بسرعةٍ اسرع من مرور الكرام مرّت علينا منذ يومين الذكرى 52 لأحداث ذلك اليوم الأسود والمخزي للأنظمة السياسية وللقيادات العسكرية العربية لدول المواجهة , التي تسببت بلطخة ووصمة عار في التأريخ العربي .
مئات الكتب والدراسات والأبحاث ” عسكرياً وسياسياً ” صدرت عن حرب 1967 وتناولت ظروف المعركة من مختلف الزوايا , لكنه ومع مرور نصف قرنٍ على ما جرت تسميته اسرائيلياً بِ < حرب الأيام الستة > وهي تسمية صحيحة للأسف , فهل يمكن للتراجيديا والدراما أن تتقبّل سقوط وانكسار جيوشٍ لثلاثة دولٍ عربية في تلك الأيام الست .!
اصدر الصحفي الأسرائيلي ” باروخ نادل ” كتابه الشهير < تحطمت الطائرات عند الفجر > بعد سنةٍ ونيف على تلك الحرب , وانتشر الكتاب في بيروت اولاً بعد ترجمته الى اللغة العربية , وقد اقتنيت الكتاب هناك وكنت في سنّ المراهقة , وأعدت قراءته مع مرور السنين . الكتاب وبقدر ما يحتوي على بعض الحقائق فهو مليء بالدعاية الكاذبة والتهويل والتضليل , فهو يصوّر الأنتصار الأسرائيلي أساساً لجاسوسٍ مزروع في مصر وأقام علاقاتٍ مع كل القيادات العسكرية والسياسية وصولا الى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر .! , ويمكن قراءة الكتاب في شبكة الأنترنيت للراغبين
عموم ما ارتكز عليه الإعلام العربي لتسويغ النكسة هو تدمير الطائرات الحربية المصرية في مختلف القواعد الجوية في لحظةٍ واحدة .! وقيل أنّ جميعها كانت مكشوفة على مدارج المطارات استعداداً للمعركة المتوقعة ! , انما هل يبرر ذلك تلك الهزيمة وسقوط سيناء وانسحاب الجيش المصري وترك الآلاف المؤلفة من الأسرى بيد الأسرائيليين .. فالبرغم أنّ مصر فقدت القدرة للتصدي للمقاتلات الصهيونية ولتوجيه ضربات في العمق الأسرائيلي , لكنّ تبرير فشل الجيش المصري في الدفاع عن سيناء بأفتقاده للحماية الجوية لم يكن مقبولاً .! فالمقاتلات لا يمكن لها تأمين الحماية على مدار الساعة والدقائق , وانما الفشل الذريع يتمحور على ضعف ورداءة وسائل واسلحة الدفاع الجوي , وينطبق الأمر على الجبهتين السورية والأردنية .
ثمّ بالرغم من الخطأ الكبير للرئيس عبد الناصر في ترك قيادة الجيش للمشير عبد الحكيم عامر ” الذي كان برتبة مقدم في ثورة 1952 , وانغماس ناصر في الشأن السياسي والدبلوماسي , واذ كانت طائرة المشير في الجو اثناء الغارة الأسرائيلية الأولى مما قيّد واربك فاعلية الدفاع الجوي , فمن المستغرب عدم قيام قيادة الأركان المصرية بأصدار اوامرها للقوات في سيناء للإندفاع داخل الحدود الأسرائيلية في صحراء النقب < وفق مبدأ الهجوم خير وسيلة للدفاع > ومع افتراض ادامة التماس مع الجيش الأردني والقوات العراقية التي وصلت الى ارض المعركة .!
هنالك معلومة لم يجرِ نشرها كاملةً , وانتشرت في حينها بين صفوف الضباط المصريين , وعبرت تلك المعلومة الحدود ” لاحقاً ” ووصلت الى وزارة الدفاع العراقية , حيث توثّق تلك المعلومة أنّ الفريق الراحل سعد الدين الشاذلي كان آمراً لكتيبةٍ مجحفلة وبرتبة عقيد ركن آنذاك , وكان موقع كتيبته بالقرب من الحدود المصرية – الأسرائيلية , وحيث فوجئ بأنسحاب القطعات المصرية الى غرب القناة وهو الأقرب مسافةً الى الأسرائيليين , فأندفع بقواته الى داخل العمق الأسرائيلي وفي منطقة تتداخل فيها الجبال والمرتفعات مما يحول دون قصفها بالطيران الأسرائيلي , وهو تحت استطلاعهم ومراقبتهم الجوية وفي وضعٍ حرجٍ للغاية .. تصرّف العقيد الشاذلي بذكاءٍ خارق وبمغامرة وتقدّم نحو مستوطنةٍ اسرائيلية واقتاد كافة مستوطنيها اسرى ووضعهم على اسطح الدبابات والمدرعات , ثم اتصل بجهاز اللاسلكي بالقيادة الميدانية الأسرائيلية طالباً أن يفتحوا له طريقاً بعرض نحو 5 كيلومترات مروراً بكل صحراء سيناء ” التي غدت تحت السيطرة الأسرائيلية الكاملة ” ووصولاً الى حافة قناة السويس الشرقية لأجل العبور والعودة الى الضفة الغربية , وإلاّ سوف ينفّذ الإعدام بكل المستوطنين – الأسرى وليحدث بعدها ما يحدث ! , وعبر اللاسلكي سأله القائد الاسرائيلي عمّا يضمن تسليمه المستوطنين الصهاينه سالمين لو تمّ له ما اراد وسمحوا له بأجتياز سيناء الى حافة القناة .؟ فأقسمَ الشاذلي بشرفه العسكري عن مسؤوليته وتعهده بذلك , وفعلاً اجتازت الكتيبة المصرية سيناء والأسرى – الرهائن على اسطح دباباتها , وعند قناة السويس اتصل الشاذلي بعبد الناصر وابلغه بما تعهد به , وعاد كلا الجنود المصريون والأسرائيليون بسلام .
تعرّضنا هنا من اضيق زاويةٍ لتلك الحرب وحصرنا الأمر بالجبهة المصرية – مركز الثقل العسكري العربي , واختزلنا الحديث الى الحدّ الأدنى مراعاةً لأعتبارات وتوقيتات النشر , تاركين وراءنا حفنةً من التساؤلات المبهمة , ونختار منها اثنتين :
لماذا لم يجرِ اعدام قائد القوة الجوية المصري آنذاك وكذلك قائد الدفاع الجوي .! ؟ أما التساؤل الآخر الذي هو ملاحظة خاصة اكثر منه الى تساؤل , فعلامَ ذكرَ الرئيس عبد الناصر في خطاب الأستقالة بأنه على استعداد لتحمّل مسؤولية الهزيمة , ولم يقل انه يتحمّلها بالكامل .!