23 ديسمبر، 2024 11:33 ص

النووي الايراني من وجهات نظر إسرائيلية !! ج١

النووي الايراني من وجهات نظر إسرائيلية !! ج١

تتباين وجهات نظر الخبراء الاسرائيليين حول مايتعين اتخاذه من سياسات إزاء البرنامج النووي الايراني رغم

اتفاقهم على انه احد اهم التحديات التي تواجه ” اسرائيل ” وأمنها في هذه المرحلة . الهدف الذي يتفق عليه جميعهم هو ضرورة ايقاف تقدمه ، سواء من حيث نوعية مخرجاته المادية والمعرفية او كميتها ، ويتباينون في تحديد الوسائل اللازمة لذلك . غير ان جميع المهتمين الاسرائيليين في الموضوع متفقون على ان حرباً محدودة النطاق او استهدافاً لإحدى حلقاته لن يشكل الحل النهائي للمشكلة ، ولن تشكل تلك الإجراءات حلاً يتجاوز كونها عمليات اعاقة وتأجيل ، وهم يتفقون على ماقد يؤول اليه البرنامج النووي الايراني على المدى المتوسط او البعيد ، وهو امتلاك الخبرة والمواد والتجهيزات الكافية لصناعة عدة رؤوس نووية ، ويختلفون عند هذه النقطة في تحديد نوع السياسة التي يتعين انتهاجها ، التعايش او المواجهة ام التخلي المتبادل عن جزء او كل من الرؤوس او الحلقات الخطرة في البرامج النووية لدى الطرفين . لكل وجهة نظر في هذا المسلسل سأقدم وجهة نظر لشخصية ذات اعتبار في مجال البحث . ابدأ برأي احد رجال الاستخبارات الاسرائيليين السابقين في الاطار العام للمشكلة :

 

دينيس سيترينوڤيتش ، ضابط مخابرات مخضرم عمل في اجهزة استخبارات عدة في ” اسرائيل ” لمدة ٢٥ عاماً ، ويعمل حالياً كبيراً للباحثين في معهد ابا إيبان للديبلوماسية الدولية . نشرت له مؤخراً دراسة على موقع معهد واشنطن ، اهم ماورد فيها :

١- ان ايران قد تصرفت بشكل محسوب فيما يتعلق ببرنامجها النووي منذ ان أوقفت تجاربها الخاصة بإنتاج قنبلة نووية عام ٢٠٠٣ ؛ منذ تلك السنة تم التركيز على تطوير برامج التخصيب والتمسك بحقها فيه ، مع الالتزام بالخطوط الحمراء من حيث كمية ودرجة التخصيب .

٢- تعرضت ايران لضغوط دولية كبيرة انتهت بتوقيع الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥ والذي فرض قيوداً مشددة على البرنامج النووي الايراني وفق آجال محددة ، وتستطيع ايران بعدها التوسع في أنشطتها النووية تحت نظام للرقابة والتحقق ، وتكون مخرجات برنامجها النووي انذاك مخصصة لاغراض تجارية ، وبما يساعدها على تحسين ظروفها الاقتصادية من ما يؤمنه من موارد مالية .

٣- اتخذت ” اسرائيل ” موقفاً سلبياً من المفاوضات النووية مع ايران وما نتج عنها من اتفاق عام ٢٠١٥ ، وقد بذلت في هذا المجال جهداً كبيراً وصل حد التدخل في الحياة السياسية الداخلية للولايات المتحدة ، ولكن جهودها باءت بالفشل مما ادى الى عقد الاتفاق بعيداً عن متطلباتها ، واصبحت معزولة لوحدها في مواجهة ايران على هذا الصعيد .

٤- جاء ترامپ وقرر الانسحاب من الاتفاق النووي رغم المعارضة الدولية ، وتبنى سياسة الضغط الأقصى والعقوبات بهدف ارغام ايران للتخلي عن برنامجها النووي . في المقابل ناورت ايران بورقة التخصيب مجدداً لتظهر للعالم ” الثمن الذي سيدفعه في حال عدم عودة مختلف الاطراف الى الاتفاق النووي ” ، ومع قدوم ادارة امريكية جديدة يتم طرح فكرة العودة للمفاوضات .

