لست ذو قوة أو نفوذ، فمنذ كان والدي يمتلك حق التنقيب في منجم متهالك كما هي سنين جدي التي قضاها يبحث عن عرق الذهب الذي أوهمه من باعة ذلك المنجم الخرف.. مات جدي دون أن يحقق غايته و أستلم النبؤة والدي الذي قبع بخيمة متهالكة قرب باب المنجم ليل نهار فارق بيتنا الصغير، أختبرت والدتي صبرها لمدة عشرون عاما جيئة وذهابا وهي تحمل ما تيسر من الطعام! هذا إذا كان يطلق عليه طعام.. صباي كان بطاقة الدخول الى عالم والدي و جدي قبله قدرتي على حمل معول يحطم وينقب، صرت عامل منجم أم تراكم تقولون سيكون مصيري أو مستقبلي رجلا ثريا أو صاحب شهادة بعد أن نجد الذهب، غير أن الحمار لا ينجب سوى جحش و الحصان حينما يتزاوج مع الحمار لا ينجب سوى بغل و الحقيقة أقول لا أعلم الى من أنتمي الى هذا السلالة أم تلك؟!! على أي حال خمس سنوات أخرى قضيتها مع والدي أبلينا فيها رؤوس معاول و عِصِيها دون أن يبلى الصخر أو نجد ما نصبو أو رمق من أمل حتى.. قضينا في مرة راحة لمدة يوم أو يومين كان ذلك بعد رجعت ليلا الى كوخنا الذي تهالك لأجد أن والدتي قد فارقت الحياة عند بابه وهي تمسك بصرة الطعام… الموت… الموت لم يسمح لها بإيصال فتات الطعام لنا، شعرت أنها رسالة مبطنة تهمس… الموت أقرب إليكم مما تطمحون إنه حليف الفقراء و الحظ صنو الأغنياء هكذا هي المعادلة التي مرة سمعت من أحدهم عن رجل مر يسأل عن جهود والدي وهل توصل الى عرق ينبض من فضة حتى وليس ذهب قال تلك العبارة.. سارعت أخبر والدي الذي لم يسارع الى مواراة والدتي ربما حزن عليها ليس كثرا بل أغلب حزنه كان على من سيعد الأكل له… ضحكت في سرِ كثيرا، لقد تلبسته لعنة الحصول على الذهب وجعلت منه رجل بلا أحاسيس أو مشاعر، عاد بعد أن طلب مني أن أكون من يَعُد ما يتوفر من خبز وماء وبعض خضروات كانت والدتي تزرعها في باحة صغيرة أمام الكوخ هي كانت مورد الطعام الذي نقتاته من تربتها… في يوم كنت قد لبست حلة الإرهاق والتعب فتوسدت الأرض فراشا وثيرا بالغضب من والدي ونفسي محللا واقعي أني ميت لا محالة مادام والدي يقيس ثراءه بحلم ومنجم مظلم مخيف… ساعات طوال نقضيها نحطم الجدران طمعا في لمعان يشع من خلال ضوء شمعه أو سراج بزيت مهووس بالسخام… دخل والدي و هذه أول مرة يدخل يحفر دون أن يطلب مني أن أشاركه يبدو إنه شعر بمعاناةِ.. ساعة من صمت سوى تحطيم جدار عصي سمعته يصرخ ينادي بإسمي الذي نسيت... لقد ظهر لقد حصلت على لمعان ضياء عرق الذهب هيا يا بني تعال أعني.. ساعدني لقد إنهار الجدار على أقدامي… سارعت أفض الركام والصخور التي كان قد تراكمت على أغلب رجليه وهو يقول أنظر هناك أليس هذا هو بريق لمعان عرق الذهب لقد بتنا أغنياء هيا سارع على رفع هذه الصخور كنت شغفا أجاريه فرحته لكن خوفِ على خسارته و فقدانه إبتلعت فرحتي… ساعة من هلع و فزع كنت أحاول ترميم أقدام والدي التي تهشمت إحداها تماما… غير أنه لم يبالي كان قد طلب مني إكمال الحفر في نفس المنطقة… لم أرفض طلبه غير أني كنت خائفا أن ينهار علي ما تبقى من جدار.. فصرت أضرب الأرض أسمِعَهُ صوت المعول ظنا منه أني أحفر… دفعني الفضول الى ما كان يحفر فيه جوانبه كان فعلا هناك بريق لمعان .. حدثتني نفسي هل تعتقد أنه عرق ذهب أم وهم جائع بسنين حلم كاذب، سارعت في الحفر دون مبالِ بما سيحدث يبدو أن لعنة الذهب قد طالتني… ساعات قضيتها أحفر بضراوة حيوان جائع… نسيت والدي، نسيت نفسي، نسيت من أكون حتى وصلت غايتي كان الضياء جميلا دفع بي الى متابعته الى أن أوصلني غايته… لقد كان ثقب يؤدي الى مكان يفضي الى طريق يوصل الى الضفة الأخرى…تسعون عاما قضاها جدي ربعها أو أكثر أكملها والدي و و رثت بقاياهاعنهما… رجعت كي أخبره حقيقة الأمر فوجدته قد فارق الحياة, لم أحزن كثير لقد مات فرحا بأن حلمه قد تحقق فليعش ما كان يرنو في عالمه الآخر.. أما أنا فأنتهزت الفرصة بعد أن واريته الأرض بجانب والدتي خرجت من نفق المنجم من تلك الفجوة الى عالم يكسوه الضياء دون أن يكون تابعا لأي عالم.. تركت المنجم وحلم والدي إرث للشيطان فلابد أنه سيغري الباحثين عن عرق الذهب في نفق مظلم دون بقعة ضوء.