسترجاع الحقوق لأهلها ، صغيرة كانت أم كبيرة ، بغض النظر إن كانت هذه القضايا لها ردة فعل سلبي أو إيجابي على الواقع السياسي ، والأمثلة في ذلك كثيرة ، قد يُحرِج الحكومة ذكرها ، لكنها تتحمل هي مسؤوليتها ، لأنّ عدم مراجعتها كفيل أن يعيدنا الى ما دفعنا الكثير من الدماء ضريبة للتخلص منه ، لتضرب العملية السياسية جذورها في العراق الجديد بقوة ، دون ان تكترث بما تخطط لها أجندات تجعل المخلصين في العملية السياسية يعيشون حالة من التردد في اتخاذ القرار الذي يتوجب اتخاذه بصرامة ، فقضية الدايني أو الدليمي والضاري ، وما ارتكبه الهاشمي عام 2006، كلها مؤشرات مخيبة ، تظل في ذاكرة الفرد العراقي دون أن تُمحى ، ولها اسقاطاتها على الشارع العراقي ، والذي يسقط بدوره الكثير من السياسيين لعدم كفاءتهم بالنهوض بالدور الذي لأجله تم إعطاءهم الأصوات في الإنتخابات ..
لا أعتقد أن ثمة حراجة يمر بها الواقع السياسي العراقي كالذي نعيشه اليوم ، حراجة مغمّسة بمخاطر مهولة ، حين تخترق العملية السياسية ، ويبدأ النخر في الصميم ، نخر وأي نخر ، وهل ثمة أشنع من الجرائم الإرهابية المنظمة إن ثبت قضائيا ، أنّ الرأس المدبر لها بمنصب نائب رئيس جمهورية ..
الشارع العراقي اليوم يواصل بدقة مجريات الأحداث ، مترقّبا لما ستؤول اليه ، ليحدد موقفه من الحكومة المتمثلة بالجهات القضائية المختصة ـ متخذا ، أي الشارع ـ من الحدث ميزانا ، يزن به الحكومة على مدى السنوات التي أعقبت السقوط والى اليوم.. فهو امتحانها الذي يترتب على تجاوزه ـ الكثير من المعطيات ، وفي حال انكفاءها ، فسيحكم عليها حكمه النهائي ، الذي لاينفع معه أي سبب لأبقاء الحكومة ، حكومة تستحق أن تحترم .
[email protected]