23 ديسمبر، 2024 4:05 م

النمط النبوي – الخليفي في القيادة السياسية العربية والديمقراطية

النمط النبوي – الخليفي في القيادة السياسية العربية والديمقراطية

يعالج الكتاب الذي نحن بصدد مراجعته قضية من أهم القضايا التي تهم الوطن العربي في العصر الحالي، والتي شغلت تاريخ العرب بأكمله، وهي قضية القيادة السياسية وما يرتبط بها من تنظيم الحكم ومدى استعداد العرب للديمقراطية.
 واليوم، يواجه العرب في جميع أقطارهم حرباً منظمة على وجودهم وحضارتهم وتراثهم بالإضافة إلى تحديات الفقر والبطالة وازدياد فجوة التخلف في معظم مناحي الحياة في ظل العولمة الشاملة التي تمس كل فرد وكل جماعة وكل مجتمع. وكل هذه الظروف تطرح بقوة أهمية القيادة السياسية والتنظيم السياسي الذي يتبناه المجتمع لمواجهة التحديات والمسؤوليات الخطيرة، فلا توجد قضية أخطر وأجل مثل قضية القيادة السياسية والتنظيم السياسي في العصر الحديث.
 إن الكتاب يطرح فكرة جديدة أو نظرية جديدة تحاول تفسير تراثنا في الفكر السياسي والقيادة السياسية وتأثير ذلك التراث على سلوكنا السياسي الحالي سواء كنا نتحدث عن القيادة في نظم الحكم أو في منظماتنا الأخرى. فقد آن الأوان أن نتجاوز الدراسة الفردية للقيادات في التاريخ، ونصل إلى تعميمات عملية تفيدنا في فهم سلوكنا السياسي ونستعد لما هو أفضل، أي أن نرى العموميات المشتركة التي تحركنا كعرب. فالكتاب رؤية جديدة تحاول الفهم والتفسير في الحد الأدنى، وتتيح المجال للتنبؤ والتحكم إن وجدت النيات للتحكم نحو الأفضل.
 ويهدف الكتاب إلى تشخيص حركية القيادة السياسية عند العرب كجزء لا يتجزأ من تكوين المجتمع العربي بتراثه وثقافته، ومعرفة محدداتها كعملية تمثل المخيال السياسي العربي وتحديد نتائجها على المجتمع وبخاصة مدى توافقها أو تعرضها مع الديمقراطية.
 فالهدف العام للكتاب، هو تفسير حركية القيادة السياسية العربية ووضع نظرية عامة لها أو نموذج فكري بنائي يوضح محركاتها أو عناصرها الرئيسية ويربط بين تلك المحركات والعناصر ويبين نتائجها الاجتماعية والسياسية. فتمحور الكتاب حول فكرة النمط النبوي – الخليفي أو الزعامي- السلطوي، وهو نموذج فكري تحليلي يحدد عناصر معينة ذات صلة وثيقة بظاهرة قابلة للدراسة، ويحدد العلاقات بين تلك العناصر فيما بينها من جهة وبينها وبين الظاهرة من جهة أخرى، بحيث يؤدي هذا الربط إلى فهم الظاهرة وتفسير سلوكها وربما إلى التنبؤ والتحكم بها. فسعى الكتاب إلى تحديد العناصر الأساسية لهذه النمطية، وهي أربعة:-
الشخصانية أو الذاتية، والفردية، واللامؤسسية، والاستعداد لتقبل الرجل العظيم، واصفاً منشأها ومحدداً نتائجها السلبية، وخصوصاً لجهة وجود تعارض كبير بين ما يفرضه النمط النبوي – الخليفي من سلوك وما تتطلبه الديمقراطية من شروط وسلوك ونتائج.
ومن أجل التوصل إلى هذه النتائج، اعتمد الكتاب خطة ذات مراحل أربع هي:- التأصيل النظري والتاريخي للنمط النبوي – الخليفي وتجليات هذا النمط في تراث الإمامة والخلافة والفلسفة الإسلامية وتجليات هذا النمط في النظم المعاصرة وتعريف الديمقراطية وشروطها ومزاياها وعيوبها وتحليل مدى استعداد العرب للديمقراطية بافتراض هيمنة النمط – الخليفي.
النمط، هو المحور الرئيسي للكتاب وهو نموذج بنائي جديد لفهم القيادة السياسية عند العرب وتشخيص مكوناتها التراثية المجتمعية، أسماه المؤلف النمط النبوي – الخليفي أو النمط الزعامي – السلطوي، وهو يفترض إن الإنسان العربي يكتسب من مجتمعه صفات كثيرة بعضها إيجابي وبعضها سلبي. ومن أهم الصفات التي لها سلبياتها وإيجابياتها صفتا الشخصانية (الذاتية) والفردية. وهاتان الصفتان تؤديان إلى صفتين أخريين تبرزان في عملية القيادة السياسية بشكل خاص، هما اللامؤسسية وأهمية الرجل العظيم.
فعندما تسود الذاتية والفردية في وضع قيادي يصبح ذلك الوضع لا مؤسسياً. وهذا يخلق فراغاً أو حلقة مفرغة، بمعنى إن الفردية والذاتية تخلقان اللامؤسسية، وإن اللامؤسسية تنمي الفردية والذاتية وتقويهما. فالقادة يكتسبون صفات الفردية والذاتية أصلاً من أوضاع اجتماعية مروا بها أو عاشوها، وفي تصرفهم وهم في مجال قيادي يعززون الاتجاهات الفردية والذاتية.
وفي وضع كهذا يصبح للرجل العظيم أهمية كبرى، لأن الأهمية هي للشخص وليست للمركز أو الوظيفة. فالعرب مهيئون بدرجة كبيرة لظهور الرجل العظيم ويتوقعون ظهوره لحل مشاكلهم الكبرى.
فالرجل العظيم ليس عظيماً بالمعنى المطلق بل هو الرجل الذي يعتقد أتباعه إنه يمتلك قدرات سحرية خارقة فوق مستوى الآخرين. وهو لذلك جدير بأن يتبع. وهذا ما يؤدي إلى وجود نمطين فرعيين من أنماط القيادة هما النمط النبوي (الزعامي/ الكاريزمي) والنمط الخليفي (السلطوي).
