الطبيعة المناخية في كل دول العالم لا تخرج من اطار الدراسات المستفيضة للخبراء والمهتمين بشأن درء الاخطار والكوارث التي تنجم عادة في كل فصول السنة ،لذا نجد ان العديد من الدول الساعية للرقي والتقدم تبدأ خطواتها الأولية بتهيئة بنيتها التحية لمواجهة غضب الطبيعة وتحدياتها ، بل ان العديد من تلك الدول قد وضعت خططا وبرامج وفرقا علمية وعملية وهندسية عالية المستوى لمواجهة آثار وتداعيات تلك الحالات المفاجئة التي لا تستأذن احدا عند حدوثها …
موسم الشتاء في كوردستان هي من أهم المواسم ذات الخطورة من حيث هطول الامطار بغزارتها المعروفة ، وموجات الثلوج التي بدأت تزحف رويدا رويدا لتشمل المدن التي كانت مستثناة عن تلك الموجات ، ونتيجة للمتغيرات المناخية قد اقتربت تماما من داثرة الشمول بالثلوج والامطار وتكون على تماس مباشر بخطر الفيضانات الجارفة التي تحصل عادة بعد تلك الموجات ….
الفيضانات وما تتبعها من آثار مسألة طبيعية ، وهي ليست بجديدة في عالم الكوارث الطبيعية ، وهي لا تعني مقياسا لخطوات الحكومات التي تضع من خطط و برامج لمواجهة ما تنجم عادة بعد حدوث هكذا حالات
ولكن ما يؤسف ان استعدادات حكومة اقليم كوردستان لم تكن بمستوى ما كانت متوقعة لما يحصل كما حصل في فصل الشتاء عام الماضي حين جرفت الفيضانات العديد من دور مواطني العاصمة هةولير، فقد غابت عن بال الدوائر المعنية بحتمية استنفار ملاكاتها الخاصة لتفادي ما هو أخطر …
اذنمتعة النهوض العمراني الظاهرة للعيان في كوردستان قد أفسدتها فيضانات الاسبوع الماضي ، حيث عاش الناس من جراءها في حالة الهلع والخوف ، وأثبتت بشكل قاطع ان الشركات التي اخذت على عاتقها تنفيذ الاعمال قد اهملت وتلكأت في تنفيذها وفق مقاييس ومعايير هندسيةخصوصا فيما يتعلق بشبكاتالصرف لمياه الامطار والمياه الثقيلة ، حتى تحولت العديد من شوارع وازقة اربيل العاصمة بما في ذلك الشوارع القريبة والمجاورة لأبنية حكومة الاقليم الى انهر وبحيرات ، والتي شلت من حركة السيارات والمارة تماما ، ، وان تلك الشبكات اشبه بسواتر ترابية لا تتحمل قوة الفيضانات الجارفة ، والتي انهارت منذ الساعات الاولى لهطول الامطار…
…
لذا فان المواطن لا يهمه الاسباب بقدر ما يهمه تلكأ الدوائر المشرفة على حركة التنفيذ العمراني والخدمي ، والتي ربما ستغادر تلك الدوائر قيمة مهنتهاالإشرافية مقابل رزمة من الدولار من هذه الشركة أو ذاك المقاول الذي اجاد فن بناء علاقاته الجانبية مع كبار المسؤولين الذين بدورهم لا يترددون في حمايته حين تحضر المسائلة أو عند ظهور علامات التلكؤ العمد والمغاير لشروط التنفيذ ، وهذا بحد ذاته مؤشر على ان تحويل المناقصات للمشاريع ذات الصلة بالجاني الخدمي في كوردستان للشركات محلية كانت ام اجنبية لا تتم الا وفق شروط عينية تفرضها هذه الوزارة أو تلك على هذه الشركات ، والتي تؤثر بلا شك سلبا على تنفيذ أعمالها بجانبيها الكمي والنوعي ، بدليل الانهيارات السريعة لشبكات المجاري المنفذة في العاصمةهةولير التي ارادت الحكومة ان تكون في هذه السنة عاصمة للسياحة العربية …
ومن هنا لابد من الاشارة ان ما تحقق في كوردستان من انجازات بعد 2003 هي من العلامات البارزة على النهوض الا ان ما تفسد مبدأ التباهي بتلك الانجازات هي لغة المحسوبية والمنسوبيةالسائدة في عموم الاقليم على حساب النهضة العمرانية وحركة البناء التي قطعت بها اقليم كوردستان شوطا كبيرا ، بدليل انه لا نجد شركة محلية الا وهي مدعومة من هذا المسوؤل أو ذاك ، وهذا الدعم بلا شك ليس بدون مقابل ولا لوجه الله ، فالمسؤول الذي يسهل من تذليل العقبات امام هذه الشركة أو تلك فهي بداية المصيبة التي لا تدفع ضريبتها الا المواطن ولا يعاني من آثارها الا سواه …
لذا نجد ان الاضرار التي لحقت بالمواطن هي اكبر من جوانبها المادية حتى وان اخذت حكومة الاقليم على عاتقها مبدأ التعويض لحجم خسارته واضراره ، فيما نجد بالمقابل ان الشركات المنفذة لمشاريع الصرف الصحي ومياه الامطار يخرجون من الحساب كشعرة من العجين ، وربما يخلقون من الاعذار والمبررات غير القانونية يقنعون بها اصحاب استلام الرزم ، ويضحكون بها على الراي العام ….
ان ما حصل في هةولير العاصمة ليس بحدث عابر ، فالتغاضي عنه هو طعن بحق شرف المسؤولية الوطنية والقومية ، لان ما صرف من أموال خلال سنوات ما بعد 2003 على المشاريع الخدمية تعادل ميزانيات سنوية لأكثر من دولة نامية ، وهذا يعني ان برلمان كوردستان الجديد الذي لم نجد له حضورا الى الآن أصبح الآن امام اكبر مسؤولية تأريخيه لكشف الغطاء على الصفقات المشبوهة التي تبرم مع الشركات المحلية والاجنبية العاملة في كوردستان التي تعمل دون متابعة ورقابة ، وتنفذ اعمالها خارج نطاق شروط والضوابط والمواصفات، والعمل على رفع الغبار عن الايادي الخفية الداعمة لهذه الشركاتوالتي تختبئ تحت مسميات سياسية ، وتنعم بالحصانة التي يستغلونها لصالح منافعهم الشخصية التي لا تدور الا في فلك جمع الاموال والثروات وغسلها على مبدأ (على حس الطبل خفن يا رجليه) ..!!والا فان المجاملة والتغاضي عن أخطاء غير محسوبة العواقب للشركات العاملة في كوردستان تمهد السبيل للمزيد لهذا النوع من الكوارث المفاجئة ، و لابد لحكومة السيدنيجيرفان البارزاني ان تحث الوزارات المعنية بضرورة متابعة المشاريع الخاصة بالبنى التحتية ، ولا تتلكأ في أخضاع تلك الشركات للمحاسبة الجادة عند التقصير ، وتفرض عليها شروطا تحد من تجاوزاتهم علىبنود وشروط المناقصات المحالة اليها ، ولكي تكون شبكات صرف مياه الامطار والمياه الثقلية في منأى من الحالات المشابهة كالتي حدثت في العاصمة هةولير….