من أهم أسباب خلود النهضة الحسينية وديمومتها هي مبرراتها الواضحة وأهدافها السامية بالإضافة إلى وجود عنصر الشرعية للقيام بتلك النهضة وهي قيادتها الرشيدة المتمثلة بالإمام الحسين (عليه السلام) الإمام المفترض الطاعة في قيامه وقعوده كما نص على ذلك جده الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) في حديثه المتواتر عند كل طوائف المسلمين : ( الحسن والحسين إمامان أن قاما وأن قعدا).
ان مبررات النهضة الحسينية تجلت بأوضح صورها أولاً في ضرورة إيقاظ المجتمع من حالة الاستسلام لطغيان السلطة وانحرافها لاستنقاذ المسلمين من تيارات الضلالة والجهالة التي عصفت به لتجعل منه مجتمعا يعيش واقعا مريرا بشخصية مهزومة ومأزومة بعد تسلط معاوية ويزيد واذنابهم على مقدرات الدولة الاسلامية وعلى رقاب المسلمين لأكثر من عقدين واستبدادهم وقمعهم وتنكيلهم لكل صوت رافض لمظاهر استبدادهم وطغيانهم ..
أما اهدافها فلقد تجلت بأسمى هدف وهو (الإصلاح) لما فسد من أمور المسلمين وقلع جذور الفساد السياسي والأخلاقي ورفع الظلم والحيف والحرمان عن المجتمع بعد أن عاث بني أمية نهبا بثروات البلاد واحتكروا خيراتها ..
ويرى الشيخ اليعقوبي في قراءته لإبعاد ونتائج النهضة الحسينية أن مبررات تلك النهضة التي خرج من أجلها الامام (ع) لا تزال قائمة لأن تلك الأهداف السامية للنهضة لم يكتمل تحقيقها ، ولأن معالم الظلم والانحراف لا تزال حاضرة وشاخصة وان تغير شخص الحاكم ونظامه الفاسد ، ويلخص سماحة المرجع أهم اسباب ومبررات النهضة الحسينية بالانتهاكات التي كان يمارسها الحكم الأموي ضد المجتمع والتي منها ( الاستبداد ، الاستئثار، إهدار المال العام ، تسلط الفاسدين ، قتل الابرياء ، خنق الحريات ، تعطيل العمل بالقانون ) .
وبالنتيجة فإن سماحته يرى ( أن الثورة الحسينية لا زالت مبرراتها ، وشعلتها ، وتوهجها يستلهم منها كل الثائرون والمصلحون ) .
ومع ذلك فإن وجود المبررات لقيام النهضة الحسينية وتجديدها لا يحدها بشكل وأطار معين ، وانما يرى سماحته أنه : ( قد تتنوع آليات العمل وشكل الخطاب بحسب اختلاف الزمان والمكان وتباين مستويات المجتمع البشري) ، ولا يقدح ذلك في أصل الفكرة وهدفها الأساسي المتمثل (بالسعي لتحقيق أغراض الثورة الحسينية المباركة ، والتي بينها الإمام بنفسه ) ، وهكذا يجد المتابع للائمة الهداة المعصومين أنهم مارسوا عملية الاصلاح في أدوار متنوعة وآليات مختلفة بحسب ما يقتضي الواقع السياسي والاجتماعي وتفرضه طبيعة التحديات مع المحافظة على وحدة الهدف كما عبر عن ذلك السيد الشهيد محمد باقر الصدر في كتابه ( اهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف).
أما أهم أغراض تلك النهضة فيرى سماحته أن الإمام الحسين (ع) أوضح معالمها في ثلاث مواقف وكلمات وهي وصيته لأخيه ابن الحنفية : (وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه واله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين ) .
وفي رسالته إلى أشراف البصرة : ( ان السنة قد أميتت، وإن البدعة قد أحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد).
وفي خطبته أمام كتيبة الحر الرياحي التي عارضته في الطريق ورافقته إلى كربلاء: ( أيها الناس إن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال: ” من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله” ، وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتولوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وإني أحق بهذا الأمر ).
وبالتالي يمكن تلخيص اهداف تلك النهضة الحسينية بالعناصر الثلاثة الاساسية في كلماته وهي ( طلب الاصلاح ، والهداية ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر) ، فطلب الاصلاح يجب ان تكون غاياته واهدافه مشروعة وسامية ونقية من الاغراض الشخصية او الفئوية ، وان تكون العناصر الاساسية لها هي بيان انحراف السلطة القائمة وردعها ، وهداية المجتمع واستنقاذه من الواقع المأساوي السلبي وذلك يكون انطلاقا من أحياء وظيفة وفريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تكفل الامام الحسين (عليه السلام) بتفعيلها على الرغم من كل التحديات والظروف العصيبة التي فرضها تسلط وتعسف السلطة الاموية وطغيانها .
[email protected]