النوع الأول، يتميز بوجود علاقة عاطفية بين القائد والأتباع مما يؤدي إلى الانقياد الطوعي من دون الحاجة إلى استعمال القهر مع الأتباع إلا نادراً. والنوع الثاني، هو النمط الذي يوجد فيه في مركز القيادة شخص عادي وليس شخصاً ملهماً في نظر الأتباع والقيادات الأخرى. وفي هذه الحالة لا يعتمد على العلاقة العاطفية والتبعية الطوعية وإنما على استعمال القوة بالدرجة الأساسية.
إن القيادة السياسية العربية تسيطر عليها نمطية معينة نسميها (النمط النبوي – الخليفي) أو (النمط الزعامي – السلطوي)، وهي مستمرة بغض النظر عن عقيدة المجموعة أو الفترة الزمنية التي تعيشها. هذه النمطية هي ظاهرة عامة بغض النظر عن الزمان والمكان.. ومنشأ العناصر الأساسية لهذه النمطية اجتماعي ثقافي، وهي أربعة عناصر كما مر بنا:- الشخصانية أو الذاتية، الفردية، اللامؤسسية، والاستعداد لتقبل الرجل العظيم.
يشكل النمط النبوي – الخليفي بمجموع عناصره وحركيته المخيال السياسي العربي، وهو بصفته خاصية للمجتمع، غير محصور في الممارسات السياسية للقيادات بل هو أيضاً متمثل في ما يشكل النظرية السياسية للقيادة في الثقافة العربية، فهو يمثل الوحدة بين النظرية السياسية والممارسات الفعلية للقيادة. أي إن عناصره متوافرة في الممارسة السياسية كما هي في التفكير السياسي العربي.
هنالك نتائج سلبية لاستمرارية هذه النمطية، من أهمها ضعف استعداد المجتمع العربي للديمقراطية. وبصيغة أخرى، هنالك تعارض كبير بين ما يفرضه النمط النبوي– الخليفي من سلوك وما تتطلبه الديمقراطية من شروط وسلوك ونتائج.
مهما كانت فكرتنا عن مفهوم القيادة – يقول المؤلف – نتفق جميعاً على إن فكرة القيادة هي إحدى صفات أو نتائج الجماعة الإنسانية، صغرت أو كبرت. فلا وجود للقيادة دون جماعة، ولا شك في إن حياة أية جماعة إنسانية من دون قيادة قد تعني شكلاً من أشكال التفكك والفوضى. فبمجرد وجود قيادة في أي جماعة إنسانية أمر ضروري ولابد منه، بغض النظر عن طبيعة الشخص أو الأشخاص الذين يقومون بالقيادة. ولكن حجم الجماعة وطبيعة وظائفها تؤثر في نوع القيادة المطلوبة، وفي مبررات وجود قيادة معينة دون أخرى، وبالتالي تعني فرقاً في حياة الجماعة وعلاقاتها الداخلية ومدى تحقيق أهدافها وعلاقاتها بالمحيط وبالجماعات الأخرى.
فظاهرة القيادة ظاهرة مركبة تتفاعل فيها عوامل كثيرة، من أهمها استمرارية الأنماط التقليدية والاتجاهات الضاربة في أعماق التاريخ، بالإضافة إلى الظروف المعاصرة التي لم تستطع التغلب على هذه الاستمرارية الكاسحة.
وكلمة قيادة مألوفة في اللغة العربية منذ القدم، وتعني عموماً أي شخص يقود الآخرين أو هو في مركز الأمر، ولذلك نجدها تستعمل في كثير من المجالات السياسية والعسكرية والاجتماعية. ولكن التمييز الحديث الذي أدخله بعض العلماء الاجتماعيين على كلمة القيادة جعل لمفهوم القيادة معنى اصطلاحياً لتمييزها عن مفهومي السلطة والرئاسة.
فالقيادة هنا، تعني إن الفرد الذي في المركز أو الدور يتمتع بقبول ورضا من الجماعة التي يقودها، فالعلاقة هنا علاقة القبول والموافقة. ودرجة معينة من تفضيل ذلك الشخص على غيره في ذلك الموقع. وهذا المعنى يميز القيادة عن السلطة التي تعني الحق الرسمي أو العلاقة الرسمية بين صاحب الأمر ومن يتلقى الأمر وينفذه، ويميزها عن الرئاسة التي تعني وجود علاقة رئيس ومرؤوس من دون التضمين بوجود موافقة أو قبول من عدمه.
احتوى الكتاب على أربعة أقسام تشتمل على تسعة عشر فصلاً. في القسم الأول، قدم الكتاب إطاراً نظرياً شاملاً لمفاهيم القيادة. وبعد أن شرح النمط النبوي – الخليفي بالمعنى التجريدي، أظهر الإطار الفكري العقائدي والعملي التاريخي الذي تبلور فيه النمط الزعامي – السلطوي أو النبوي – الخليفي. وبين إنه يتكون من عناصر أربعة ونمطين فرعيين. العناصر الأربعة هي الذاتية (الشخصانية)، والفردية، واللامؤسسية، والاستعداد لتقبل الرجل العظيم. وهي العناصر التي تكون العلاقة القيادية العربية. والنمطان الفرعيان هما النمط النبوي (الزعامي/ الكاريزمي) والنمط الخليفي (السلطوي).
وفي القسم الثاني، تناول الكتاب العناصر الفكرية والعقائدية والفلسفية لمفهوم القيادة عند العرب متمثلاً في نظام الخلافة نظرياً وعملياً، وما كتب عنها من وجهات نظر السنة والشيعة وكبار الفلاسفة المسلمين.
وتناول القسم الثالث ست حالات قيادية عاش معظمها في النصف الثاني من القرن العشرين والبعض قبل ذلك. وقد صنفها الكتاب إلى ثلاثة مجموعات تتألف كل مجموعة من حالتين هي:-

