18 ديسمبر، 2024 8:04 م

النقد إحسان وليس انتقام

النقد إحسان وليس انتقام

إن انتقاد المقابل هي طريقة لتقويم قول أو فعل المقابل، وإضافة ما يتم به فائدة فعله أو قوله، وليس هو التقصي والبحث عن هفوات المتكلم لكي نوجه له الضربة الأكثر إيلاما، أو نبين له مواطن خلله بأسلوب صارخ، وهذا ما نراه في أكثر المنتقدين، والذي يدعو الكثير ممن يريد الكتابة أو الاجتهاد في عمل جديد الى ترك ذلك العمل والابتعاد عنه كابتعاده عن الخطأ، لأن المرتكز في ذهنه أن الانتقاد هو أسلوب جارح مسببٌ لألمٍ هو في غنى عنه. والإنسان بطبعه يتجنب أسباب إيلام نفسه.
علماً أن الانتقاد هو أسلوب من أساليب الإحسان، هو نوع من أنواع الصدقة، لكن الخلل الذي جعل النقد بهذه الصورة يعود إلى نظر الناقد والذي ينظر غالباً بعين واحدة والتي يرى بها مواطن الخلل والنقص في فعل أو قول المقابل ، فيحاول بما استسقاه من نظره أن يوضح ذلك الخلل بأجلى الصور وأوضح العبارات، ويتعامى عن النظر إلى الألم الذي سببه انتقاده إلى ذلك المقابل، يتعامى عما خلفه انتقاده من آثار سلبية في صدر أخيه، ولو أنه وقف على حجم الألم الذي يخلفه في قلب المقابل من جراء انتقاده لتوقف أو لصاغ كلماته بحيث يكون أقل إيلاماً وإحراجاً لمن يريد انتقاده .
إن النقد بأسلوبه المتبع ضره أكبر من نفعه، فهو يولد الجفاء بين المنتَقد والناقد، بل قد يولد الكراهية الحقد، إن أغلب المنتَقَدين –الذين يقع عليهم النقد- لا يقفون على فائدة الناقد لما ينتابهم من غضب واحتقان من أسلوب الناقد والذي يحجبهم عن رؤية الفائدة – إن كانت هنالك فائدة- بل ترى المسكين يفكر برد ينتقم من خلاله من المنتقد ويحفظ به ماء وجهه، فانحرفت هذه العملية من عملية احسانية إلى عملية انتقامية.
لذلك وجب على الناقد اللبيب أن ينظر إلى مقدار الألم والضرر الذي يسببه أسلوبه النقدي لدى من ينتقده ، ويكون هو مقياسه في صياغة عباراته وكلماته النقدية، وأن تكون غايته إفادة المقابل وليس بيان لعلميته وأفضليته ، فكما أن الرياء يقع في الصدقة المادية ويفسدها كذلك يقع في الصدقة المعنوية ويفسدها.