يُخيل لبعض الحمقى ان عملية النقد ، تستبطن نوعاً من العدائية ، في حين ان النقد السليم يمكن ان يعتبر من أهم (الهدايا) التي يقدمها (الناقد) (للمنقود) …
والفيصل في هذا الباب ، قول الامام الصادق (ع) :
{ أَحَبُّ اخواني اليّ من أهدى اليّ عيوبي }
وحاشاه أنْ يكون ذا عيوب ، وهو المنزّه عن الخطايا والذنوب ، والمعصوم عن كل خطأ …
انها اذن موعظةٌ بليغة من الامام الصادق (ع) لكل الناس …
وهي عابرةٌ للعصور والقوميات والأديان والمذاهب …
كما أنها ليست محدودةً جغرافياً برقعة معيّنة .
والنقد لايقتصر على المجال الأدبي وحده ، وانما يشمل المجالات الأخرى كلها سياسية واقتصادية واجتماعية واخلاقية …
ومن العجيب ان بعض السياسيين يهش ويبش ، حين يستمع الى النقد الموّجه لغيره، وربما يُسهم في نشره ، ويحرص على امتداده الى أوسع المساحات والمسافات والقطاعات ، ولكنه لايتحمل كلمة نقدية واحدة تمس ذاته (المقدّسة) ..!!
ولا ندري :
هل هو في عداد المعصومين المجهولين ؟!
أم هو من زمرة الملائكة المقربين ؟!
أم هو المنفرد من بين الناس أجمعين، بضرورة الامتناع عن إدراجه في قائمة المُنْتَقَدينْ ؟!!
ان الثقة بالنفس وسلامة المواقف والمسار ، تجعل الانسان السليم لايخشى من النقد ، لابل يطلبه بنفسه ، لكي يواصل مشواره التكاملي الصاعد .
وليست هناك جهة سياسية واحدة في العراق اليوم يمكن ان تدِعّي انها أكبر من أنْ تُنْقَد ….
وقديما قال بشار بن برد :
ومن ذا الذي تُرضى سجاياهُ كلُّها
كفى المرء نُبْلاً أنْ تُعّد معائِبُهُ
ان المعائب المحدودة هي وسام رفيع ، يحق لأصحابها ، ان يفتخروا به ..
وفي (العراق الجديد) سياسيون محترفون تجاوزا بأنانيتهم ، وقلة مبالاتهم بهموم الوطن والمواطنين، مَنْ سبقهم من الفاشلين والمقصرين …
وليس لأحد من هؤلاء، حقُ الاعتراض على ما يُبديه العلماء والمفكرون والمخلصون من أبناء هذا البلد، على ماتراكم من تقصيراتهم وسوء خدماتهم وانغماسهم الى الأذقان في السعي وراء مصالحهم ومكاسبهم، على حساب الفقراء والبائسين من أبناء هذا البلد الأمين .
أيريدنا مثلا مَنْ لايكتفي بالعشرات من السيارات المصفحة المرافقة له أينما ذَهَب ، ان نلتزم الصمت ازاء هذا الاسراف الفظيع والاستفزاز المريع ، للمواطن العراقي الذي هو مكشوف الصدر والظهر أمام المفخخات والمفرقعات …؟!!
وهل يتوقع السياسي المحترف، الذي يستغل موقعه الرسمي للحصول على شهادة أكاديمية عليا ، خلافاً للضوابط المقررة ان نشكره على اختراقاته للموازين والقوانين ؟
ولماذا يُريد النرجسيون من السياسيين المحترفين، الذين لاهم لهم الا تعيين ابنائهم في السلك الدبلوماسي ، وزرع أقربائهم في أحسن المواقع الوظيفية، أن يكونوا بعيدين عن سهام النقد الصريح ، والاستنكار الفصيح لتقديمهم (الروابط) على (الضوابط) ؟
ولماذا يغضب السلطويون حينما يُظهر الناقدون امتعاضهم الشديد من تصدر العراق قائمة البلدان الأكثر فساداً في العالم ؟
فمن هم المسؤولون عن هذا التردي، وهذا الفساد أذن ؟!
ان شعبنا العراقي ، نبيلٌ في أخلاقه ، عريقٌ في انسانيته ، عظيم في وطنيته ، وهو لايمارس النقد من موقع العداء والكراهية ، وانما من موقع الحبّ للوطن وللعدل ، ولكل السياسيين الذين عليهم الا يحيدوا قيد انملة عن واجباتهم التي انتخبوا من أجلها …
ان النقد السليم هو المعطى الوطني الذي لابُدَّ لهم من فهمه على حقيقته، بدلاً من الاستغراق في عمليات الانتقام الشخصي من المنتقدين الناصحين المخلصين…
ان الناقد الموضوعي لايتواني عنْ ابراز الجوانب الايجابية في مسارات وقرارات السياسيين الوطنيين متى ما برزت جلية للعيان .
ولا يُجحم عن تسليط الأضواء على السلبيات التي تغص بها ممارساتهم ومواقفهم .
وهو في الحالين مشكور بل مأجور .
[email protected]