قد نتساءل لماذا تعثرت التجارب الديمقراطية في مجتمعاتنا؟!
ويبدو الجواب الصائب أن الذين يرفعون راياتها ويدّعونها منافقون من الدرجة الأولى!!
فهم لا يؤمنون بها ولا يعرفونها ويُظهرون خِلاف ما يُبطنون , والدليل الذي يؤازر ذلك , أن أفعالهم لا تمت بصلة لأبسط معانيها ومعاييرها.
الديمقراطية سلوك وعمل يومي دؤوب ومصارحة مع النفس والناس , وتمتلك درجة عالية من الشفافية والنزاهة , والقدرة على تحقيق أماني الشعب بأقصى ما يمكن من القدرات والطاقات.
وهي منهاج عمل شامل وكامل , لا يقبل التناقض والتقاطع , وعدم الشعور بالمسؤولية , والتغني بالتبريرات والإسقاطات والمسميات التي تعمي البصر وتذهب البصيرة , وتُدخل المسيرة في أنفاق مظلمة دامية الطباع ومتوحشة التفاعلات.
فمعظم الذين يتحدثون عن الديمقراطية يناقضون أقوالهم بأفعالهم , ويتقنعون بحالات لا تتصف بخصالها , وإنما تعاديها وتنال منها وتمحقها , حتى صار الظلم والإستبداد والفساد وسفك الدماء والتفرقة والطائفية والفئوية من مرتكزات نفاقهم الديمقراطي الجزيل العطاء.
وفي حالة كهذه , من المخجل أن نتحدث عن نظام ديمقراطي , وآليات ديمقراطية في المجتمع , لعدم وجود المؤمنين بها والمعبرين عنها بسلوكهم وتفاعلاتهم اليومية!
وما يجري هو تدمير لها في ميادين الويلات والتخاصمات المروعة , العاصفة بأرجاء المجتمعات التي أرادت الديمقراطية , لكنها سُرقت منها , وإمتطتها قِوى وفئات لا تعرفها , ولا تريدها , بل تنكرها وتحسبها من الممنوعات والمحرمات , لكنها تتقنع بها لتمرير ما عندها من تطلعات سيئة وأهداف أليمة.
فهل يبني الديمقراطية مَن لا يؤمن بها؟
إن أول خطوة للخروج من مأزق النفاق الديمقراطي , هو المصارحة مع النفس والمكاشفة الشجاعة , وتقييم الإرادة الفاعلة في السلوك الحاصل ما بين القوى التي تسمي نفسها سياسية.
فلا يجوز أن تمضي الأمور على هذه الشاكلة المتناقضة المرتبكة المتنافرة , المؤدية إلى تراكم السلبيات وتعقيد المشكلات , لغياب القبول الصريح بالعملية السياسية من جميع الأطراف , الذين يتحدثون بإسم الديمقراطية , وهم لا يؤمنون بها مطلقا , فعقائد إنتماءاتهم الحزبية , ليست بالديمقراطية إطلاقا , فكيف بربك يبني الديمقراطية , من يمثل حزبا يرفضها تماما؟
فهل أدركت الأطراف التي تتغنى بالديمقراطية أكاذيبها وخداعاتها , وما وصلت إليه من مشكلات وخسائر فادحة على جميع المستويات؟!!