-1-
الذين يتصدون لنقد أنفسهم ،وتسليط الضوء على ما حفلت به مساراتهم من أخطاء قليلون …
لان عملية النقد الذاتي تحتاج الى شجاعة .
والشجاعة عملة نادرة ..!!
انها شجاعة الاعتراف بالخطأ ، والبوح به علانية وعلى رؤوس الأشهاد…
وهذا الاعتراف لايأتي عادة ، الاّ بعد مراجعة للمواقف ،وتمحيص شديد لكل مفرداتها، وذلك مالا يلجأ اليه الاّ عشاق الموضوعية ،وأين منهم عشاق الذات وأصحاب النزعة النرجسية ؟!!
ان الأب الذي يصارح ابنه بأنه قسا عليه، يوم أشبعه ضرباً لانه لم يتناول دواءه ، يَعْظُم في عين ابنه، ولا يملك الولد ازاء هذا الاعتراف، إلاّ ان يزداد لأبيه حباً واحتراماً …
وان الزوج الذي يعتذر لزوجته عن الكلمات الساخنة التي وجهها اليها، ليصدّها عن الاسترسال في حديثها، يوم كان مشغولاً بالكتابة .. تترك آثارها الايجابية العميقة في نفس الزوجة …
انها تؤكد لها، انه لم يكن صادراً عن نفور أو كراهية، وانما كانت حدّة لامبرر لها … وهي فورة عصبية وقى الله شرَّها …!!!
وان الاستاذ الذي يصارح تلميذه، بان كلمات التأنيب التي أسمعه إياها بمحضر زملائه ، لم تكن تحملُ سمة الانصاف … تجعل التلميذ يشكر استاذه على صفاء نفسه ، ويعمّق في نفس التلميذ حالة الهيبة والاحترام لاستاذه…
لقد اعتذر أحد مراجع الدين الكبار لِوَلَدِهِ ، حين تبيّن له انه فتح رسالة من الرسائل الكثيرة الواردة اليه،بِتخيل أنها موجهة له، ثم اكتشف أنها ليست له وانما هي لولده ..!!
كل هذه الاعترافات والاعتذارات، تكشف عن بعد أخلاقيّ ، يملأ النفس انتعاشاً وارتياحاً ، ويعمّق فيها الحس الانساني المنفتح على الآخرين ، ويحملها على افتراض حسن النيّة فيهم ، بدلاً من اشتعال نيران الحقد والضغينة …
-2-
قرأت ما كتبه الاستاذ محمود عوض ، عن مقابلته لعميد الأدب العربي الراحل د. طه حسين وهو في التاسعة والسبعين من عمره …
سأله عوض :
( الم يتغير شيء من جميع آرائك التي حملتَها ودافعت عنها خلال معاركك النقديه الطويلة ؟ …
ويرد طه حسين :
لا
تَغَيَّرَ رايٌ واحد فيها ،
هو الذي يتعلق بنقدي للمرحوم مصطفى لطفي المنفلوطي …
لقد أخطأتُ
كان نقدي سخيفاً كل السخف
ولا يضيرني ان أقول لك الآن إني أخطأت في نقدي لكتاب النظرات للمنفلوطي ….
انني أقولها لك باخلاص :
انني لااستحي من شيء كما استحي من نقدي للمنفلوطي “
راجع المختار من الأدب العربي / عمر ابو النصر ص45
لقد مرّ على نقد د. طه حسين للمنفلوطي ستون عاماً ، لكن هذا لم يمنعه من ان يراجع نفسه ، ويعدّل رأيه ، ويقول من جديد :
بأني أخطأت …
-3-
وهكذا تبرز المطالبة بدعوة السلطويين قبل غيرهم – ولا سيما ونحن على ابواب الانتخابات العامة المزمع اجراؤها في الثلاثين من هذا الشهر- الى الاعتراف بأخطائهم والاعتذار عنها .
انهم حين يعتذرون للشعب يستطيعون ان يبددوا شيئاً مما تراكم في النفوس من امتعاض وانزعاج …
ولكنهم لايفعلون ذلك مكابرةً وعنادا واصراراً على ما كانوا عليه من غرور واستعلاء .
وهذا ما سيدفعهم بالنهاية الى ان يعضوا أصابع الندم ، ولات ساعة مندم..
ان من لايعمل لايُخطأ .
والكثير من العاملين يخطئون .
والعيب انما هو في الاصرار على الخطأ،واستبعاد الاعتراف به، والاعتذار عنه .
[email protected]