18 ديسمبر، 2024 4:02 م

النقد والنقد الذاتي

النقد والنقد الذاتي

ليس غريباً على القاريء والمتابع لمجمل جوانب الحياة، الأجتماعية والسياسية والأقتصادية والأدبية والثقافية والفكرية والفنية والفلسفية، وبأعتقادي الشخصي لا يمكن للأنسان أينما كان ويكون، أن يعيش وينمو ويتطور ويتقدم خطوة واحدة، في غياب النقد والنقد الذاتي، حيث لا حياة انسانية متطورة ومتقدمة، في غياب النقد والنقد الذاتي من اجل التغيير نحو الأفضل. الرأي الواحد لا يمكنه خلق الصواب الفكري والثقافي والأدبي، بل العكس هو الصحيح، حيث لابد من تلاقح الأفكار من أجل تعديل المسار الشخصي وحتى الجماعي، وفق مقولة علمية فكرية (في الأختلاف صحة وليس العكس) و (الأخلاف لا يفسد للود قضية)، وكل هذا وذاك مرتبط ومربوط بالوعي الفكري الأنساني فردياً وجماعياً، فالنقد هو النقد لا بديل عنه، كما البناء هو البناء، والهدم هو الهدم..
وهنا أقصد بناء الأنسان وتطوره الفكري كبشر على الأرض وليس بناء الحجر في الموقع الجغرافي المعين، بالرغم من أهميته الحياتية، ولكن يبقى بناء الأنسان هو المهم وهو الأهم، بموجب المواصفات الأنسانية المبنية على المحبة والأخوة والمسامحة وطيب خاطر والتسامح، لمعالجة ما يمكن معالجته بطرق ووسائل ثقافية متطورة ومتقدمة على أسس أنسانية محضة.
النقد:
أقول.. أن الحقيقة التي أفهمها وأستوعبتها عبر مسيرتي الحياتية، التي قاربت السبعة عقود من الزمن العاصف بكل تقلباتها، بسلبياتها وأيجابياتها، في جميع مجالات الحياة التي رافقتني وواجهتني أجتماعياً وسياسياً وفكرياً وحتى مالياً وأقتصادياً وأدبياً وحياتياً، بظروفها العصيبة ومحنها العديدة، بأفراحها وأتراحها، وبحلاواتها ومراراتها، بصوابها وأخطائها، بأنتصاراتها وأخفاقاتها، ببياضها وسوادها.
يفترض تواجد النقد الفاعل والقبول به وبالآخر، بترحاب فكري ونفسي فضفاض، من أجل التغيير نحو الأفضل والأحسن، في جميع الأتجاهات المرتبطة بالحياة كاملة. فمن وجهة نظري الخاصة ومن خلال خبرتي وتجربتي الحياتية في كل مجالاتها، علينا تقبل وقبول النقد بترحاب صدر من دون مجاملة لأحد، كان من يكون بما فيها النفس البشرية الذاتية وصولاً للنقد الذاتي حتى جلدها، بعيداً عن الخوف والرعب من النفس ومن الآخرين، تحقيقاً للعدالة الأجتماعية والسياسية والأقتصادية وحتى الشخصية النفسية في قبول الآخر، كما ليس هناك نقد أيجابي ونقد سلبي، هذا تبرير لواقع مؤلم أرضاءاً للذات الأنسانية دون مبرر.
ففي غياب النقد والنقد الذاتي ليس هناك أي تطور ولا تقدم في الحياة، والسبب الأنسان لا يمكنه تشخيص أخطاءه الاّ في مراجعة أداءه، ولكن هل الأنسان جدير بالمراجعة الذاتية كي يشخص أخطاءه بغية تجاوزها في المستقبل؟!، نعم ممكن لقسم قليل من البشر الحاصل على ثقافة عالية وتجربة غنية حياتية، أما الغالبية من المجتمع فهم بالأساس لا يفهمون ولا يستوعبون النقد الذاتي المطلوب أداءه، لتنفيذ مهامه على الأرض، فكيف بالنقد الموجهة لهذا الأنسان من قبل الآخرين؟! فهل الناس تتحمل النقد وفهمه وتفهمه وأستيعابه، حتى تحسم الأمور الحياتية للصالح العام والشخصي؟! بالتأكيد المسألة معقدة لبعض الشيء، ولكنها ليست مستحيلة من حيث الأداء والتنفيذ، أذا توفر الوعي الفكري والثقافي في تبنى التطور الحياتي الأنساني المطلوب ممارسته بحكمة وعناية.
