23 ديسمبر، 2024 5:33 ص

النفط العراقي واستغلاله في دفع قاطرة التنمية الاقتصادية

النفط العراقي واستغلاله في دفع قاطرة التنمية الاقتصادية

يعتمد الاقتصاد العراقي اعتمادا كليآ وبشكل رئيسي على القطاع النفطي في تكوين الناتج القومي,حيث يشكل ما نسبته (95%) من اجمالي الدخل القومي العراقي,وتتكون واردات النفط من العملة الصعبة,حيث اعتمد العراق اثناء فترة الحصار على برنامج النفط مقابل الغذاء الذي بدأ تطبيقه عام (1996) حيث سمح العراق بالتبادل النفط مقابل السلع والخدمات الضرورية(الغذاء,والمستلزمات الطبية الخ..)
وعند غزو العراق عام (2003) ومجيء الحاكم المدني على العراق (بول بريمر),تم التوجه نحو الخصخصة للشركات النفطية في العراق,وسمح بريمر بأمتلاك شركات غير عراقية على عملية استخراج النفط (من المنبع الى المصب) ,أي من استخراج النفط حتى تحويله الى مشتقات نفطية وبيعه,وقد ادى ذلك الى التوجه نحو اقتصاد السوق وما رافقه من تحولات في الاقتصاد العراقي,لكن ما يهمنا الأن هو اذا اعتمد العراق بشكل رئيسي وتصديره كمادة خام يؤثر سلبآ على الاقتصاد القومي ,ذلك لأن النفط فيه انواع كثيرة تشتق منه تصل الى اكثر من(300) نوع ,فلا بد من وجود شركات وطنية رصينة ,تعمل على استخراج النفط وتنويعه الى عدة انواع في البلد ,أذ أن استغلال هذا المنتج على احسن وجه يؤدي الى اكتفاء البلد من احتياجاته النفطية من جهة وبيع الفائض النفطي من جهة اخرى وهذا الآخير يؤدي الى تحسين ميزان المدفوعات بجذب رؤوس اموال جديدة من الخارج الى الداخل وبالتالي زيادة احتياطي الدولة من العملة الصعبة وهذا بدوره يؤدي الى التوجه نحو الاستثمارات وينمو الدخل بعد ذلك ويتم تشغيل ماكنة التنمية الى الامام, وبما ان العراق يعتمد على تصدير منتج واحد في الوقت الحاضر ويستورد مشتقات نفس المنتج ,ويستورد بقية السلع والخدمات من الخارج, معنى هذا ان موارد العراق(المادية والبشرية) معطلة ,بسبب سوء استغلالها ,وبما ان العراق يعتمد على تصدير سلعة واحد فأن ناتجه القومي ايضا يستأثر بشكل كبير على مجمل الناتج ,فلو فرضنا أن العراق جميع موارده معطلة وهذا تحصيل حاصل على ارض الواقع,عدا النفط, فلابد لنا استغلال هذا المنتج لتوجيه ايراداته نحو عملية التنمية لكن مع كل الأسف يتميز اقتصاد العراق (بالريعي) غير المنتج لأن البلد المنتج او الصناعي يتميز بعدة مميزات ,كأن تكون نسبة (25%), من الصناعة التحويلة في تكوين الناتج القومي حيث أن ارتفاع هذه النسبة يدل على أن البلد منتج وصناعي ومتطور,وهذا بدوره يؤدي ايضا الى دفع عملية التنمية الاقتصادية (أي رأس المال الاجتماعي والبنى التحتية الاقتصادية المنتجة), لكن كما قلت تميز اقتصاد العراق بالريعي وأنخفاض نسبة الصناعة فأنها لا تشكل على الأقل ما نسبته(1o%), والاستمرار في تصدير مادة اولية والتوجه الكبير نحو الاستيرادات السلع الاستهلاكية كل هذا يؤدي الى حودث اختلال هيكلي في الاقتصاد, وبالتالي اختلال ميزان المدفوعات ,ولأن العراق بلد مستهلك يقوم بأستيراد السلع الاستهلاكية بدرجة كبير ويستورد السلع الرأسمالية بنسبة ضئيلة, بسبب ارتفاع الميل الحدي للأستهلاك للفرد العراقي وأنخفاض الميل الحدي للأدخار,وأن ارتفاع الأول وانخفاض الثاني يؤدي الى خروج العملة الصعبة من البلد من الداخل الى الخارج لأغراض استهلاكية غير منتجة,وان ارتفاع الميل الحدي للأدخار يؤدي الى الى ارتفاع حجم الاستثمارات وذلك بسبب وجود العلاقة الطردية بين الأدخار والاستثمار ,هذا من ناحية ..
