المؤتمر السنوي الثاني والعشرون لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية كان موضوعه هذه السنة «المنطقة إلى أين: تحديات أسعار النفط». وسرني أن الصديق الدكتور جمال سند السويدي بدا في صحة طيبة وهو يفتتح المؤتمر ويختتمه، فهو في كتابي الشخصي أكاديمي بارز إلا أنه لا يقيم في برج عاجي وإنما يتعامل مع الناس وقضاياهم.
هو قال أن الإمارات العربية المتحدة لها تجربة ناجحة تستحق أن تُحتذى في التعامل مع تقلبات أسعار النفط، فهي اتبعت منذ البداية سياسة تعدد مصادر الدخل لتستطيع السير إلى الأمام وتنفيذ مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقال أن الإمارات ستحتفل في عام 2050 بتصدير آخر برميل من النفط، وأرى النفط سيستمر طالما بقي مخزونه في جوف الأرض.
الأمير تركي الفيصل كان أول المتحدثين، وحذر دول الخليج من خطر إيران ودعاها إلى العمل وتفادي عوامل القصور في جهدها المشترك، كما قال أن مصلحة العراق في العودة إلى أمته، فالخليج كان عبر تاريخه الحديث ضحية ترتيبات دولية، وربما كانت هناك ترتيبات الآن ليست في مصلحة دول الخليج.
ومن الأمير تركي إلى الصديق تركي الدخيل، المدير العام لقناة «العربية»، فهو ألقى كلمة مفيدة ومسلية في آن تتحدث عن اكتشاف النفط في المملكة العربية السعودية سنة 1935، وتناول رؤية الأمير محمد بن سلمان لعصر ما بعد النفط ومشاريع 2020 الى 2030.
توصيات المؤتمر دلالة كافية على متابعة المنظمين حوادث الساعة فهي شملت العمل على معالجة التراجع الأمني والسياسي والاقتصادي في المنطقة العربية، والحفاظ على المحور العربي الذي يضم دول الخليج ومصر ودعمه، وتعزيز مستوى التنسيق العربي في مواجهة الإرهاب، وتوفير أسس الاستقرار الداخلي، ومراقبة السياسة الأميركية إزاء دول الخليج، واعتبار انخفاض أسعار النفط فرصة لإصلاح مظاهر الخلل الهيكلي في بعض اقتصادات الخليج.
القيادي الفلسطيني محمد دحلان تحدث عن صعود إيران في السنوات الأخيرة وسيطرتها على مقدرات سورية والعراق واليمن ولبنان وجزء من الأراضي الفلسطينية. هو أشار إلى «انقلاب» باراك أوباما الذي أراد سيطرة الإسلام السياسي على العالم العربي عبر مصر وتونس وربما الأردن، وقال أنه لو نجح «الإخوان المسلمون» لما بقيت دولة عربية سالمة. قال أن الولايات المتحدة تعاونت مع تركيا لفرض الإسلام السياسي على المنطقة العربية بالمشاركة مع إسرائيل ثم إيران. إلا أن المخطط فشل.
وسرني أن أرى في المؤتمر الأخ أسامة هيكل، وزير الإعلام المصري السابق ورئيس لجنة الثقافة والإعلام والآثار في مجلس النواب، فهو حذر الدول العربية من صراع الأقطاب في المنطقة العربية، واحتمال أن يحاول القطب القوي توسيع دائرة نفوذه على حساب الآخرين. أقول عن نفسي أن إدارة ترامب قد تحسن التعامل مع الدول العربية، خصوصاً الخليجية منها، وقد تدخل في مسار يؤذي هذه الدول لذلك الحذر واجب وطني.
واحدة من أفضل الكلمات التي سمعتها كانت من بسام فتوح الذي قدّم دراسة نفطية مرفقة برسوم بيانية واضحة يُشكر عليها. كان نصيبي من المؤتمر أن أتحدث عن «إدارة ترامب ومستقبل التحالفات الأميركية – الإقليمية في الشرق الأوسط»، وأرجو أن أكون أفدت كما استفدت. قلت خارج كلمتي أن الخوف على مستقبل النفط غير مبرَّر فعمره أكثر من مئة سنة، ومع ذلك فهو لم يلغِ استعمال الفحم الحجري الذي قامت النهضة الصناعية عليه. أيضاً ذكّرت المشاركين بشيء قاله فرانكلن ديلانو روزفلت في خطابه الأول بعد تولي الرئاسة الأميركية سنة 1933، فهو جاء بعد أزمة مالية طاحنة كادت تدمر الاقتصاد الأميركي، وقال للأميركيين: لا شيء نخافه سوى الخوف نفسه. أقول يجب ألا نخاف. هذا ما أقول للعرب في البلدان المنتِجة للنفط: لا تخافوا.
نقلا عن الحياة