23 ديسمبر، 2024 6:39 ص

النكبة العراقية من وجهة نظر إقليمية (6) : إسرائيل (الصهيونية)

النكبة العراقية من وجهة نظر إقليمية (6) : إسرائيل (الصهيونية)

الدولة الصهيونية (إسرائيل ) : تعودنا ان نعزي ان كل الذي يحدث في المنطقة فيه بصمة لدور اسرائيلي ويصب في صالحها ، ويعتقد البعض ان ذلك جزء من عقدة المؤامرة التي نفسر بها الأحداث ، لكن الواقع يشير الى مصداقية الفرضية لمن يتابع سير الاحداث ، كل الذي حدث في المنطقة منذ أن زرعت الدولة الاسرائيلية فيها لغاية اليوم يجري لصالح اسرائيل والحفاظ على امنها ومصالحها ويزيد من كارثة الشعب الفلسطيني المهجر ومحنته . احتلال العراق ونتائج ما سميَّ بالربيع العربي انصبت جميعا لصالح اسرائيل ، الجيوش العربية انحلت وتفككت ، والزعامات العربية التي حملت كرزمات سياسية لعقود من الزمن اختفت ، وانتهت مرحلة المد القومي بلا مؤشر لعودتها او لم شتاتها ،والمنطقة كلها ذاهبة الى تقسيم وتفتيت لدويلات قد تصبح اسرائيل كدولة اكبرها وأقواها . وتم اختراق المد الاسلامي وما سمي بالصحوة الاسلامية التي افترض انها الحل لنكبة الامة فإذا بها اداة للنكبة الحالية بانت بوادرها بمسخ سمة الدين والنيل من روح التسامح والحكمة فيه . عواصم العالم العربي التي كانت مراكز إشعاع وابداع مثل بغداد الرشيد والسلام ودمشق وصنعاء وطرابلس اصبحت عواصم للموت والارهاب والظلام . الشيء الوحيد الذي تخشى منه اسرائيل هو ان يصبح العراق  ومناطق  إقليمية اخرى ، مهدا لقواعد أمريكية قليلة الاعباء والتكاليف مقارنة بكلفها الباهظة على  كاهل الاقتصاد الامريكي المنهك، تنافسها بالاهتمام والرعاية ، ولهذا تسعى وبكل همة اليوم للإرتباط والاحتواء والنفوذ  لبذرات التقسيم  الموعود في العراق في تعاملها مع القيادات السياسية في كردستان لصالحها وتحسب ان قيام الدولة الكردية في المنطقة ضرورة ملحة وفقا لتصريحات (نتانياهو )، فيما يتصاعد النفوذ الاسرائيلي في الإقليم الكردي وفقا لمصادر اعلامية وعسكرية موثقة ، خلافا للدور والإرث التأريخي الذي يذكر لقادة  كرد ساهموا بالقتال في فلسطين لتحريرها إبتداء من القائد صلاح الدين الأيوبي وامتدادأ الى اللواء عمر علي في معارك 1948 وقادة ومقاتلين في معارك 1967 و1973 والذي كان الكرد يفخرون به ، بل كان لقد كان جلال الطالباني يفخر بأنه انتمى وشارك مع فصائل المقاومة الفلسطينية في السبعينات من القرن المنصرم ، قبل ان تنخرط القيادات الكردية الحاكمة اليوم في إقليم كردستان في ظل المشروع الأمريكي الصهيوني في احتلال العراق ، بل قبل احتلاله  لما يقارب ربع قرن من الزمن بوثائق وصور منشورة تظهر التعاون بين الكيان الصهيوني والقيادات الكردية الحالية في صراعها مع نظام الحكم في العراق .
الاعلام الاسرائيلي بشكل عام يكرس دور التحذير وايصال رسالة الانذار للأنظمة الإقليمية من تصاعد مخاطر التنظيمات الاسلامية المتطرفة عليها وتؤسس لاجواء حرب باردة بين الدولة الصهيونية وانظمة المنطقة تأسيسا لاجواء تمرير مشاريعيها الاستيطانية والتوسعية . ففي ظل هذه الأجواء حاول القادة الاسرائيليون  تصفية حساباتهم مع حماس والمقاومة في غزة وعندما جوبهت بحالة صمود وتحدٍ  ، انصاعت لقرار وقف اطلاق النار ومضت تراوح في امكانية التوصل الى اتفاق في ظل الاجواء السائدة يؤمن هدنة طويلة الامد لصالحها .
 وفي ظل انشغال  المنطقة العربية والعالم بمواجهة التنظيمات الإرهابية تحاول القيادات الاسرائيلية رفع سقف مطالبتها بالضفة الغربية  وتمريره للمساس بحقوق الشعب الفلسطيني وحقوقه ومسخ تاريخ ثوراته ونضاله من أجل تحقيق اهدافه المشروعة  لما يقارب 7 عقود من الزمن .  جاء ذلك الترويج لفكرة الحل الاقايمي  والاحتفاظ  بالضفة الغربية  بعد سيطرة تنظيم “داعش” على الموصل، حيث قال (نتانياهو) في تصريح لافت: “إن الخطر الاستراتيجي الذي بات يمثله تنظيم “داعش” وبقية التنظيمات الإرهابية يجعل أمن إسرائيل يمتد من حدود الأردن مع العراق شرقاً إلى شواطئ البحر المتوسط غرباً” . وفي ظل الاعلام المكثف وردة الفعل الدولية لما ينشر عن داعش والتنظيمات المتطرفة من سلوكيات تتعلق بالتعامل مع النساء وعمليات الذبح والعقوبات الجسدية وتقييد الحريات الخاصة ، لتعلن عن قرارها بالاستيطان في الضفة الغربية كتأسيس لمشروع الاحتفاظ بها الذي تكرس القيادات الاسرائيلية الترويج له مستغلة الظروف .
