عندما اصطدمت سيارة بعمود الكهرباء في شارعنا في احدى المدن الاوروبية ، قامت البلدية في اليوم التالي باصلاحه ، رغم اضراره الطفيفة .
فتذكرت كيف ان الشوارع في بلادي مليئة بالنفايات وعلامات المرور المخربة ، والارصفة المتكسرة ، والحدائق والساحات العامة المهملة .
ان ذلك يعود الى نظرية النوافذ المحطمة او الزجاج المكسور .
حيث اتفق علماء الاجتماع والاجرام على أن ترك الزجاج المكسور في أي مبنى دون اصلاحه يؤدي حتماً إلى تكسر بقية الشبابيك ، ومن ثم سرقة ونهب ماتبقى من موجودات البناية .
لا تقتصر النظرية على النوافذ المحطمة، بل تشمل أيضاً الانقاض المتروكة ، وتكدس القمامة، والشوارع المظلمة . وقد تكون البداية مشكلات بسيطة يمكن معالجتها الا انها تؤدي بالاخير الى فوضى عامة ، وجرائم خطيرة .
ان البيئة المنظمة والنظيفة في المجتمع تعطي الانطباع بان هناك مراقبة وأهتمام ، وبالتالي تحد من المخالفات والسلوك الاجرامي اوغير السوي .
وعلى العكس من ذلك فإن البيئة المضطربة ، التي لا تتم مراقبتها او الاهتمام بها تعطي اشارة واضحة الى ان السلوك غير الحضاري او المخالف للنظام لايكشف عنه وبالتالي سيكون خارج الاهتمام والعقاب
مثل النوافذ المكسورة ، واهمال النظافة وفوضى المرور . الخ ، وهذه ترسل إشارة إلى أنعدام المراقبة والمتابعة ، وتعطي الانطباع الى ان السلوك غير السوي ممكن تقبله ، ولا تتم معالجته إلا بشكل ضئيل .
وهنا تبدأ ثقافة المجتمع بالانحدار والتدهور ، من خلال الأشخاص الطارئين غير المرغوب فيهم وسلوكياتهم غير السوية التي لا تلقى الردع او الاصلاح .
فاذا ماظهر الفساد في دائرة من الدوائر ولم تتم معاقبة الفاسدين والمرتشين فسيكون هناك انطباع بالتساهل والقبول من قبل السلطات المعنية ، مما يدفع الى التقليد والانتشار على مستوى الدولة والمجتمع .
وكذلك الشأن بالنسبة للنظافة . فاذا ماتركت القمامة في مكان ما لعدة ايام دون رفعها . فان السكان سيساهمون بزيادتها فتصبح مسألة عادية غير مستهجنة طالما لم تتم معالجتها وازالتها في وقتها .
هنا يتم خلق نمط سلوكي جديد يساهم في خلخلة كيان المجتمع ، ويجعل الناس يشعرون بالاحباط واليأس من اي عمل اصلاحي .
ان البيئة النظيفة والمتحضرة تسهم في تعايش اجتماعي أفضل . فتطبيق نظرية الزجاج المكسور ومعالجة المشاكل منذ بداياتها الصغيرة على جميع المرافق من دوائر وشوارع ومدارس ومستشفيات يؤدي الى بيئة عامة سليمة تحترم الانسان من خلال الأنظمة والقوانين . وان التساهل بالمخالفات في الشوارع والسرقات البسيطة في الدوائر والشركات يمكن أن تؤدي إلى الفساد العام الذي ينخر الدولة ويخرب المجتمع .
علينا ان ندرك جميعا ان اهمال الاخطاء الصغيرة سواء في البيت او المدرسة او الدائرة ستؤدي الى خراب شامل ليس في البناء والمواد فقط بل للانسان السوي وبالتالي انحدار المجتمع . وهذا ما يحصل في بلداننا ومجتمعاتنا مع الاسف .
ادهم ابراهيم