23 ديسمبر، 2024 6:31 م

النمر الإيراني الجديد

النمر الإيراني الجديد

قال وزير الدفاع وكالة ووزير الثقافة أصالة سعدون الدليمي خلال حفل تأبيني أقامته وزارة الدفاع بمقرها في بغداد لتكريم الجنود الخمسة الذين قتلوا قرب ساحة اعتصام مدينة الرمادي مؤخرا وبحضور قادة الجيش ومدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة وبرلمانيين وأهالي الجنود” إن ساحات الاعتصام في المحافظات المحتجة تحولت إلى مسالخ وحاضنة “للإرهابيين ويجب وضع حد لها”
واضاف الدليمي ان “من يجيش الجيوش أو يؤسس الجيوش عليه أن يعلم ان لا جيش غير الجيش العراقي”.. محذرا بالقول إن “كل من ينازعه على وطنيته سيدفع الثمن”.متسائلا أي “دين جديد يتبعه أولئك ويريدون أن يلغوا ديننا”.
وأشار وزير الدفاع وكالة إلى أن الوزارة “بدأت بنقل معدات وجهد عسكري إلى محافظة الانبار بعد توفر معلومات عن سد سوري يمكن ان ينهار وأول المتضررين هم أهل الأنبار، لكن القتلة قاموا بمواجهة السيارات وحرقها وقتل سائقيها” متهمًا ” أجندات خارجية بتحريك هذه الساحات وهناك من يدافع عنها من السياسيين”.
أثار هذا التصريح الناري شهيتي لإعادة نشر مقالي السابق عن السيد الوزير. 
إن هناك صنفين من البشر لا يتوقف الجدل حولهما، من أيام آدم وحواء وإلى اليوم. واحد ٌيضع لنفسه ولضميره ولسلوكه ثوابت، يُسميها قيما ومباديء، ويؤمن بأن رجولته وإنسانيته وقيمته في الحياة تقاس بمقدار التزامه بها واحترامه لحدودها والدفاع عنها وعدم السماح لأحد بالمساس بقدسيتها مهما كان الثمن. وفي تاريخ البشرية أسماءٌ كبيرة وكثيرة من هذا النوع الخالد الثمين. ونحن في العراق لنا تراث ضخم في الثبات على المبدأ تركه لنا رجال يستحقون بجدارة كل احترام وإكبار ومهابة.
بالمقابل هناك نوع آخر من البشر يرفض هذا المنطق، عن دراية وتصميم، ويعتبر المنادين به ُسذجا وأغبياء وفاشلين. فهو يرى أن الشطارة تبيح النفاق والانتهازية ومقايضة الأمانة والشهامة والنزاهة بالمنفعة. هذا النوع من البشر يتفنن في ابتكار ألوان الخداع والنفاق والغش والغدر، ويميل حيث تميل الريح، وحيث تكون المنفعة، فينحني للظالم، ويبارك القاتل، ويمجد الحرامي، ويكره الشريف ويسخر من العفيف.
ومقدما أقول إن كل على كلمة في هذه المقالة شهودا أحياءًا لم يمت منهم أحدٌ بعد والحمد لله، أطال الله في أعمارهم جميعا.
سعودن الدليمي صديق قديم، تعود صداقتنا إلى ما قبل سقوط النظام في 2003. وبعد السقوط وجدته مقيما في فندق فلسطين، يبحث عن عمل. وحين كنت أزور فندق فلسطين لألتقي برفاقي وزملائي الإعلاميين العاملين في الفضائيات العربية والعالمية كان يتنازل لي عن غرفته في الفندق، لاقضي فيها القيلولة، ويتحمل هو شظف التسكع في أروقة الفندق إلى أن أهبط وأعيد له المفتاح.
أنشأ، بعد ذلك بمدة قصيرة، مركزا للبحوث والدراسات، في مدينة المنصور. دعاني لزيارة المركز، وكان معي زميلي عبد اللطيف السعدون، فطلب معونتي بالكتابة عن المركز في الصحافة العربية، لعل بريمر أو أحد مساعديه ينتبه ويقرر دعمه باعتبره أول مركز دراسات في العراق الجديد. كتبت عن أول نتائج استبيان أجراه المركز مقالا في صحيفة الشرق الأوسط بعنوان (هكذا تحدث العراقيون):  
http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=180017&issueno=8985
لم يصادف مركزه النجاح المطلوب. فعاد إلى السعودية، حيث يقيم وأسرته، بصفة لاجيء سياسي مع مجموعة من العسكريين العراقيين الذين هربوا من العراق في أعقاب غزو صدام للكويت.
في أواخر عام 2004، وكنت في زيارة قصيرة للرياض، دعاني صديق سعودي مكلف بالملف العراقي إلى حضور اجتماع مع مسؤول سعودي كبير لتقديم رؤية واضحة للأوضاع العراقية، وخاصة حول ما كان يدور في تلك الأيام من معارك (مليشياتية) في بعض المناطق. واقترح أن أصحب معي بعض السياسيين العراقيين المقيمين في الرياض. فدعوت لمشاركتي كلا من الدكتور هشام الشاوي، الوزير والسفير والأستاذ الجامعي الشهير، والمهندس وسام الصميدعي، وسعدون الدليمي. وحضر اللقاء مع المسؤول السعودي الكبير اثنان من مجلس الشورى ومدير مكتب ولي العهد وبعض العسكريين الكبار.
