8 أبريل، 2024 7:03 م
Search
Close this search box.

النقد الاعلامي والاداء الحكومي

Facebook
Twitter
LinkedIn

في الانظمة الديمقراطية يخضع مسار اجهزة الدولة لعملية نقد بناء في تقويمه وحصره بما يخدم مصلحة المواطن والوطن وفي مثل هذه الحالة يعتبر الضمان بالالتزام به هو مستوى الوعي الذي يعيشه مجتمع ما فنجده يتعثر في اغلب دول العالم الثالث في حين يكون بأعلى مستوياته في الانظمة المتطورة وفي الحالة الاولى يطغى على ذلك النقد المبالغات واختلاق الاكاذيب احيانا لإرباك العمل السياسي وللأسف تستثمره بعض اوجه المعارضة السياسية بقصد ابعد ما يكون فيه عن المصلحة الوطنية لخدمة اجندات بعيدة عن تلك المصلحة فأنها تعمد بوسائلها الاعلامية لما يشبه التشهير للنيل من الحكومة القائمة بهدف خلق المتاعب لها خدمة لأجندة او جهة سياسية معينة وبغض النظر عن مدى مشروعية ذلك الهدف ووسيلة النقد التي اتبعت فيه ولوجود العنف وآثار الاحتلال ومخلفات الحقبة الدكتاتورية شهدنا ان حكومات ما بعد التغيير اتبع معها اساليب من النقد ابتعد البعض فيها كثيرا عما يسمى بالنقد البناء ونحن لا نقول ان تلك الحكومات لم ترتكب خطأ لا بل ان تلك الاخطاء لا زال منها ماثلا لحد الان سواء في مجال العمل الخدمي او الامني ولكن النقد في حالة كونه هداما يصبح بدلا من ان يكون عونا للمجتمع للخلاص مما يعانيه يضيف اعباء جديدة لمسيرته (ويشده) الحكومة من ان تحدد الطرق السليمة لخياراتها وهذا ما يقصده بالدرجة الاولى موجهي ذلك النقد بشكله الهدام واذا ما أضفنا ان حكومات دول العالم الثالث غالبا ما تكون تحت المجهر في مسيرتها سيما اذا كانت من البلدان التي تتمتع بثراء كبير يجلب اطماع الاخرين فذلك المجهر يسلط عليها من قبل القوى الدولية ويعتبر نوع من الضغط لابتزاز الكثير لما فات تلك القوى وهذا ما يفسر ان دول العالم الثالث تبتدأ بدساتير ديمقراطية عصرية ولكنها تضطر تحت الضغط التآمري ان تتساهل في تطبيق تلك الدساتير لصالح ضمان مسيرة ذلك المجتمع حتى وان كان ذلك التساهل خارج مضمون الدستور فالدستور العراقي مثلا يعتبر بنظر فقهاء القانون الدستوري من اكثر الدساتير عصرية في دول العالم الثالث حيث ان جميع الدساتير وحتى في الدول المتطورة يؤخذ بنظرية الظروف الاستثنائية او ما يسمى في العراق بالأحكام العرفية ومثل هذه النظرية تخول الجهات الادارية والعسكرية في حالة وجود ما يعكر صفو الامن والنظام العام تخولها صلاحيات قضائية كالبدء بالتحقيق والالزام بالحضور واتخاذ قرارات يتطلبها الوضع الامني في حين لم يؤخذ بمضمون هذه النظريات في الدستور العراقي النافذ ومع هذا نجد ان بعض الساسة والمحللين لا يجدون حرجا بقولهم بضرورة ابدال هذا الدستور ولا ندري أي دستور يؤتى به وفي الوقت الذي نجد فيه قناة الشرقية مثلا اهم ما ترتكز عليه في عرضها هو المبالغة لمضمون الاوضاع الامنية او لما تسميه (الاغلبية الصامتة وبان العراق اخذ المرتبة التاسعة من بين الحكومات الفاشلة) في حين لم تكلف تلك القناة نفسها بتبيان اوجه ذلك الفشل ومسبباته وما هي هذه الاغلبية الصامتة وتظهر معبرة بأقوالها بما يؤثر على الوضع النفسي للمواطن بقولها ان القاعدة ستشن هجوما كبيرا لم يرد مثله منذ عام 2003 ولحد الان وكأن القاعدة قد قصرت من جهدها في التعامل مع هذا الشعب ومثل هذا القول يصدر خدمة لفلول القاعدة والقرضاوي ومن لف لفه ووسائل الاعلام تستثمر المناخ الديمقراطي المتاح في العراق لتستعمل جميع اسلحتها للتأثير على الواقع الاجتماعي بهدف ما يلمسه المتتبع من نوايا سيئة تصدر عن بعض تلك القنوات الفضائية فبدلا من ان تشغل الشرقية نفسها بأمور يحتاج لها الشعب العراقي وقطاعات واسعة منه نراها تنشغل بما يثبط الهمم فلا يمكن لحاكم وفي أي بلد لا ينشد النجاح لمهامه ولكن ذلك النجاح له متطلبات قسم منها يتعلق بالحاكم نفسه والقسم الاخر يتوجب صدوره من عموم ابناء ذلك الشعب او على الاقل الغالبية التي تؤمن بمجريات مسيرة ذلك الحاكم واذا لم يكن المواطن رقيبا ومساهما بانجاز المهام فلا يمكن لأي حكومة ان تنجح وامثلة شعبية بسيطة لدينا تعبر عن حكمة عميقة حيث يقول العراقيون (اليد الواحدة لا تصفق) كيف اذا ما شعرنا بان هناك اياد كثيرة تخرب بدلا من ان تساهم في عملية الاعمار وباي مستوى كان ولو لم يكن قسم ممن يطلق عليهم مواطنين في هذا الوطن يؤازرون الارهاب لتم القضاء على هذه الظاهرة منذ امد بعيد والمواطن العادي احيانا يشعر بمسائل ذات اهمية كبيرة بالنسبة لما يحقق الرفاه في حين لا نجد وسائل الاعلام لدينا تثير مثل تلك المواضيع رغم تأثيرها على قطاع واسع من العراقيين فمثلا التمور والفواكه والمنتجات الزراعية الاخرى لها اهمية خاصة بالنسبة لبلدنا كونه بلد زراعي وفي الحقبة الصدامية اصيبت الزراعة بطعنات قاتله نتيجة الاهمال والجهل وسوء القصد فينقل لي صديق بان مسؤول كبير في الجمعيات الفلاحية آنذاك زار احد الاقضية في حوض الفرات وجلس في احد المضائف وطلب من الفلاحين ان يوضحوا له مقترحاتهم لتلافي شحة مياه الإرواء لمزروعاتهم وعندما باشروا بتوضيح ما يعانون منه سألهم ذلك (اللوذعي) بقوله من نهر دجلة او الفرات تروى اراضيكم وكان رجلا حكيما جالسا وهو الذي يطرح تلك المقترحات وضع عباءته على كتفه خارجا من المضيف فصاح ورائه المسؤول الكبير (حجي لماذا ذهبت) فرد عليه (لا عمي شبعنا ماي) ومع بدء التغيير استأجر الامريكان طائرات لقتل الحشرات التي تصيب التمور ومنذ ذلك الحين ومضت سنوات لما بعد التغيير لم تأت تلك الطائرات للغرض المذكور مع ان بلد معروف بإنتاجه لأجود انواع التمور غزارة مثل العراق وكان وضمن المناهج الدراسية يأخذ الدرجة الاولى في تلك الغزارة والجودة اصبح الان يأتي في الدرجة الخامسة بفعل الجهل وسوء القصد ولم يسأل أي سياسي في هذا البلد لم تؤخذ تلك المادة بثمن بخس ثم تنظف وتعلب وتعاد الينا لنشتريها بأضعاف الثمن الذي قمنا ببيعها به وينقل اولئك الفلاحين بان افة (الدبيجة) التي تصيب التمور والفواكه تكافح الان بمضخات يدوية وعمال وتعطى طبعا لمقاولين من قبل دوائر الزراعة بدلا من الطائرات التي تكون اسرع وأكفأ واقل كلفة الا ان وسيلة المضخات يمكن ان تسهل اتباع اساليب السرقة والاختلاس وهنا تلعب ايضا عوامل الجهل وسوء القصد ونرى بان وزارتي الزراعة والري يفضل ان تسند لشخص وضمن اختصاصه وينحدر من بيئة فلاحية حيث يشعر تماما بما يشعر به الفلاحين من معاناة وليس ضمن من يسمون الزرع (بالزرع) بكسر الزاء فهؤلاء الناس يصلحون ان يضعوا الخطط والتصاميم الفنية للسدود والجداول الإروائية المكساة (المبطنة) كما هو حال جميع سبل الارواء في الدول المتطورة ولكنهم لا يستطيعون ان يفهموا معاناة المزارع والفلاح لذا اصيبت الزراعة لدينا بكبوات كبيرة وساهم الفساد بتوسيع اطر تلك الكبوات فالعراق بلد زراعي والثروة الزراعية لديه تفوق مردود الثروة النفطية واكثر ديمومة ان تم التوجه لرفع مستوياتها ولكن لحد الان لم نجد من هو متفهم بدقة لهذه المسألة فالبادية الجنوبية فيها من الاراضي الصالحة للزراعة والمياه الجوفية انهر وليس ابار تحت الارض تصل بغزارتها ما يعادل نهر الفرات وتكفي لسبعون عام وفق ما حدده الخبراء وعندما سألت احد المسؤولين المحليين اجابني بقوله بان الجهات المختصة تقول ان الثروة المائية تلك تختزن للمستقبل مع ان ذوي الاختصاص يؤكدون بانها تصب في الخليج ويتساءل المواطن هل ان هؤلاء المختصين استثمروا ما يصلهم من مياه الانهر حتى يدخرون تلك الثروة المائية للمستقبل واذا كان المواطن لم يشاهد الدولة تسارع لرفع الحيف والظلم الذي اصابه متى يستطيع ان يشعر بالأمان والرفاه فاذا ما حرمت اجيال واجيال وعلى افتراض صحة كون تلك الثروة المائية تختزن للمستقبل كما يقول ذلك المسؤول فما قيمة ما سيحصل بعد خمسون عاما بالنسبة لنا وبذلك ينطبق قول ابي فراس الحمداني علينا :
                اذا مت ظمئانا                             فلا نزل القطر
والمشكلة التي نعاني منها جميعا هي انانية بعض الساسة الذين يقفون بوجه كل جهد يدفع بالعراق الى الامام بسبب غاياتهم السياسية وربما ادل على ذلك الان هو الوقوف بوجه قانون البنى التحتية ونبقى نكرر بان هذا الشعب سوف لن ينسى من يدفع بالسوء بوجه تطلعاته المشروعة .
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب