18 ديسمبر، 2024 8:07 م

النقاش الجدلي وارتباطه بنجاح الفرد

النقاش الجدلي وارتباطه بنجاح الفرد

اعتاد الانسان منذ بدء تحسين واقعه الادراكي وتحوله من كونه بشرا الى انسان عند هبوط آدم الى أرضنا هذه ، على كونه اجتماعيا أي بمعنى انه لا يستطيع المعيشة بمفرده ، وان مشاركة الاخرين بكل شيء ، يعد اساسا لا نقاش فيه في حياته.

الواقع الاجتماعي للانسان دفع به ومنذ عصور مضت الى مشاركة الافكار او ما يؤمن به مع اقرانه او آخرين يمتازون بالقرب منه ، والاستئناس بالاراء المختلفة لهؤلاء الناس وربما تبني بعض الافكار التي يؤمنون بها او الخروج بمشتركات فكرية متعلقة بموضوع ما يشغل اهتمامهم جميعا.

ان حالة النقاش مع الآخرين لم تكن وليدة لحظة زمانية محددة ، إنما هي من غرائز الانسان البديهية وكون اهميتها تنطلق من احتمالية تأثيرها بالايجاب او السلب على الانسان ، ارتأينا ان نوضح خطورة التأثير السلبي لهذه الحالة ، وكيفية السيطرة عليها لتكون منطلقا ايجابيا في حياة الفرد.

ما تقدم يشير الى ضرورة التحكم ببوصلة هذه الحالة وعدم الانجرار وراء فوضويتها ، لان الفوضوية ستقود بنا الى تشعب يؤدي في نهاية المطاف الى تشتت الفكرة المراد تطويرها من قبل الفرد ، وصولا الى تشوه كامل في المعطيات المعلوماتية ، فكيف لنا أن نتحكم بتلك البوصلة ونجعلها بالشكل المطلوب الذي نطمح إليه والمراد منه تطوير الخزين المعلوماتي لدينا ؟

الجواب ان الاشخاص الذين نختارهم لمناقشة اي من الموضوعات سواء الدينية او العلمية او التربوية او الثقافية او الاقتصادية الى آخره من الجوانب التي تهم الانسانية ، لا بد لهم ان يكونوا متشاركين ولو بالحد الادنى من الادراك مع الشخص المعني ، أي بمعنى ان يكونوا من مستوى منهجي علمي متقارب اذا لم يكن موحدا ، ليكون تبادل الاراء والمعلومات تطويريا للاشخاص كافة ، ويسير بشكل مستوي متوازٍ ، اما العكس فإنه سيؤدي بنا الى تقاطع في المعلومات والاراء ، ما يؤدي حتما الى الصدام او الوصول الى مرحلة لا يمكن عندها الوصول الى نقطة التقاء ، فيتولد لاحقا تقاطع تام في المعلومة وتشوه في القناعات المتبناة لدى أي من الاطراف التي شاركت في هذا النقاش.

وعليه وبناءً على الايضاحات السابقة ، فإن علينا السيطرة على أي من النقاشات المحتدمة او المعتدلة في أي من المجموعات وعدم السماح له بالتطور الى درجة النقاش المعلوماتي ، إلا بعد توفر المعايير سالفة الذكر تجنبا للسقوط في الثغرات التي تحدثنا عنها والتي ربما تتطور لاحقا لتكون سببا لقطيعة او سوء فهم او مشكلات بين افراد ينتمون لمجتمع واحد سواء كان في العمل او الاسرة او العشيرة او الاصدقاء وجعل أي حديث مختلف الرؤى بين تلك المجموعات لا يخرج عن كونه تبادلا للاراء والمعلومات دون نقاش ، وحصر هذا الاخير مع من تنطبق عليهم شروطه.

ربما يتهمنا بعض القراء بأننا قد نكون تحدثنا بتعصب او مبالغة في هذا السياق ، إلا ان الحقيقة تبتعد عن ذلك كليا ، فما خوضنا بهذا الحديث وبهذه الصراحة الا لشعورنا بجسامة وخطورة هذه القضية الحساسة ، والتي تشكل عاملا اساسيا لتطور المجتمعات او انهيارها.

واذا ما تركنا جانبا مخاطر وعيوب النقاش في حالة التباعد الاداركي بين الافراد الخائضين له ، ومن باب الانصاف المعلوماتي ، فلا بد من التذكير بأن الجانب الايجابي لهذه الحالة يمثل ذروة الرقي الانساني في التطور الذاتي ، أي بمعنى أن شروط ذلك النقاش لو توفرت بمجموعة من الافراد ستنتقل بالفرد من حالة ادراكية الى أخرى أعلى شأنا ممزوجة بين المؤهلات الذاتية والتجارب المجتمعية للنظراء ، فتخلق انسانا تكامليا في جانب اجتماعي معين يمكن الاعتماد عليه ليكون انموذجا في هذا الاختصاص.

اذن فنحن امام انموذجين للفرد احدهما يستخدم النقاش للوصول الى الحالة الادراكية التكاملية ، وآخر يستخدمه للوصول الى التشتت الذهني المصحوب بالمشكلات الاجتماعية نتيجة لتقاطع غير مبرر مع شركاء مجتمعيين له ، ونحن ووفق هاتين النتيجتين سنحدد مصير او مستقبل ذلك الفرد والحكم عليه بأنه ناجح او فاشل في اختصاص ما او بشكل عام ، وذلك عبر تحديد آليات النقاش الذي يخوضه ضمن تجمعاته الانسانية المختلفة.