في شهر كانون الأول من العام 2014 نادى منادٍ من شبه الجزيرة العربية أن السعودية ابلغت العراق أنها “ستفتتح سفارتها في بغداد في الشهرين المقبلين كحد أقصى، وذلك بعد إكمال الإجراءات الأمنية والإدارية..”. ولو نظرنا الى عبارة “كحد أقصى”، لتبين لنا حرص الجانب السعودي الكبير على تمتين العلاقة بين الرياض وبغداد، وقد يذهب مواطن من العراقيين الطيبين الساذجين، فيظن أن آل سعود هم الجار الحنون الذي يبكي لمايصيب العراقيين، ويتألم لو تعرضوا الى مايضيمهم، بل قد يذهب حسن ظنه الى أنهم -آل سعود- يتداعون بالسهر والحمى إذا تداعى عضو من أعضاء شقيقهم العراق في الجسد الواحد الذي يجمعهما، لذا فقد وضعوا سقفا زمنيا للالتحام مع أخوانهم في الدين ونظرائهم في الخلق وجيرانهم على الأرض العراقيين، وكان ذاك السقف شهرين “كحد أقصى”. وللتذكير فإن اجتماعا عقد يوم 11/ 9/ 2014، كان قد ضم وزير الخارجية إبراهيم الجعفري مع نظيره السعودي سعود الفيصل، أبلغ فيه الأخير عزم المملكة إعادة فتح سفارتها في بغداد، ويبدو أن الفيصل هذا نسي أن يذكر عبارة “كحد أقصى” او قد تناسى ذكرها لعلمه مسبقا أن الحد الأقصى والأدنى للتواصل مع العراق لايوافق عليه الشيوخ تلاميذ “محمد بن عبد الوهاب”، وكذلك الأسرة الحاكمة التي تسير وفق نهجه حتى اللحظة. ومالايقبل الشك أن آل سعود انتهجوا قبل عقود طويلة نهج العداء للعراق وللعراقيين، ولايمكن تغيير نهجهم هذا في ليلة وضحاها.
إذن..! بإمكاننا القول أن نية آل سعود في إعادة فتح سفارتهم في العراق، لاتنطلق من ضرورة إعادة العلاقات الطيبة بين البلدين، بعد أن دنسها (القائد الضرورة) الذي كان في سابق الزمان صديقهم الحميم، وفوجئوا بسوء تصرفاته وحماقاته من خلال ما أفرزته سياسته الدموية في المنطقة. نعم، يبدو أن الهدف المرسوم في مد حبل الوصل من الرياض الى بغداد لايرمي الى خلق آصرة قوية تقرب البلدين من بعضهما، بل الغاية أضيق من هذا بكثير، وتنحسر في زوايا مظلمة مغرضة، أولها طائفية بحتة، وليس لثانيها وثالثها أهمية عند الطرف السعودي، إذ أن عقال هذه العائلة قد لف -فيما لف- كل الكياسة والروية في استخدام العقل، حتى طفت على سطح تحركاتهم نياتهم السيئة والتي توارثوها عن جدهم ابن عبد الوهاب، وأبت اليوم إلا الظهور.
إن استعادة العمل بالسفارة السعودية على أرض العراق، لن يكون لغرض شريف البتة، ولن تناط بالسفير والسلك الدبلوماسي فيها الواجبات التي تناط بباقي أعضاء السفارات في دول العالم، بل سيكون لها دور ثانٍ وثالث، وقد يكون عاشرا أيضا! لاسيما وأن قدمًا وموطئًا يمتلكان حصانة دبلوماسية سيكونان للجانب السعودي داخل الأراضي العراقية. وإذا كان شر آل سعود وشررهم يتطاير على العراقيين عبر الصحراء وعلى بعد مئات الأميال ، فكيف سيكون الحال لو سكنوا وسط البلاد معززين مكرمين محصنين محميين؟! الأمر يتطلب من حكومتنا ودولتنا النظر الى الأمر بعين تختلف عن التبادلات الدبلوماسية مع باقي البلدان، وإلا سنكون كقابض جمرة بكفه، أو كما يقول مثلنا: (مثل بلاع الموس).