ومن ناحية اخرى كيفية استثمار ايرادات النفط , أذ أن الموازنة تتكون من هذه الايرادات وتنفق هذه الايرادات نحو التشغيل ولا يتم توجيه الا نسبة قليلة  نحو الاستثمار ,وهذا بطبيعة الحال يفسره الفساد الاداري والمالي المستشري في البلد وسيطرة السياسيين على المؤسسات النقدية والمالية ,وتوجيه هذه المؤسسات حسب اهوائهم ؛ وكل هذه أدت الى تراجع نسب النمو في البلد ,لأن توجيه ايرادات هذه الثروة حو التشغيل وعدم توجيهها نحو الاستثمار والخصخصة ,ونحو الشركات المختلطة الوطنية يؤدي الى تدهور الوضع الاقتصادي,هذا وأن البلد يعاني من بطالة مقنعة كبيرة في جميع دوائر الدولة ووجود فائض كبير من الموظفين(اليد العاملة),هذا يعطي انطباعا الى أن الانتاج يتزايد ولكن بنسب متناقصة,وبالتالي حدوث موجات تضخمية في قطاع العمل..
ان مشكلة العراق ليس في ندرة الموارد لكن المشكلة هي سوء استخدام هذه الموارد(المادية والبشرية), وبما أن التخلف نقيض النمو وبالتالي لا يجتمعان,فما يحصل الان هو تنمية للتخلف وليست تنمية اقتصادية وهذا يفسره الفساد المستشري في البلد! فلو كان هناك سياسة اقتصادية رشيدة لكان بالامكان النهوض بالواقع العملي الاقتصادي ,وهنا تضهر لنا مشكلة هي الاخرى تؤدي الى الرجوع الى الوراء بسسب غياب (الاقتصاد السياسي)في البلد ,أذ ان الاقتصاد والسياسة هم وجهان لعملة واحدة فأن عدم تبويب المفهومين في هدفآ واحد لا يمكن نجاح أي منهما,وهناك اهمال واضح في السياسة الاقتصادية لدى بقية القطاعات الاقتصادية ,أذ ان قطاع الصناعة القائد في عملية التنمية شبه منهار في البلد ولم يواكب التغيرات الحاصلة مع مرور الزمن, وبالتالي اهمال قطاع الزراعة ,لأن الاثنين مكملان لبعضهما فان اهمال السياسة الاقتصادية لأي منهما يؤدي الى االأضرار بالآخر,فلا بد من توجيه السياسات لدعم هذين القطاعين المهمين ,هذا جانب وجانب اخر هو ان دعم هذين القطاعين يؤدي الى التقليل من الاستيرادات الضرورية والكمالية ,والقضاء على البطالة والفقر ,لأن عدد المشتغلي في القطاع الزراعي يقدر ب (7)مليون شخص ,وانهيار هذا القطاع يسبب مشكلة كبيرة وعبء ثقيل على الموازنة ,وهذا ايضآ يؤدي الى مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية تنعكس على الحياة السياسية ,هذا وأن دخول قوات الاحتلال الامريكي الى العراق بعد (2003),وما رافقه من انهيار في جميع القطاعات الاقتصادية والبنى التحتية ,فهناك احصائيات على بعض قطاعات الاقتصاد وعلى نسبة البطالة والتضخم ,اذ بلغت نسبة البطالة حسب تقارير وزارة التخطيط الى (37%) ,وتسارع معدلات التضخم الى (39%), وارتفاع نسبة الامية والفقر الى (7)مليون امي حسب تقارير أممية ويعيشون تحت خط الفقر,وبخصوص الزراعة فأنها تسير في طريق المعاكس وأن انتاجه في السالب ,وقطاع الصناعة شبه منهار حيث تقدر نسبة انهيار هذا القطاع  الى (80%)..
 
الخلاصة:
نستنتج مما سبق أن جميع القطاعات في الوقت الحالي لا تؤدي الى دفع عملية التنمية الى الامام لأنها شبه منهارة ويستوجب اعادتها من خلال سياسات هادفة,وأن القطاع القائد الان هو القطاع النفطي وهذا الاخير لا يتم استغلاله على احسن وجه,ولكنه عوض عن القطاعات الاخرى في سير العملية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الخ..فالنفط في العراق يعمل كرقاص الساعة الذي يسيطر على مجمل حركة الساعة , فبدون النفط ما(نسوة فلسين)في الوقت الحاضر ,فلا يتبجح السياسيين ويبتهجون من هذه الامول الطائلة فأنها في أي لحضة تختفي بأنهيار او انخفاض اسعار النفط ونقع في فخ المديونية الخارجية (ونضل نصفك باليدين), فلا تفرحوا بهذه الاموال لأننا الآن في تبعية اقتصادية وسياسة وفكرية وثقافية يصعب التخلص منها.
 
[email protected]