18 ديسمبر، 2024 4:43 م

النفاق والعهر السياسي … حينما يكون على مستوى الدول !!

النفاق والعهر السياسي … حينما يكون على مستوى الدول !!

من البديهي ان التاريخ بكل مفاصله لم يخل شدة وضعفا من وعاظ السلاطين وماسحي حذاء الامير.
وان جل هذا الشذوذ ان لم يكن كله، انما هو بدافع المصلحة الشخصية والمجاملة المحصورة في بلاط السلطان وحاشيته وحدود مملكته.
تلك المجاملات الرخيصة التي تجسدت بكل وضوح بين كل احزاب وتيارات السلطة في الحكومة العراقية الحالية من بعد سقوط الصنم في ٢٠٠٣ والى يومنا هذا، وما ترتب عليها من وضع ماساوي خطير.
لكن ان تتقمص مثل هذا الدور المهين دول تتمتع بالسيادة والاستقلال، بل وربما تشكل رقما صعبا في المعادلات الدولية في التاريخ المعاصر ايضا، فهنا تكمن الكارثة.
وهو ما لا يمكن تفسيره الا كونه من بركات الراسمالية المقيتة، التي غدت وبالا على البشرية جمعاء.
ادناه ملفات ثلاث على سبيل المثال لا الحصر تجسد الفكرة اعلاه.
1 – الملف الاول :
اسلحة الدمار الشامل العراقية.
فلطالما طبل وزمر الرئيس الامريكي جورج بوش الابن بان العراق يمتلك اسلحة الدمار الشامل، وبان جرذ العوجة صدام المقبور يشكل تهديدا للامن والسلم العالميين و ….
كل ذلك بغية ايجاد مبرر لاحتلال العراق، وهو الذي حصل.
ليتبعه على الفور رئيس الوزراء البريطاني انذاك توني بلير ويورط بلاده في حرب هوجاء غير مدروسة.
بالاضافة الى استراليا، بولونيا و … والتي سميت بمجموعها (( ائتلاف الراغبين )).
والملفت للنظر ان انجرار هؤلاء وراء غطرسة واشنطن كان اقرب الى النفاق والتصنع، منه الى الاستناد على الدليل والعقل والمنطق.
اذ سرعان ما انهارت اسطورة اسلحة الدمار الشامل هذه.
فعلى الصعيد العام شعبيا :
تمحور الاعتقاد السائد لدى الغالبية العظمى من الناس بعد الحرب حول كون الادلة واهية، وان الحجج التي قدمت من قبل الحكومة الامريكية، وخاصة امام مجلس الامن الدولي كانت مفبركة.
واما رسميا :
# يعترف جورج بوش في مذكراته ( قرارات مصيرية ) في مقابلة مع تلفزيون ( ان بي سي ) اذ يقول :
ما فعلناه في العراق كان خطا فادحا … كنت اكثر من اصيب بالصدمة والغضب عندما لم نعثر على الاسلحة.
# جون شيلكوت رئيس لجنة التحقيق البريطانية في حرب العراق، اعلن في تقريره :
ان اجتياح بريطانيا للعراق تم بشكل سابق لاوانه في ٢٠٠٣، وان توني بلير وعد في ٢٠٠٢ الرئيس الامريكي جورج بوش باتباع خطواته ” مهما حصل ” حتى قبل حرب العراق.
في حين اعرب توني بلير بتاريخ ٦ يوليو ٢٠١٦ عن اسفه لما حصل.
# ديفيد كي رئيس فريق التفتيش في العراق يؤكد :
كما تعلمون، وانتم الصحفيون ربما تكونون اول من علم بالامر، لم نعثر على اسلحة فعلية حتى الان …
