23 ديسمبر، 2024 8:21 ص

النهــر الثــالـــــث

النهــر الثــالـــــث

المؤرخون والجغرافيون القدماء منهم والمعاصرين ، كذلك الرحالة ورسومات الخرائط التخمينية والواقعية ذكرت ان في العراق منذ الازل نهران عظيمان اقترن اسمهما باسم العراق واقترن اسم العراق بهما ، فعُرف ببلاد الرافدين وارتبطت حضارته وامتزجت بمياههما فسميت بحضارة وادي الرافدين كغيرها من الحضارات مثل حضارة وادي النيل وحضارة وادي السند ، شهدت ضفافهما اصول انبعاث اولى الحضارات واقدم القوانين واروع الانجازات في العلم والمعرفة والعمران والادارة المدنية والعسكرية وأجلُ صورالبطولات العراقية وشهدت ايضا ابشع الحوادث وسجلت اغرب الروايات والقصص والمواقف تناقلتها الاقلام بمداد الفخر والاعتزاز في متون مختلف الكتب ، لهما ( للرافدين ) حكايات مع كل ارض ومدينة يمران بها ومنها ، لهما كذلك ابلغ الاثر التاريخي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والانساني والوطني وغيرها الكثير من الاثر في النفوس انتشرت كالنجوم في سماء العراق بدلالة اصحاب الشأن والعلاقة من ابناء وطن الرافدين منذ العصور الغابرة الى الاحتلال الاول من قبل بريطانيا الاستعمارية الموصوفة بـ ( الدولة التى لاتغيب عنها الشمس ) الا ان شمسها غابت في العراق ونجومها افلت وتساقطت بثورات وانتفاضات ابناء الرافدين وارواحهم الطاهرة ودمائهم الزكية بشتى سبل المقاومة والمواجهة الوطنية الحقة في سبيل سيادة وحرية واستقلال بلد الرافدين .
مع الزمن وتقادم الصعب منه في مخاض عسير وعسير جدا من حمل غير شرعي لحظة غياب الحس الوطني الحر وتسلط رغبات المصالح الجامحة الجزئية والفئوية الفرعية على الكلية الجامعة للعراقية الصادقة في ظروف توفرت لها مستلزمات التقاء النوايا المبيتة ولد النهر الثالث في العراق . . .  لم يحتو مجرى حوضه مياها جارية بل دماء تسيل في كل آن ولحظة من اجساد ابناء العائلة العراقية بلا استثناء ، اطفالا وشيوخ رجالا ونساء ومن طبقات المجتمع كافة منهم العلماء و اصحاب الكفاءات من اساتذة الجامعات واطباء ، وعوائل أمنة في بيوتها ، واصحاب المحال بانواعها وشباب يمارسون لعبة كرة القدم  في الملاعب الشعبية و . . . . و . . وكل من يحيى في وطن الرافدين . . .  ليعيش العراق والعراقيين دوامة النزيف الدموي اليومي  وحمامات الدم  في احواض هنا وشلالات هناك منذ ان وطأت اقدام المحتل وحلفائه ومن والاه ارض دجلة والفرات  ، سال ويسيل عليها دم ابناء الرافدين واختلط في مجرى حوض النهرالجديد ( نهر الدم العراقي ) في تعاكس لمجرى الفراتين العظيمين السائغين شرابهما للاوفياء والمخلصين من هذا الوطن الجريح .
ان قساوة منظر نهر الدم ( النهر الثالث ) الذي يسبح فيه ابناء الرافدين رغما عنهم  وبشاعة يومياته وتنوع صور القتل والذبح العبثي  جراء مفخخات واحزمة ناسفة وعبوات موقوتة وعمليات اغتيال وسقوط قذائف هاون والعثورعلى شهداء مغدورين وقصف مجهول المصدر على الاحياء والدور وجثث تنتشل من الانهار وانفجارات هنا وهناك وكل ما يرفد نهر الدم  بالدم العراقي من بغداد انطلاقا صوب الجنوب والشمال ، وسيادة الحزن والالم وسيطرة حسرات الفراق على الراحلين ، هذه المشاهد الدموية اصبحت لا تفارق الشأن العراقي جاءت من رحم الاحتلال لم يقابل الا باللعنة والبغضاء  ، وبعد ان تُجَفف منابع هذا النهر الطارئ وتُردم اثاره ولا يبقى اسما لنهر ثالث في العراق يبقى عاره يلاحقهم اينما كانوا محفورا في جبين حَفرة منابعه الاساسين ومن ساهم معهم ، ويبقى الرافدان (دجلة والفرات ) نهران لا ثالث لهما يسبح فيهما العراقي وينعم بهما بلا خوف في ظل ديمقراطية التحرر من العنف والترهيب ، ويبقى التاريخ شاهد إدانة ليوم استحداث النهر الطارئ انسال اليه كل نقطة دم يستذكرتجفيفه والقضاء على اسبابه ومسبباته التى لاتخرج من دائرة انفلات الأمن وفشل خطط فرض القانون بألية وادوات المحاصصة والنزاعات السياسية التى وضعت العراق في المرتبة (159) حسب مؤشر تقرير مؤتمر السلام العالمي لعام 2013 .