23 ديسمبر، 2024 8:25 ص

النفاق … والنفاق السياسي

النفاق … والنفاق السياسي

يُروى ان أحد الخلفاء كان في رحلة صيد فرمى بسهمه على أحد الطيور فلم يُصبه فقال له وزيره المرافق : أحسنت ياسيدي ، فالتفت اليه الخليفة غاضبا وقال : أتسخر مني وتهزأ بي لأنني لم أُصب الطير ؟؟ فرد عليه الوزير بمكر ودهاء : ياسيدي الخليفة لقد أحسنت الى الطير بأنك لم تقتله . هذه الحكاية حرّكت في داخلي موضوعا أزليا وظاهرة اجتماعية خطيرة ألا وهي ظاهرة النفاق ، فالمنافقون والمتملقون والانتهازيون والمطبلون والمداحون موجودون في كل زمان ومكان ، لكن أساليبهم تختلف من زمن لآخر . واذا اردنا تسليط الضوء على معنى كلمة ( النفاق ) نقول : ( النفاق هو : كذب ، خداع ، غش ) وهو ( أن يُظهر المنافق شيئا وفي داخله شيئ آخر مخالف تماما  ) .. وسُمي المنافق منافقا لأنه يجعل لنفسه أكثر من وجه ، ويُظهر أحد تلك الوجوه حسب الموقف الذي تقتضيه مصلحته الشخصية حتى لو كان ذلك على حساب كرامته وسمعته ( وماء وجهه ) . وعلامات المنافق كما جاء في الحديث الشريف هي ( اذا حدّث كذبب ، واذا أُتُمِن خان ، واذا وعد أخلف ). ان طابور المنافقين الذي عادة ما يتنامى تعداده وتأثيره في الظروف المضطربة والأستثنائية وعندما تتصدع منظومة القيم والأخلاق في المجتمع وعندما يكون مهيّأ لتقبّل مايقوله المنافقون من اقوال كاذبة وتضليل وتدليس وتزييف وقلب الحقائق و ( مسح الأكتاف )وكل ذلك يؤدي الى زعزعة وتدمير الثقة والوحدة في المجتمع …. وان من أخطر انواع النفاق وأكثرها فتكا وتدميرا هو النفاق السياسي بكل اشكاله وأساليبه . ان النفاق السياسي ناجم عن ثقافة مجتمعية متدنية ، فيستغل المنافقون هذا التدني من اجل تحقيق مآربهم واهدافهم المريضة على حساب القيم والاخلاق والمبادئ والاعراف . ان ظاهرة النفاق اصبحث وللأسف الشديد جزءا من حياتنا اليومية ، لذلك نرى طوابير المنافقين بمختلف الوانهم وطعمهم ورائحتهم ، ويتجلى ذلك في التملق ، تبديل الوجوه الكالحة ، تبديل الخطاب من اجل الوصول على المناصب والمكاسب …. أقول ويعتصرني الألم : كم من المنافقين يعيشون بين ظهرانينا وكم من المنافقين والمتملقين يعيشون بيننا ؟؟ وكم من سياسي منافق بيننا ويتحكّم بمصير شعب كامل ومستقبل أجيال كاملة ؟؟ اننا جميعا جزء من المشكلة ( وما أبرّئ نفسي ) فكلنا نعرف المنافق لكننا لا نمتلك الجرأة والشجاعة لمواجهته وتعريفه بحجمه الحقيقي وكذبه وزيفه ، لأسباب عديدة أهمها ان المجتمع مازال في سباته ولم ينهض ، هذا أولا وثانيا ان موضوع النفاق قديم قدم الدهر وان مسألة اجتثاثه ليست بالأمر الهيّن والسهل لأنه مرض استشرى في كل زاوية وفي كل مرفق وفي مؤسسات الدولة خاصة في ظل المغريات التي يسيل لها اللعاب ، لذلك يتطلب النهوض بالمثقفين والاكاديميين والاعلاميين من غير المنافقين وكل حسب موقعه وتأثيره وكذلك اصلاح منظومة القيم والاخلاقالتي اصابها التصدع نتيجة الظروف المعروفة … الموضوع صعب وصعب جدا لكن ليس بالمستحيل ..