تعتبر نفايات المستشفيات من الموضوعات الهامة التي إستحوذت على إهتمام الإدارات الصحية والبيئية الخدمية والمعنيين في هذه المجالات في كافة أنحاء العالم.
لقد إعتمد تعريف النفايات الطبية وفقاً لما ورد في إصدارات منظمة الصحة العالمية في النظام الموحد لإدارة نفايات الرعاية الصحية وهي “النفايات التي تنتج من المنشآت التي تقدم الرعاية الصحية المختلفة، والمختبرات ومراكز إنتاج الأدوية والمستحضرات الدوائية واللقاحات ومراكز العلاج البيطري والمؤسسات البحثية ومن العلاج والتمريض في المنازل”. وتنقسم هذه إلى نوعين:
أ. نفایات الرعایة الصحية غير الخطرة:
وهي جميع النفايات التي تشتمل على مواد كالتي توجد في النفايات البلدية وتنتج هذه النفايات من الأقسام الإدارية ومن أعمال النظافة العامة داخل المنشآت الصحية وتشكل الجزء الأكبر من إجمالي نفايات الرعاية الصحية ويعامل هذا النوع معاملة النفايات البلدية.
ب. نفایات الرعایة الصحية الخطرة:
هي النفايات التي تنتج من مصادر ملوثة أو محتمل تلوثها بالعوامل المعدية أو الكيمياوية أو المشعة وتشكل النسبة الأقل من إجمالي نفايات الرعاية الصحية إذ أنها تشكل خطراً على الفرد والمجتمع والبيئة أثناء إنتاجها أو جمعها أو تخزينها أو نقلها أو التخلص منها. وتصنف هذه النفايات وفقاً لمراجع منظمة الصحة العالمية.
ومع التوسع في الخدمات الصحية بكافة أنواعها في دول العالم من خدمات وقائية وتشخيصية وعلاجية ومع تقدم مستوى التقنيات الحديثة المستخدمة في المعالجات الصحية كافة فقد أصبحت النفايات الطبية الناتجة عن المستشفيات والمراكز الصحية محور إهتمام كبير عن كيفية معالجتها والتصرف بها وتلافي آثارها البيئية الخطرة لأنها قد تكون ملوثة للبيئة بشكل عام أو أنها مؤثرة على صحة الفرد أو المجتمع من خلال نقل عدوى الأمراض الخطرة.
ولا يخفى على أحد أيضاً أن تلك النفايات مصدرها المريض، لذا فهي تحتوي على مسببات المرض من بكتيريا وفيروسات وفطريات وغيرها، الأمر الذي دعا العديد من الدول والمنظمات العالمية خلال العقدين الأخيرين إلى الاهتمام بهذه المشكلة بعدما أثبتت بعض الدراسات والبحوث مسؤولية هذا النوع من النفايات في إحداث أمراض وأوبئة فتاكة وسريعة الإنتشار، والمعروف عن هذا النوع من النفايات أنه أكثر خطورة من أي نوع آخر من النفايات لما قد تسببه من أضرار للأفراد والبيئة بصفة عامة.
يجب الإنتباه إلى أن المخاطر الصحية الناتجة عن هذه النفايات الطبية لا تقتصر على العاملين بالقطاع الصحي بكافة فئاته المختلفة من الأطباء والممرضين وعمال الخدمة في المستشفيات بل تمتد لباقي أفراد المجتمع الذين يتعرضون لهذه النفايات أو لآثارها، الأمر الذي يجعل المخاطر الصحية للنفايات الطبية تمتد إلى خارج نطاق المستشفيات وخصوصاً مع توفر تقديم الرعاية الصحية المنزلية وحملات التطعيم الميدانية والرعاية الصحية خارج المستشفيات بما يصاحب ذلك من إستخدام لمواد وأدوات طبية خارج نطاق المرافق الصحية. وتتنوع النفايات الطبية بشكل كبير لتشمل الإبر والحقن والقطن والشاش وبقايا العيّنات الملوثة بسوائل ودماء المرضى ومخلفات صيدلانية وكيميائية وأحياناً مخلفات مشعة ومخلفات العمليات من أعضاء بشرية وغيرها.