 إسرائيل حكومة وإعلام يبدو غير مكترثا بتفاصيل ومجريات الاحداث بالمنطقة فهي لا تعلن موقفا رسميا من نظام الأسد في سوريا ولا تعلن عن رغبتها بالانضمام الى التحالف الدولي ولا تعلن حتى عن مخاوفها من هذه التنظيمات المتطرفة التي لا تخفي عدوانيتها للدولة الصهيونية ، في حين تركز باعلامها عن التهديدات التي تواجه الأردن وتعميم حالة الذعر فيه من مخاطر هذه التنظيمات وفعلا عندما اصدرت امرها بغلق المسجد الاقصى ومنع المصلين لآول مرة كمحاولة لجس نبض الاردن (حكومة وشعبا ) في ظل اجواء المنطقة وحين وجدت ردة الفعل سريعة و واسعة  وصارمة و واضحة ، سحبت قرارها والغته ، وهكذا هو شأن النظام الصهيوني الحاكم في محاولاته الابتزازية التي يصر على طرحها وتطبيعها لصالحه كي تكون واقعا مقبولا في حين يدرك الاعلام الدولي بشكل جيد ، أن الإدارة الآمريكية لا يمكن ان تتخذ أي قرارا سياسيا او عسكريا في المنطقة له انعكسات سلبية على إسرائيل وأمنها ، ومن هنا يمكن تحليل حالة ما يطفو على السطح بوجود حالة فتور في العلاقات الاسرائيلية الامريكية من خلال تصريحات متبادلة هنا وهناك  لكن حقيقة الأمر لا تتعدى كونها مختلقة لتمرير المواقف الامريكية بالمنطقة وتلميع طبيعتها عربيا .
ظاهرة التنظيمات المتطرفة وسعيها لتشكيل دويلات واقاليم معلنة والتهديد بتقسيم العراق وسوريا من المؤكد نتائجه تنصب بشكل سريع لصالح امن إسرائيل وتثبيت كيانها ، بل يتجاوز الأمر ذلك الى حالة تبني حلول اقليمية وتقسيمية في صلب الصراع والنزاع العربي والفلسطيني الاسرائيلي وتحويله الى صراع محلي كقضية الاحتفاظ بالضفة الغربية  وغزة وفصلها بحلول الأقاليم كبديل عن مشروع الدولة الفلسطينية الواحدة التي باتت تشكل الهدف المشروع لصراع تاريخي مرير لشعب مهجر من أرضه ومحروما من حقوقه . إسرائيل كدولة عنصرية إثنية طامحة بالهيمنة والتمدد بفكر التلمود واللاهوت ، ترى في الأنظمة الحاكمة حاليا بأجندة طائفية إثنية في العراق وسوريا  ، أنها تشكل مستقنعا سياسيا للتأسيس لدويلات طائفية وعرقية ضعيفة ومتصارعة وهو واقع  يسهل عليها تحقيق طموحاتها  التوسعية في المنطقة ، ولهذا تصبح الإجابة حول موقف اسرائيل كدولة إقليمية من النظام السوري والعراقي والنظام الإيراني  التي يسندهما  ، واضحة ، وكذا الحال فيما يخص التنظيمات الاسلامية المتطرفة التي تؤسس بفكرها المتطرف لمثل هذه الدويلات المنتظرة ، مهما تبجحت هذه الأنظمة والتنظيمات الطائفية المتطرفة وتشبثت بالمقاومة والقدس ظلما وبهتاناً .
لدولة إسرائيل الصهيونية ارتباط مصيري مقدس مع ساسة البيت الأبيض والادارة الامريكية التي لا يمكن فصلها عن تاثير الحركة الصهيونية واليهودية الانجيلية التي لا ترى في ظهور المسيح ثانية وبناء دولة بني إسرائيل إلا من خلال الهيمنة على بلاد بابل (العراق)  كنص تلمودي . إذا تذكرنا حقيقة  ما كان يشكله نظام البعث وقيادته  والإبداع العرقي التقني والجيش الذي أظهر صموده وقوته في مجابهة إيران ونظامها الحاكم ،  من خطر كبير على الدولة الصهيونية  وقارناه بواقع العراق الحالي سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا والذي نكتب عنه بصفة النكبة ، تبقى إسرائيل هي المستفيد الأكبر ، والدافع الأهم لإشعال فتيل هذه النكبة في العراق واستمرارها ، لا بل وإدامة فتيل حريقها  واتساع لهيبها ليشمل سوريا والمنطقة العربية بأسرها ، ولا يغير ذلك من قيمة ما جنته وستجنيه إسرائيل من انجازات نحو تنفيذ مشروعها التوسعي ونفوذها المتحكم في المنطقة .