ماعرضناه في الاجزاء السابقة من وجهات نظر إسرائيلية بشأن التعامل مع الملف النووي الايراني ينصب على اساس التعامل مع البرنامج النووي الايراني وفق رؤية استباقية من اجل منع ايران من عبور العتبة النووية ، او حيازة سلاح نووي ؛ انقسمت وجهات النظر بين من يرى وجوب التعامل بروح ايجابية مع محاولات ايقاف نشاط ايران النووي عند حدود معينة على غرار ماتم في الاتفاق النووي في اطار ٥+١ عام ٢٠١٥ بمزيج من الضغط والإغراء ، فيما يرى اخرون ضرورة التعامل العسكري من خلال استهداف الحلقات الخطرة من المنشآت النووية الايرانية ، وجر الولايات المتحدة للانغماس الفعّال في الجهد العسكري لتحقيق الهدف المنشود ، وهو اعاقة ايران بواسطة القوة عن امكانية حيازة سلاح نووي . هنالك مدرسة ثالثة تعتقد ان امكانية ايران على حيازة قدرات نووية عسكرية امر محتم الوقوع ، ويحب التعامل معه على هذا الاساس ، وان جميع الوسائل التي تمت مناقشتها أعلاه لن تثمر شيئاً اكثر من تأخير ذلك . على هذا الاساس ينبغي على القادة الاسرائيليين ان يأخذوا في الاعتبار إمكانيات التعايش مع ايران نووية ورسم ستراتيجياتهم الامنية وفق ذلك .
ديما ادامسكي ، وهي استاذة الدراسات السياسية في مركز هرزيليا الاسرائيلي للدراسات السياسية والستراتيجية تناقش هذه الفرضية .
تعتقد ادامسكي ان ايران النووية من شأنها ان تقلب نظريات الامن الاسرائيلية رأساً على عقب ، وان نظرية الردع القائمة حالياً واحتكار القدرة النووية في المنطقة قد انتهت ، ويتعين على القادة الاسرائيليين تطوير نظريات امنية جديدة .
وفقاً لادامسكي ، فأن هنالك افتراض شائع بين بعض المنظرين الاستراتيجيين الاسرائيليين مفاده ان راديكالية الملالي تترافق مع العقلانية والپراغماتية Cold mindedly and pragmatic ، وايران النووية تحت قيادتهم تمثل تحدياً ستراتيجياً من درجة قصوى Ultimate strategic challenge ، وان بالإمكان تطوير نظام للتعايش مع ايران نووية بقيادة هؤلاء الملالي على غرار ماكان سائداً بين المعسكرين الشرقي والغربي خلال حقبة الحرب الباردة التي اتسمت بعداء عقائدي غير قابل للتسوية ، لكنه عداء لم يمنع التعايش ، وان وضعاً كهذا يدفع قادة ايران للتصرف وفق معادلات الموازنة بين المكاسب والخسائر ؛ وان تحول ايران الى قوة نووية من شأنه ان يبعث في صفوف القادة الايرانيين قدراً من الشعور بعدم الانكشاف ، وذلك من شأنه ايضاً ان يكون حافزاً لخلق فرص افضل للحوار بين الطرفين ، ومستويات اعلى من الاستقرار ، رغم التناقض في المفاهيم الثقافية والأيديولوجية . يتعين على قادة ” اسرائيل ” بموجب هذه الصيغة انهاء حالة الغموض النووي وإعلان امتلاك ” اسرائيل ” للاسلحة النووية ، بما يؤدي الى احلال معادلة توازن الرعب Balance of terror على غرار ماكان سائداً بين الاتحاد السوڤيتي والولايات المتحدة ، وذلك وفقاً لتداعيات اعتماد مبدأ التدمير الشامل المتبادل Mutually assured destruction ( MAD) الذي اثمر سلاماً بنكهة العداء ، او ما اطلق عليه الحرب الباردة ، ويتم ذلك من خلال احلال حالة من التوازن النووي المستقر ، مع وجود حالة العداء العقائدي والاستقطاب الاقليمي ، كما يفترض اصحاب هذه المدرسة انشاء نظام ساخن للاتصالات بين قيادتي الطرفين على غرار الخط الساخن بين موسكو وواشنطن الذي تم إنشاؤه عقب أزمة الصواريخ الكوبية . .
تتفرع من هذه المدرسة الفكرية مدرسة أقلية فرعية تذهب الى ماهو ابعد من اجل احتواء ايران النووية ، اذ تدعو الى العمل على اعلان منطقة الشرق الاوسط منطقة خالية من السلاح النووي في اطار اتفاق شامل للسلام يقوم على التعاون الاقليمي وإنشاء نظام اقليمي في مواجهة ايران النووية ، واصحاب هذه المدرسة يَرَوْن ان يتم ذلك كمرحلة لاحقة للوضع الذي تفترضه مدرسة MAD .
فيما يتعلق بالعامل الامريكي ، تعارض مدرسة MAD اي عمل عسكري استباقي منفرد تأخذه اسرائيل ( ومعسكرها ) ضد ايران ، مفترضة ان ذلك سيؤدي الى قيام ايران بالرد ، ويشمل ذلك إستهداف المصالح الامريكية في المنطقة ، وعرقلة خطوط الملاحة النفطية بوجه خاص ، وتنجم عنه حالة نزاع مسلح واسع النطاق تُسحب الولايات المتحدة اليه مرغمة مما قد يؤثر على العلاقات الامريكية – الاسرائيلية على المدى الطويل ، ويزرع بذور عدم ثقة بين الطرفين ، وهذ مما يقود حتماً الى اضعاف قوة الردع الاسرائيلية في الاقليم ؛ وبدلاً من اي عمل عسكري استباقي ضد ايران بامكان ” اسرائيل ” ان تسعى لوضع نفسها تحت المظلة النووية الامريكية سواء بشكل رسمي اتفاقي ، او من خلال قبول ” اسرائيل ” كعضو في الخلف الأطلسي NATO او بنشر قوات امريكية فيها ، وبذلك يعتبر الهجوم ضدها هجوماً على الولايات المتحدة .