بدأ السيد سعدون الدليمي الحديث. فوجئنا، جميعا، بنعرته الطائفية السنية المبالغ فيها إلى حد كبير. فقد أوضح للجانب السعودي أن المشكلة العراقية هي فتنة طائفية تغذيها إيران للانتقام من سنة العراق، وليس لها أي وجه آخر. وضرب مثلا على ذلك بقيام حكومة الأحزاب الشيعية (الإيرانية) باقتطاع مدن وقرى تابعة لمحافظة الأنبار وإلحاقها بمحافظة كربلاء بهدف جعل خط الاتصال بين العراق والسعودية تحت سيطرة هذه الأحزاب. وطالب السعوديين بتسليح السنة، وبالأخص أهالي محافظة الأنبار.
وللتاريخ أقول إن أول من تصدى لهذا الطرح الطائفي المتعصب كان الدكتور هشام الشاوي، ثم تبعناه، وسام وأنا، ورفضنا طروحاته المتخلفة، وأكدنا للمسؤول السعودي أن المشكلة العراقية ليست بين شيعة وسنة، بل بين وطنيين عراقيين، شيعة وسنة، ضد قوى عرقية واحزب تعمل لحساب هيمنة إيرانية معادية لكل عراقي يتمسك باستقلال وطنه وسيادته، ويطمح إلى إقامة نظام ديمقراطي عاقل وعادل وغير طائفي ولا قومي عنصري، وأن من الأفضل للسعودية ولكل الأشقاء العرب الآخرين أن يعملوا على تصحيح نظرتهم إلى المشكلة العراقية، وعدم الوقوع في الوهم الشائع عنها وعن دوافعها.
وتولى الدكتور الشاوي شرح واقع العشائر العربية العراقية، بالتفصيل، وهو الخبير فيها بلا منازع، فأوضح أن أغلب العشائر العربية العراقية تضم شيعة وسنة.
بعد ذلك اللقاء، وبالتحديد في آذار/ مارس 2005، وكنت مقيما في الأردن، فاجأني سعدون بمكالمة هاتفية من بغداد يبشرني فيها بأنه مرشح لمنصب وزير الدفاع في وزارة إبراهيم الجعفري التي كانت على وشك التشكيل. هنأته وتمنيت له التوفيق. سألته: ضمن حصة أي الأطراف المتحاصصة أنت؟ قال أنا مستقل. أي أنه لن يأتي ضمن حصة الأطراف السنية المعارضة للأحزاب الدينية الموالية لإيران. سألت نفسي، يومها، لماذا سعدون دون غيره لوزارة الدفاع؟ وما علاقته بالدفاع، وخبرتُه كلهُا في جهاز الأمن أيام النظام السابق (بحثية) وليست أمنية، وحتى شهادة الدكتوراه التي حصل عليها كانت في تفتيت الأحزاب الدينية، وبالأخص حزب الدعوة الإسلامي؟ ثم كيف حاز على رضا إيران وهو المحسوب على خصوم إيران وأعداء الأحزاب الإسلامية المتنفذة؟. لأكتشف بعد فترة أنه جاء بترشيح شخصي من عبد العزيز الحكيم وبموافقة إيران.
لم يمض على توزيره سوى أسابيع حتى أطلق تصريحا عجيبا غريبا أعلن فيه أن (إيران تعمل على استقرار العراق، وأنها تتعاون وتقدم كل ما في وسعها لضمان وحدة العراق وإعماره ولمحاربة الإرهاب فيه).
بعدها بأسابيع طار إلى طهران فأعلن من هناك، باسم جميع العراقيين، أنه يعتذر للشعب الإيراني عما ارتكبه النظام السابق بحقه من جرائم.
يومها هاتفني المسؤول السعودي ذاته الذي كنا قد اجتمعنا معه في الرياض، وسألني: (صاحبك إيش بلاه، كيف ينقلب بهالسرعة من الإلحاح على مواجهة إيران وتسليح السنة إلى هذا الموقف العجيب؟).
عمل سعدون ضابط أمن أيام صدام حسين، ثم أُرسله النظام إلى لندن على نفقة وزارة الداخلية، للتخصص في دراسة أساليب تفتيت الأحزاب الإسلامية المعارضة، لكنه لم يعد إلى العراق، وانضم إلى المعارضة العراقية في أعقاب غزو الكويت، وجاء إلى السعودية مع مجموعة من العسكريين العراقيين، ومُنح اللجوء السياسي، وظل مقيما في الرياض على نفقة المخابرات السعودية، ويتقاضى راتبا شهريا، مع سيارة أمريكية حديثة. وحين عاد إلى العراق، بعد سقوط النظام، أبقى أسرته في الرياض، حتى وهو وزير.
وفي وزارة المالكي الجديدة التي تمخضت عنها مائدة أربيل المستديرة في 2010 أعلن عن اختيار سعدون الدليمي وزيرا مرة أخرى. ولوزارة الثقافة هذه المرة.
لا اعتراض لدينا على توزير سعدون الدليمي مرة ثانية. كان يمكن لإيران أن تكافئه على (نزاهته ووطنيته وخبرته النادرة) فتعينه وزيرا للداخلية، مثلا، أو مديرا للأمن العام. لكن أن يُعين وزيرا للثقافة فهذه شهادة بأن العراق بلا ثقافة وبلا مثقفين، ولا يصلح أيٌ من أبنائه المبدعين، وهم بعشرات الآلاف، لقيادة هذه الوزارة الهامة جدا، خصوصا في هذا الزمن الصعب الدقيق.