منذ بداية الثمانينات إهتمت دول العالم وبالأخص الدول المتقدمة بطرق التخلص من النفايات الطبية خاصة بعد أن ثبتت خطورتها على الصحة في نقل الأمراض، والخطيرة منها على وجه الخصوص، ولذلك نجد أن دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية وكندا أوجدت معايير ومقاييس لكيفية التعامل مع النفايات الطبية بدءً من مصدر إنتاجها في المنشآت الصحية وانتهاءً بمعالجة هذه النفايات والتخلص منها.
ونتيجة لتنفيذ القوانين البيئية الصارمة الخاصة بطرق المعالجة فقد توسعت هذه الدول في دراسة التقنيات البديلة التي تتميز بالكفاءة في معالجة هذا النوع من النفايات وفي نفس الوقت تكون مخرجاتها غير ضارة بالبيئة وبالتالي كان هناك إستخدام واسع لتقنيات المايكروييف والاوتوكليف في معالجة النفايات الطبية كما أن المحارق التي لا تتوافقإانبعاثتها مع المقاييس البيئية قد تم إيقافها.
تمتاز برامج التخلص من النفایات في الدول المتقدمة بالاتي:
• وجود الاستراتيجيات المحددة وخطط العمل اللازمة لإدارة النفايات الطبية.
• وجود القوانين والتشريعات التي تحكم ذلك.
• توفر التقنيات والعمالة المؤهلة.
• الدراسات والبحوث في تقييم الطرق المستخدمة حالياً وتطوير الأداء في هذا المجال.
وفي الدول العربية، فقد أجريت دراسات ميدانية على واقع النفايات الطبية الخطرة ومنها دراسة ميدانية تمت على أكثر من 27 مستشفى و 450 مركز صحي في المملكة العربية السعودية حيث قدرت النفايات الطبية الخطرة بحوالي 1.13 كغم/ سرير/يوم مأخوذا في الاعتبار نسبة الإشغال، أي أن مستشفى بسعة 500 سرير سوف ينتج عنها 206 طن سنويا. أما بالنسبة للمراكز الصحية فقد أوضحت الدراسة أن معدل تولد النفايات الطبية الخطرة هو 0.08 كغم/زيارة، ويعتبر هذا الرقم مقبولاً مقارنة مع الإحصاءات الواردة في تقارير منظمة الصحة العالمية.
تعتبر أرقام إجمالي النفايات الطبية في كل دولة أقل من الواقع وذلك لعدم توفر معلومات صحيحة عن عدد الآسرة في القطاع الخاص في بعض الدول بالإضافة إلى عدم وجود معلومات عن إجمالي عدد المترددين على مركز الرعاية الصحية والتي يستفيد منها ويتردد عليها عدد كبير من المواطنين وينتج عن ذلك نفايات طبية قد تصل إلى 50% من إجمالي ما تنتجه المستشفيات، فعلى سبيل المثال في المملكة العربية السعودية تم حساب إجمالي النفايات الطبية على النحو التالي:
إجمالي النفايات الطبية في المستشفيات (حكومية وخاصة) 45729 x 1.13 = 18860 طن سنوياً.
