18 ديسمبر، 2024 6:53 م

النقد بين النظرية والمنهج

النقد بين النظرية والمنهج

النظرية الناعمة التي تستخدم في العلوم الإنسانية في تقدير الناقد آيزر فهي لا تهدف إلى وضع قانون عام لتفسير ظاهرة ما تفسيرا مطلقا يتجاوز إطار الزمان والمكان.

يلاحظ المرء أن عددا لا يستهان به من النقاد المعاصرين في مشهد الثقافة الغربية المعاصرة يخلطون بين النظرية وبين المنهج، ونلمس ذلك أيضا لدى نقادنا الفاعلين في مشهد النقد العربي. في هذا السياق وجدت نفسي، وأنا أقرأ كتاب الناقد الألماني فولفغانغ آيز الذي يحمل عنوان “كيف تمارس النظرية”، أمام مشكلة ملتبسة وجديرة بالتأمل والتمحيص تتعلق بتداخل دلالة كل من النظرية والمنهج.

ففي هذا الكتاب نجد الناقد آيز يصنف ويدرس عددا من الموضوعات ويدعوها بالنظريات، وهي النظرية الفينومينولوجية، والنظرية التأويلية، والنظرية الماركسية، والنظرية التحليلية النفسية، والنظرية الأنتروبولوجية، ونظرية الغيشتالت، وغيرها. وفي تقدير نقاد آخرين فإن ما يسميه آيز بالنظريات هو في الحقيقة مناهج أيضا مثل منهج التحليل النفسي، والمنهج الماركسي، والمنهج الفينومينولوجي، وهلم جرا.

من البديهي أن يجادل فريق من النقاد بأن الأنتروبولوجيا كمقاربة أو كمنهج تتعدد في نسيجها النظريات والشيء نفسه يقال كذلك بخصوص المنهج الفينومينولوجي الذي يتضمن عنقودا من النظريات المختلفة حيث نجد عددا كبيرا من الفلاسفة ينتمون إلى الفينومينولوجيا ولكنهم يختلفون في النظريات التي يستخدمونها لفهم كيف تعمل قصدية الوعي سواء كان هذا الوعي وعي القارئ أو وعي السياسي إلخ. فسارتر فيلسوف فينومينولوجي ولكنه لا يؤمن باللاوعي وأن ما يظهر للمحلل أو للراصد هو عناصر الظاهر وأبنية الوعي لا أكثر ولا أقل.

في هذا السياق نجد مجموعة من المفكرين المنتمين إلى التيار الفينومينولوجي غير أنهم يعتقدون في اللاوعي البشري ويؤكدون أن دور التحليل النقدي هو الكشف عن الأبنية اللاواعية في السلوك البشري أو في الظواهر الثقافية أو في الظواهر الاجتماعية، في تكوين الهوية أو الذاتية وهكذا دواليك. ولكن النظريات التي توظف للكشف عن هذه الأبنية اللاواعية تختلف من مفكر أو محلل نفسي إلى آخر، حيث نجد على سبيل المثال فريقا يعتقد في نظرية النماذج الأصلية المشكلة لظاهرة تدعى باللاوعي الجمعي وفريقا آخر يرى أن اللاوعي هو فردي دائما و لا يمكن أن يتطابق لاوعيان فرديان تطابقا كليا حتى وإن اشتركا في العرق وفي الظرف التاريخي والثقافة والمحيط الاجتماعي.

لكي يميز الناقد فوفلغانغ بين النظرية وبين المنهج فإنه يقوم بعدة خطوات منها التمييز بين النظرية الصلبة التي توظفها علوم الفيزياء، مثلا، و يبرز أنها تقوم بالتنبؤ العلمي وتسعى إلى اكتشاف سلسلة من القوانين العلمية والوصول إلى بناء مبدأ عام بغض النظر عن المكان أو الزمان حيث أن قانون الجاذبية مثلا لا يتأثر بنفسية هذا الفرد أو ذاك أو بموقفه السياسي. أما النظرية الناعمة التي تستخدم في العلوم الإنسانية في تقدير الناقد آيزر فهي لا تهدف إلى وضع قانون عام لتفسير ظاهرة ما تفسيرا مطلقا يتجاوز إطار الزمان والمكان.
نقلا عن العرب