# اما المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي فقد ذكر في تقريره الذي قدمه لمجلس الامن الدولي ما نصه :
”فتشـنا كـل المباني والمنشآت التي تم تحديدها، من خلال الصور الملتقطة بالساتل، كما تم تعديلـها وتركيبـها خلال السنوات الأربع الماضية، وتمكن مفتشو الوكالة الدولية مـن الوصـول بسـهولة إليـها وتوضيـح طبيعـة الأنشـطة الجاريـة حاليا في هذه المنشآت، ولم نرصد أيـة أنشـطة نوويـة محظـورة خلال عمليات التفتيش هذه”.
2 – الملف الثاني :
اعلان محاربة الارهاب المتمثل بتنظيم القاعدة.
كون تنظيم القاعدة من الفه الى يائه امريكي الصنع وبامتياز، فهذا كالشمس في رابعة النهار.
فلقد ولد من رحم الحرب الباردة التي نشبت بين المعسكرين الشرقي والغربي عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وباختصار، فامريكا هي التي مولت ودربت اعضاء القاعدة ابان حرب الافغان ضد السوفييت.
بل حتى أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ التي استهدفت برجي التجارة الدولية في نيويورك، والتي وجهت فيها الولايات المتحدة بعد ساعات من وقوعها اصابع الاتهام الى تنظيم القاعدة وزعيمها اسامة بن لادن.
حتى هذه، تم تفسيرها مؤخرا بما عرف ب ( نظرية المؤامرة )، حيث ظهرت الاعتقادات بوجود مؤامرة على الشعب الأمريكي من قبل صانعي القرار.
كما ظهرت بعد ذلك عدة تقارير ساهمت في تعزيز نظرية المؤامرة هذه لا يتحملها المقام هنا.
3 – الملف الثالث :
محاربة تنظيم داعش الارهابي.
هذا الملف ليس سوى النسخة المعدلة – ان صح التعبير – لملف تنظيم القاعدة اعلاه، فهو امريكي ايضا ابا عن جد.
وحسبنا في ذلك تصريحات هيلاري كلينتون في كتابها ( خيارات صعبة ).
حيث نسبت صحيفة ( الشاهد ) الكويتية في عددها الصادر يوم الإثنين ٢٣ نوفمبر ٢٠١٥ الى كلينتون قولها :
اعترفت بأن الإدارة الأميركية قامت بتأسيس ما يسمى بتنظم الدولة الإسلامية فى العراق والشام لتقسيم منطقة الشرق الأوسط.
وأضافت هيلاري كلينتون بحسب الصحيفة :
تم الاتفاق على إعلان الدولة الإسلامية يوم ٥ يوليو من عام ٢٠١٣ وكنا ننتظر الإعلان كي نعترف نحن وأوروبا بها فوراً، قائلة لقد زرت ١١٢ دولة فى العالم وتم الاتفاق مع بعض الأصدقاء على الاعتراف بالدولة الإسلامية «داعش» حال إعلانها فوراً وفجأة تحطم كل شىء.
بل ان الرئيس الامريكي الحالي دونالد ترامب اكد حينها صحة مزاعم هيلاري كلنتون اعلاه.
وذلك على حد قول صحيفة ( العربية ) في عددها الصادر الخميس ١١ أغسطس ٢٠١٦، حيث ذكرت بالقلم العريض عنوانا مفاده :
ترامب: أوباما أسس داعش مع كلينتون المحتالة!
ختاما، وبعد الامثلة الثلاثة اعلاه.
هل يبق هنالك مجال لتصديق ببغاوات السياسة بغض عن الدول التي يمثلونها، حينما يرددون الرواية الرسمية للبيت الابيض الداعية الى محاربة تنظيم داعش الارهابي ؟!!….
وهل طالبان والقاعدة وداعش والارهاب و … الا الوجه الاخر للراسمالية التي لا تشم الا رائحة البترول، ولا ترى الا بريق الذهب، ضاربة بالانسان بكل مشاعره واحاسيسه عرض الحائط ؟!!…
يقول المؤرخ والناقد الاجتماعي الامريكي هوارد زين :
كيف يمكن ان تشن حربا على الارهاب، فيما الحرب بحد ذاتها ارهاب ؟!!…