يعتبر فرز النفايات الطبية إلى خطرة وغير خطرة من مصدرها من أهم الخطوات التي يجب على المنشآت الصحية أخذها في الإعتبار وبالرغم من أهمية هذه الخطوة فإن الدراسات الميدانية في بعض دول الخليج العربي، على سبيل المثال، تشير إلى عدم وجود ممارسة مهنية دقيقة لفرز النفايات من مصدرها ولا يختلف الوضع كثيرا في باقي الدول العربية ومن ضمنها العراق حيث إستناداً لتقرير الجهاز المركزي للإحصاء لسنة 2015 عن النفايات الطبية في المؤسسات الصحية العراقية جاء فيه ما يلي:
• كمية النفايات غير الخطرة (نفايات إعتيادية) للمستشفيات (الحكومية والأهلية) التي تطبق نظام التصنيف الدولي الخاص بالنفايات الطبية (طن/سنة) = 3815.9
• كمية النفايات غير الخطرة (نفايات إعتيادية) للمؤسسات الصحية الأخرى التي تطبق نظام التصنيف الدولي الخاص بتصنيف النفايات الطبية (طن/سنة) = 268.8
• كمية النفايات المتولدة من المستشفيات (الحكومية والأهلية) التي لاتطبق نظام الفرز (طن/سنة) = 338.9
• كمية النفايات المتولدة من المؤسسات الصحية الأخرى التي لاتطبق نظام الفرز (طن/سنة) = 378.3
• كمية النفايات الكلّية للمستشفيات (الحكومية والأهلية) التي تطبق نظام التصنيف الدولي الخاص بالنفايات الطبية (طن/سنة) = 4894.2
• كمية النفايات الكلّية للمؤسسات الصحية الأخرى التي تطبق نظام التصنيف الدولي الخاص بتصنيف النفايات الطبية جزئياً (طن/سنة) (كلياً او جزئياً) = 408.2
من المعلوم، وحسب إحصاية وزارة الصحة العراقية، أن هناك 40989 سريراً في المستشفيات الحكومية والأهلية، وحيث يفترض أن كل سرير ينتج 2.427 طن من النفايات الطبية/سنة، أي أن هذا يعني أن مستشفيات العراق، وحسب عدد أسرتها، يجب ان تنتج 16892 طن/سنة من النفايات، إلا أنه وحسب تقرير الجهاز المركزي للإحصاء فإن المستشفيات المشمولة بالتقرير تنتج فقط 10104 طن/سنة من النفايات. وهذا يعني أن معلومات النفايات الطبية لأكثر من 40% من مستشفيات العراق، عدا إقليم كردستان، غير داخلة/متوفرة في تقرير الجهاز المركزي للإحصاء. هذا، ناهيك عن نفايات المختبرات والعيادات الخاصة للأطباء والمضمدين الذين إزداد عددهم بشكل كبير في جميع أنحاء العراق والتي تمثل نسبة مئوية كبيرة من حيث حجم النفايات الطبية التي ينتجونها. علماًً أن العديد من المستشفيات وحتى في العاصمة بغداد لا تعرف كميات النفايات المنتجة لديهم وأن أكثر من 40% من المستشفيات (حكومية وأهلية) لا تعرف شيئا عن نفاياتها.
من المعلوم أن وزارة الصحة والبيئة العراقية تعرف جيداً كيفية إدارة المخلفات الطبية وفق تعليمات منظمة الصحة العالمية وبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة إلا أن الوزارة لا تقوم بما يجب عليها القيام به حفاظاً على صحة المواطن من خلال التخلص الكامل والصحيح لجميع النفايات الطبية سواء كانت في المؤسسات الصحية الحكومية منها أو الأهلية.
وبهذا نرى أنه على مجلس النواب و/أو مجلس الوزراء إصدار قانون/تعليمات تنظم إدارة النفايات الطبية و تداولها وفق تعليمات منظمة الصحة العالمية ويكون ملزماً لجميع المؤسسات الصحية الحكومية والأهلية وعيادات الأطباء الأهليين والممرضين وكل من يعمل في مجال الرعاية الصحية، وبشرط فرض عقوبات على كل مؤسسة صحية أو غيرها ممن لم يلتزموا بتلك التعليمات.
لاحظنا أنه على الرغم من وجود تعليمات صدرت من قبل وزارة الصحة وقبلها من وزارة البيئة حول كيفية التخلص الآمن من النفايات الطبية، إلا أن أيا من المؤسسات الصحية الحكومية والأهلية والأشخاص االعاملين في المجال الطبي/الصحي لم يلتزموا بهذه التعليمات، إضافة إلى أن تلك التعليمات الصادرة عن الوزارات لا تفي بالكامل بتوجيهات منظمة الصحة العالمية.
كما ونقترح تفعيل الشرطة البيئية المرتبطة إدارياً بوزارة الداخلية، وبالتعاون مع وزارة الصحة والبيئة، من أجل مراقبة ومعاقبة كل من يخل بالنظام الصحي البيئي سواء مؤسسات أو أفراد، وكذلك معاينة وفحص أكداس/حاويات القمامة قرب المستشفيات وعيادات الأطباء الأهليين والمضمدين والمختبرات الذين يستخدمون تلك الحاويات للتخلص من جميع النفايات الطبية التي تنتج عن إستعمالهم اليومي لها بشكل غير قانوني من أجل محاسبتهم.
* أستاذ بعلم الفسلجة الطبية ومستشار متخصص بالصحة البيئية
[email protected]