– حالتان لزعامة فردية كاريزمية في رئاسة الدولة، جمال عبد الناصر والحبيب بورقيبة.
– حالتان لزعامة فردية كاريزمية في حركتين كاريزميتين هما حركة الإخوان المسلمين وحركة الحزب السوري القومي الاجتماعي.
– حالتان لحركتين كاريزميتين لم تتوافر فيهما القيادة الكاريزمية، هما حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة التحرير الفلسطينية.

وحاول القسم الرابع معرفة علاقة النمط النبوي – الخليفي بالديمقراطية، حيث قدم عرضاً للفكرة الديمقراطية من حيث مفهومها وخصائصها وشروطها ونقدها ومزاياها وما تشتمل عليه من معان ومؤسسات ومبادئ وقيم ومتطلبات لنجاحها. ثم ناقش فكرة وجود ديمقراطية عربية إسلامية ومواقف القوى والأحزاب والحركات السياسية من الديمقراطية. ثم حلل العوائق التي تجابه الديمقراطية في النظام السياسي العربي والمجتمع العربي، وكذلك الظروف والوسائل التي تساعد المستأثرين بالسلطة على إفشال الديمقراطية في الوطن العربي.

الكتاب :
د.بشير محمد الخضرا، النمط النبوي – الخليفي في القيادة السياسية العربية والديمقراطية، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، أيار/2005، 622 صفحة
[email protected]