في غياب الوعي الفكري والثقافي، يبقى الأنسان حبيس تفكيره بعيداً عن الأنفتاح على الآخرين بحكم الذاتية والأنانية المستأصلة في نفسية الأنسان، في تفكيره وتربيته في غياب الوعي الفكري الثقافي العائلي والتعليمي الموجه بعناية، وهذا يتولد عقدة واضحة لعرقلة مسيرة الأنسان الحياتية من جميع النواح، أستثماراً للطاقات الأنسانية المتلاحمة والمتفهمة للتغيير نحو الأفضل، فالنقد يدخل ضمن تنامي الفرد وأصلاحه بأستدراك وتفهم أخطاءه، بغية تجاوزها وتذليلها وأنهائها، للحصول على نتائج عملية فاعلة لمسيرة ناضجة مؤثرة للتطور والتقدم.
النقد الذاتي:
النقد الذاتي مترابط مع النقد دون أن نفصل بينهما، بل كلاهما متفاعلان مطلوبان العمل وفقهما بتلاحم وترابط، للأرتقاء بمستوى الشخصية الأنسانية بأبعادها وأدائها الفاعل لتطورها ذاتياً، كونها تنعكس على المجتمع بالعموم وفق مبدأ النقد، فكثير من القادة أنفردوا في أدائهم كونهم هم الأدرى والأفهم في المجتمع خارج النقد الأدائي، فأنتج الدكتاتورية الفردية بسيطرتها على مقاليد الأمور، نتجت كوارث بشرية وحروب دولية وعالمية، سببه غياب النقد والنقد الذاتي.
التحديات الحياتية مطلوبة، خارج التوفيقية، وبعيداً عن المجاملات الشخصية، التي أعتبرها قاتلة للنهج الأنساني وللذات الفردية الأنسانية، لتولد كارثة وكوارث بسيلان الدم الناقي للشعب على المستوات العائلية والدولية والعالمية، كما والدموع الساكبة للأمهات الثكالى من أجل النفس البشرية الفاقدة للحياة وفق عامل الأمومة بتفاعل الطفولة.
وعليه التحديات وممارسة النقد والنقد الذاتي مطلوبة ولابد منها، بالرغم من الصعوبات الجمّة في تنفيذها وممارساتها للنقد والنقد الذاتي، لأصلاح واقع حياتي متردي ومتعثر فردياً ومجتمعياً، بعيداً عن اليأس والأستسلام، لمواصلة المسيرة الذاتية وتنميتها نحو الأفضل، تدخل فيها المصارحة الذاتية الفردية ومن هم حواليهم، بعد دراسة نقاط القوة والضعف وحتى الأخفاق المرادفة له، من الناحيتين الأيجابية والسلبية، من خلال مراجعة الذات بشكل علمي عملي، بتحديد نقاط القوة والضعف لتقييم الأولى ومعالجة الثانية بتقويمهما، وبهذا يحصل الفرد على تحديد قوته الذاتية، بأعتماده على النفس في كسر الطوق الذي يحيطه المحدد لحركته، ولربما تقوقعه على ذاته، عبوراً لمرحلة جديدة دون مبالاة للماضي التعيش المرادف له.
يتطلب من الأنسان التعامل برأفة ولين بعيداً عن ممارسة حالات الغضب، وردود الأفعال الأنفعالية خارج الأحباط، بل قوة موضوعية حكيمة لمواجهة كل المستجدات الطارئة في الحياة، على جميع المستويات بأستشارية تواصلية بعيداً عن القرارات الأرتجالية الفردية، ليبقى القرار الشخصي الحكيم القابل للقبول ومن ثم التنفيذ دون المماطلة.
وهنا الثقافة والإعلام المُوجَّه للشعوب، تعتبر مُؤثِّرة بقوّة في طريقة نظرة المجتمع لواجباته وحقوقه، وأسلوب تعامله مع ما يعترض طريقه من تحدّيات، فالمواقف تتزايد من خلال الوعي الثقافي والأدبي وتتطورهما وتاثيراتهما في المجتمع، من خلال فَهم المُتغيِّرات الطارئة عليه، وتطور أسلوب التعامُل مع الحدث الطاريء بمستوى حضاري يتناسب مع المستجدات.
كل ما ذكر أعلاه يتطلب الآتي:
1. خلق الوعي الثقافي والأدبي.
2.الأعلام الموجه.
3. أتباع الأساليب التربوية الحديثة بحرية الكتابة.
4. المسرح الموجه.
5. التمثيل الناجح والمدروس.
6. أهتمام خاص بالمجتمع من الطفل والشبيبة وحتى الكهولة.
7. الأهتمام الخاص بالمناهج التربوية والتعليمية في النقد الهادف والموجه.
8. أحترام الرأي والرأي الآخر. وقبول المختلف ودراسته.
9. المساواة الأنسانية بين كلا الجنسين والأهتمام بهما بشكل عادل.
10. العمل الموجه للأنسان بشكل عام. بأختيار النخب الأدارية والقيادية النزيهة والشفافة.