18 نوفمبر، 2024 1:20 ص
Search
Close this search box.

الهاشمي .. آخر الحراس ..!

الهاشمي .. آخر الحراس ..!

أستدعا الرحيل المفاجئ للناقد الموسيقي عادل الهاشمي رحمه الله ، التنبه الى واقع الحركة الغنائية والموسيقية العراقية في خضم الأهمال والضياع الحضاري وسط دخان العنف والانفجارات والصراعات السياسية والطائفية التي شكلت علامات ثابتة في الواقع العراقي بعد 2003.
كان الزميل عادل الهاشمي الى جانب فصيل من النقاد والاكاديميين الموسقيين امثال عبد الوهاب الشيخلي واسعد محمد علي وسعاد الهرمزي وعلي عبد الامير وطارق حسون فريد وظاهر حبيب العباس وعلي عبد الله وغيرهم من الاعلاميين والمتابعين والدارسين وخبراء الموسيقى يشكلون قنوات فلترة ومتابعة ونقد من خلال مصادر الانتاج المتمثلة بالاذاعة والتلفزيون ودائرة الفنون الموسيقية ومعاهد الموسيقى المتوزعة في البلاد والدوائر والاقسام المعنية بالرعاية والحفاظ على الموروث الموسيقي او النتاجات الحديثة لقطاع الموسيقى وكذلك الغناء ، الى جانب زوايا وصفحات تفردها وسائل الاعلام كالصحف والمجلات والبرامج المنوعة والفنية في أوقات البث الاذاعي والتلفازي لمتابعة الساحة الموسيقية عبر النقد والتحليل والعرض الانطباعي للمنتوج الموسيقي العراقي .
ولعل أهم مايميز قطاع الموسيقى في البلاد هو ارتكازها لجملة قواعد علمية وفنية تستدعي من يدخل في هذا العالم ان يمتلك ادواتها الصعبة مثل الدراسة والموهبة والاذن الأحساس الموسيقي المرهف والطاقة الابداعية المتجددة على مستوى التأليف اللحني او الموسيقي الذي يعد أكثر أهمية وعلمية جمالية ، ولهذا لم يشهد قطاع الموسيقى الفوضى والامية التي سادت في قطاع الاغنية ، وبقيت أسماء مثل رائد جورج ونصير شمه ومحمد امين عزة وكريم بنيان وعلى عبد الله وخالد محمد علي وفتح الله أحمد وغيرهم قليل راسخة في ميدان الكتابة للموسيقى في هامش التوزيع الموسيقي او التاليف وكتابة المقطوعات المتكاملة في البناء الهارموني .
أنهيارات قطاع الاغنية ارتبط بالبعد التجاري وهبوط الذائقة وزحف كل انواع النشاز في الاصوات والذائقة نحو ضفاف الاغنية وهي ظاهرة سائدة في كل المجتمعات العربية والشرقية الاستهلاكية التي صارت تجد في جسد المرأة العارية او الأيحاءات الجنسية بديلا عن ترف الكلمة وجمالها وعمق اللحن وحلاوة الصوت وطاقته التعبيرية التي يتكثف فيها الفرح او الحزن وجماليات التعبير الروحي بأتجاهاته المختلفة .
الموسيقى في ظل التابوات الاجتماعية ومناخات الحزن والعتمة التي تغلف واقعنا الاجتماعي أمست في موقع ثانوي ، والاهتمام بها موضع رفض واستهجان من قبل بعض العقليات المنغلقة والمتخلفة ثقافيا كما وجدنا اعتراضا من بعض السياسيين على اقامة مهرجان بابل لانه يتضمن الموسيقى والغناء حيث ينظر لها البعض بصفتها شكلا مستكرها او محرما من اشكال الفن ، في الوقت الذي تشكل فيه الموسيقى ، وفق مفاهيم الحداثة والتراث العربي والاسلامي ، أهم واجهات الحضارة والرقي ودرجة قياس التقدم والغنى المعرفي والذوقي للمجتمعات ، وهنا تأتي المفارقة التي تترجم حجم الفساد السائد في العراق حاليا ببعده الثقافي والحضاري لينضم الى الفساد الاداري والمالي والسياسي الذي ينخر الوطن ..!
وزارة الثقافة العراقية كانت تركز على أهمية عدم ضياع المعايير وذلك بوجود دوائر تعنى بفنون الموسيقى مثل معهد الدراسات الموسيقية ودائرة الفنون الموسيقية التي تضم بيوت للمقام البغدادي والغناء الريفي والبدوي الى جانب متابعة واجازة الانتاج الغنائي الجاد واقامة المسابقات والمهرجانات السنوية لتدعيم هذه القطاعات ، ونأمل ان تواظب الوزارة على هذه المهمة الثقافية التي تشكل تحديا وحرصا وطنيا في ظل الظروف الحالية التي يعيشها الوطن . رحم الله الهاشمي كل من سعى للحفاظ على الروح العراقية الاصيلة .

أحدث المقالات