٥- ستواجه العودة للمفاوضات صعوبات كثيرة ولعل من أهمها هي زيادة نفوذ المتشددين الايرانيين على الملف النووي ، وهم يصرون على ان تتضمن اي مفاوضات جديدة ” رفع العقوبات بالكامل ، والتعويض عن الخسائر التي سببتها العقوبات ، والسماح لايران بالاحتفاظ بقدراتها النووية القائمة باعتبارها جزءا من آمن البلاد وفقاً لرأي مختلف الاطياف السياسية في البلاد ” .

٦- من المرجح ان النقطة الوحيدة التي يمكن البدء بها ، في ظل التداعيات والتعقيدات التي نجمت عن سياسة ترامپ ، تنحصر في امكانية تمديد المهل الزمنية في الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥ ؛ ومن غير المرجح ان تقبل ايران بقيود على طبيعة النشاطات النووية المسموح بها وفق الاتفاق ( وخاصة التخصيب بعد كسر بعض حلقات دورة الوقود النووي مثل تصنيع قضبان الوقود الخاصة بمفاعلات الماء الثقيل ) ، وسترفض ايران اي بحث في برنامجها الصاروخي او نفوذها الاقليمي .

٧- يوصي كاتب الدراسة ان تتعامل ” اسرائيل ” مع المفاوضات القادمة بروح ايجابية والانخراط فيها والتخلي عن آية أفكار تتعلق بتفكيك البرنامج النووي الايراني ، لان هذه الافكار لاتحظى بقبول من القوى الكبرى ، وان تعمل على بعض القضايا الاخرى لتضمينها في اي اتفاق جديد مثل إطالة المهل الزمنية في الاتفاق النووي الى ابعد مدى زمني ممكن ، واعادة العمل بنظام التفتيش المباغت Intrusive inspection regime الذي يؤمن وصولاً مباغتاً غير مشروط لاي موقع او شخصية لاغراض التحقق والتفتيش .

٨- يعتقد كاتب الدراسة ان البرنامج الصاروخي الايراني لايمثل تهديداً كبيراً لأمن اسرائيل بحكم الجغرافيا وقدرات ” اسرائيل ” الدفاعية ضد الصواريخ ، وان بحث موضوع الصواريخ ، ان تم ادراجه في اتفاق ، فهذا يعني انه سيشمل انواع محددة منها واعتبار ماتبقى مشروعاً لاتستطيع ” اسرائيل ” البحث في شرعيته مستقبلاً ، لكنها قد تكون تهديداً في أيدي وكلاء ايران الاقرب لاسرائيل . ان تهديد آمن ” اسرائيل ” ينحصر في تنامي القدرات النووية الايرانية ، والتي يتعذر ايقافها الا من خلال اتفاق .

٨- من المهم ان تسعى ” اسرائيل ” لتغيير البيئة الستراتيجية من خلال مواصلة العمل على التقارب مع الدول العربية والسعي لصياغة تخالف عربي – اسرائيلي وخصوصاً مع دول الخليج العربي ، يشكل فيه الأعضاء العرب ضغطاً اضافياً على المجتمع الدولي والإدارة الامريكية لمواصلة الضغط على ايران من اجل تثبيت خطوط حمراء صارمة تشكل جزءاً اساسياً من اي اتفاق نووي جديد .

هذه وجهة نظر رجل مسلح بخبرة طويلة في العمل الاستخباري السري لصالح ” اسرائيل ” وستراتيجيتها الصهيونية ، وهو لإيميل الى ايران ولايقول مايقوله اويقدمه من توصيات بهدف ” التودد ” لايران ، وهذا تعبير استخدمه مرة احد المعلقين على احد منشوراتي لتوصيف موقف اوباما من ايران ، وسألته حينها عما اذا كان هنالك مصدر واحد ذو قيمة علمية ، ولو بالحد الأدنى ، من مصادر المعرفة في مجال العلاقات الدولية يستطيع ان يصنف كلمة ” تودد ” تحت اي عنوان فرعي في الفهرست ،،

ادارة العلاقات الدولية هي شكل من اشكال السياسة ، وهي بالتالي فن ادارة الموارد المتاحة من اجل خدمة المصالح ، وهذا يقتضي معرفة الوقائع على الارض ، وحساب المتاح من الموارد ، وتحديد ماهي النسبة التي يمكن تأمينها من الهدف العام وعلى اساس ذلك تدار السياسة ؛ وحين تقصر الموارد عن تحقيق الهدف النهائي ، يكون هنالك افتراق ، مؤقت او ربما دائم ، بين السياسة والستراتيجية .