23 ديسمبر، 2024 5:07 ص

النووي العربي والخطوط الحمراء!

النووي العربي والخطوط الحمراء!

موضوع جدل وخطاً أحمراً لدى القوى الإقليمية المناوئة للعرب وفق ما تداولته الصحف الغربية تعليقاً على إعلان إسرائيل رسمياً في 21 مارس الماضي تدمير موقع “يشتبه فيه” للمفاعل النووي السوري عام 2007.. إنه البرنامج النووي العربي.

 

لنلقي نظرة على تاريخ القوة النووية عربياً وعالمياً، فبعد ضرب هيروشيما وناجازاكي عام 1945، القوة الذرية لا يضاهيها سلاحاً أخراً في الدمار الشامل حيث حرصت الحكومة الأمريكية على أن يبقى سر السلاح الجديد مدفوناً داخل دائرة علماء مشروع مانهاتن مثل فيرمي وأوبنهايمر الذين هندسوا القنبلة النووية.

 

وبعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، قفل نجم الإمبراطورية الفرنسية والبريطانية ولمع نجم القطبين الجديدين “الأمريكان والسوفييت” إلا أن السوفييت لم ينقصهم أنذلك لمناطحة الخصم الأمريكي سوى القوة النووية الصاروخية بعد اختبار أول قنبلة عام 1949، ونجحو في تحقيقها عام 1958 ليتساووا في قوة الردع النووي كاملةَ.

 

ومنذ خمسينات القرن الماضي، تسارعت الدول الطامحة لمكانة مؤثرة على الساحة الدولية لتطوير ترسانة نووية لما لها من تأثير قاطع في سحق الأعداء وتهديدهم بما يخدم أجندتها السياسية والعسكرية، ففي عام 1952 امتلكت بريطانيا قنبلتها الذرية الأولى ثم فرنسا عام 1960 ثم تلاهما الصين عام 1964 لتصبح الدول التي حاربت النازية الألمانية والفاشية اليابانية نووية وأعضاء بمجلس الأمن الذي تأسس للحفاظ على الأمن الدولي بصرف النظر عن معايير أخرى أهم مثل العدل.

 

وتلي الصين الهند عام 1974 لتطلق سباق تسلح نووي في آسيا، بل وحفز إسلام أباد لتشييد ترسانتها الخاصة لردع الهند نووياً وتخوفها من تكرار حرب 1971 التي أجبرت بنجلاديش للانشطار عنها، ونجحت باكستان بالفعل عام 1998 بإجراء أول انفجار نووي، فامتلاك السلاح النووي يبدأ عادة بنجاح تجربة أول انفجار بعد تخصيب اليورانيوم بكميات أقل بكثير من المستعملة في الرأس أو القنبلة الذرية خلال الحرب النووية.

 

كما سعت إيران وإسرائيل وكوريا الشمالية لنيل لقب “النووي” وتفاوتت نتائج مساعي كلاً منهم حتى اليوم، وهناك دولاً كانت نووية وتخلت عن ترسانتها لظروف سياسية أجبرتها مثل بيلاروسيا وأوكرانيا وكازاخستان الذين تنازلوا عن رؤوسهم النووية لروسيا عشية انهيار الاتحاد السوفيتي.

 

امتلاك السلاح النووي يكلف الدولة الطامحة الكثير بلا شك مثل تكلفة تشييد المفاعل وتجهيزه بأحدث التكنولوجيا كأجهزة الطرد المركزي لتخصيب المادة المشعة، وكذلك تكلفة التخلص من المواد المشعة خاصة بعد اجراء أعمال الصيانة والتجديد لقلب المفاعل، وتكلفة توفير المادة المشعة نفسها التي يتم استيرادها غالباً من دول ليست نووية مثل النيجر وكازاخستان، وتكلفة توفير العامل البشري من علماء الذرة المؤهلين لمتابعة وإدارة مراحل انتاج السلاح النووي وأخيراً تكلفة تكنولوجيا توصيل السلاح النووي مثل الطائرات أو الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية العابرة للقارات.

 

فالعامل المالي في معادلة امتلاك ترسانة نووية شديد الأهمية لكن تظل الإرادة السياسية هي الأهم والأولى على الاطلاق، لننطلق من هذه النقطة للجزء التالي من المقالة.

 

عندما نفكر في “القنبلة الذرية العربية”، لابد من الأخذ بالاعتبار معيار قدرة اقتصاد دولة عربية على تحمل كل تلك التكاليف علاوة على العقبات السياسية المجحفة إقليمياً ودولياً أمام انتاج القنبلة النووية العربية التي تثمل تهديداً مباشرة لوجود دولة إسرائيل وأمن الشرق والجنوب الأوروبي المتاخم للمنطقة.

 

وتعتبر تجربة العراق درساً هامة في هذا الملف، بلد توفرت فيه كل ظروف امتلاك سلاحاً نووياً مثل الثراء النفطي الكافي لتمويل البرنامج النووي وإرادة سياسية وقاعدة علمية لا بئس بها، لكن المعطيات الإقليمية قادت لفشله بعد توجيه تل أبيب بمباركة أمريكية ضربة جوية لمفاعل تموز بوسط العراق عام 1981 والتي سميت أنذلك بعملية “أوبرا”.

 

أوبرا أضاعت الحلم العربي بامتلاك الثقل السياسي والعسكري اقليمياً ودولياً وتلي ذلك محاولة جديدة جادة لدى الجار السوري إلا أن إسرائيل قامت بضربة جوية للمفاعل السوري عام 2007، وهي ضربة مشابهة لما حدث بالعراق عام 81.

 

ومنذ ظهور السلاح النووي وحتى اليوم لم تخطو دولة عربية واحدة نحو امتلاك سلاحاً نووياً سوى تلك الدولتين، ولكني أتعجب لماذا لم يبادر العرب بفترة الحرب الباردة لامتلاك ذلك السلاح الاستراتيجي الخطير واستغلال ثغرات الخلافات السوفيتية الأمريكية لتنويع أنواع التسليح مثلما نجحوا في تنويع مصادره!!

 

وفي مصر، تم انشاء مفاعلين فقط لأغراض البحث العلمي في مدينة انشاص عامي 1958 و1961 بمساعدة أرجنتينية وسوفيتية، وتعمل الأن جاهدة لبناء مفاعل ثالث في الضبعة لـ “أغراض غير عسكرية”.

 

ليبرمان صرح للـ “بي بي سي” أن تدمير المفاعل السوري عام 2007 درس للمنطقة، لكنه لم يدرك أن هناك دولاً بالمنطقة ستفهم الدرس بشكل مختلف عما توقعه ومناقض لأحلام الجار العبري للهيمنة على المنطقة، فإيران فهمت الدرس وتعمل بعناد وإصرار على الانضمام للنادي النووي ومناطحة الكبار ووثقت أن المنطقة لا تُدار بالعدل ولا الحق وإنما بالقوة.

 

والجدير بالذكر أن تحول الحلم النووي الإيراني إلى حقيقة لن يدفع التطورات بالشرق الأوسط في اتجاه يخدم المصالح العربية، وإنما أعتبره رد فعل مختلف سينعكس بشكل مباشر على ميزان القوة بالمنطقة.

 

وتظل القنبلة الذرية العربية أحد الخطوط الحمراء التي يحظر على العرب تجاوزها أو حتى الاقتراب منها.. حلم اليقظة الذي يجوب ويطوف عقولنا بما تحمله من قوة عسكرية للعرب.

ونظل نحلم حتى يأتي الغد فقد يحمل مفاجآت للجميع!!.