23 ديسمبر، 2024 5:00 ص

النوم بين الرصافي وأحمد مطر

النوم بين الرصافي وأحمد مطر

الشاعر الكبير أحمد مطر من عمالقة الشعر العراقي

أختار طريقةً سهلةً وصعبة ً في الوقت نفسه وجعل كل قصائده تسلك هذا الفضاء الشعري الرحب.. وما أنا إلا ضيفة عابرة ً.. لي تأملاتي الخاصة مع قصائده التي اواصل مطالعتها منذ سنوات.. الآن وأنا اعيد قراءة قصائدهُ احتفاءً بمهرجان المربد الذي يحمل أسم الشاعر أحمد مطر لهذا العام ،توقفتُ عند بعض القصائد وفي فكري يدور سؤال:

هل الشاعر أحمد مطر  يخاف النوم؟ ولماذا ؟ وهنا حضر في ذاكرتي الشاعر الكبير معروف الرصافي وقصيدته:

يا قوم لا تتكّلموا***إن الكلام محرَّم

ناموا ولا تستيقظوا***ما فاز إلاّ النُوَّم

وتأخّروا عن كل ما***يَقضي بأن تتقدّموا

ودَعُوا التفهُّم جانباً***فالخير أن لا تَفهموا

وتَثّبتُّوا في جهلكم***فالشرّ أن تتعلَموا

أما السياسة فاتركوا***أبداً وإلاّ تنموا.

فأرى قصيدة احمد مطر(أوبة الحارس) كما لو انها جاءت تمردا على وصايا الشاعر معروف الرصافي

(لم أنم ْ

خِفت ُ أن يَسرق منّي أمتي كيدُ الأُمم

. لم أنم خفتُ أن يَستَفرد َ الذئب ُ

بقطعان ِ الغنم.)

وفي قصيدة اخرى

(آه لو يجدي الكلام)

الملايين التي على الجوع تنام

  وعلى الخوف تنام

    وعلى الصمت تنام

والملايين التي تسرق من جيب النيام

تتهاوى فوقهم سيل بنادق

ومشانق

وقرارات أتهام

كلّما نادوا بتقطيع ذراعيّ

 كلّ سارق

وبتوفير الطعام/ ص66)

الفرق بين قصيدتيّ أحمد مطر (أوبة الحارس) و(آه لو يجدي) فرقٌ قليل. في الأولى كان الصوت المنفرد لحارس القيّم هو الذي يتكلم. أما في الثانية  فصوت الجموع التي انتقلت من الخنوع والخضوع إلى التمرد الجماهيري ضد الظلم الذي يفتك بالشعب

(فتوى أبي العين)

لنفرض أنه نام

وفي النوم رأى حُلماً

وفي الحلم أراد الابتسام

لم ينم منذ اعتقلناه

إذن مُتهم دون أتّهام/ ص202).. في هذه القصيدة يعود الشاعر إلى شخصية الحارس في قصيدة (أوبة الحارس) لكن هذا الحارس اكتسب شخصية السجين. الذي لم ينم ولا يريد النوم. يخشى من نومهِ على سريرته. لذا لم يبق أمام الآخرين سوى الحل الافتراضي واعتباره من النائمين. وحين تفشل هذه الفرضية  تحل محلها الاعتباطية في القرارات( متهمٌ دون أتهام)

(حلم)

وقفت ُ ما بين يدي

مفسر الأحلام

قلت له : يا سيدي

رأيتُ في المنام

أنّي أعيش كالبشر

وأنّ من حولي بشر

وأن صوتي بفمي

وفي يدي طعام

وأنني أمشي

ولا يُتبعُ مِن خلفي أثر !

فصاح بي مرتعدا

: يا ولدي حرام

لقد هزئت بالقدر

يا ولدي.. نمْ عندما تنام!

هنا الضربة الكبرى التي يفجرّها الشاعر الكبير أحمد مطر فهو يجعلنا نقف بين نومين: النوم الطبيعي الذي يحملنا الى عوالم الهدوء والسكينة. النوم بالقوة الذي يجلب للمواطن الغفلة والعماء والبلادة . وهذا النسق الثلاثي  للنوم هو الذي يضمن لقوى الظلام بقاء تسلطها على العبّاد والبلاد.

وهنا تكمن الموهبة المتوغلة في التنويع لدى شاعرنا الكبير

فهو يستخرج كلمة(النوم) من المعجم ليزيدها ثراءً من شعريته المتدفقة بشحن المعنويات لدى القراء وهذا هو أيضا الفرق بين أحمد مطر وبقية الشعراء