23 ديسمبر، 2024 2:16 م

النـقل .. خلف الكواليس – 1

النـقل .. خلف الكواليس – 1

من البديهي أن الإنسان لا يَرى إلا ما أمامه، وما سوى ذلك يحتاج إلى استطلاع عن كثب، فعلى سبيل المثال لو سارَ احدٌ ما في إي طريق لا على التعين، ليس بالإمكان أن يرى ما داخل المباني، حتى يدخلها وأن دخلها لا يتسنى له معرفة بعض الأمور التي تحتاج إلى تقصي عن قرب. كذلك الحال يكون في المؤسسات الحكومية، فحينما يتواجد شخص في دائرة ما هل بوسعه معرفة ما يدور خلف كواليسها؟ الجواب: قطعاً لا، أليكم مثالاً حياً على ذلك، في يوماً مِن الأيام أنقطع بي السبيل وكنتُ ماراً بمنطقة الوزيرية، فتذكرتُ صديقٌ لي، يعمل في المنشاة العامة لنقل الرُكاب، عفواً الشركة العامة لنقل المُسافرين والوفود، وهي إحدى المؤسسات التابعة لوزارة النقل العراقية(الموقرة)،، وعِندَ وصولي لها فوجئت بِمنظر استِعلاماتُها(الرث والهزيل) فسُرعان ما تَذكرتُ أيامَ الحِصارِ الاقتصادي المشؤم! عندها أخذتني ألتصورات إلى ما حال موظفيها أذا كانت صالة الاستقبال الرئيسية عندهم بهذا الشكل، على أيةِ حال بعدَ السين والجيم تم إدخالي، وبمجرد ما أن وقعَ نَظَرِي على أبو حسين نَسِيتُ كل همومي وآلامي، على مقولة “إلي يشوف بلوى الناس تهون عليه بلوته” هذا لأنـه قد تغَيرَ كثيراً عن السابق بحيث أصبحَ يَكبُر أقرانهُ لعشرِ سَنوات أو أكثر وكأنه عائدٌ مِنَ الأسرِ! وبعدَ ما عِانقٌته طويلاً، أخذتُ استطلع أخباره، فأنهلتُ عليه بأسئلتي: كيفَ صحتُكَ، كيفَ عائِلَتُكَ، كيفَ سَكَنُكَ، كيفَ حالتُكَ المعيشة..الخ- فقال مبتسماً: الحَمدُ لله على كلِ حال، صحة(ماكو)، والعائلة(تعبانة مثلي)، والسَكنْ أيِجار في نصِف قُطعة خلفية، أما المعيشة كما ترى أحياء ولكِنْ أموات مِن الداخِلْ! عِندَ ذلِكَ تَلَهَفتُ لِمعرِفةِ مِقدارَ راتبهِ ولما أخبَرَني لمْ أُصْدِقَهُ( كَذَبتَهُ)، وهو وزمَلائهُ أبدوا لي العُذر، بِقولِهم ليسَ أنتَ وحدُكَ مَنْ لمْ يُصَدِقَنا وإنما كلِ مَن يُحيطُ بِنا، وعندما أحضَرَ لي شَريط الراتب ذُهِلتُ، خُصُوصاً أنه مُتَزَوج ولهُ أطفال ولديه تحصيل دراسي جيد وخدمة طويلة، باختصار أن نظرائهُ يتقاضون خَمسْ إلى سِتْ إضعاف راتبه في دوائر أخرى(في داخل العراق طبعاً)، هذا وناهِيكم عَن المخصصات والأرباح السنوية التي تَصِل إلى عِدةِ مَلاين لِبَعض الدوائر لكل موظف، فظلاً عن الأيفادات والمكافئات، (ألف عافية قلباً ولساناً). عِندها قلتُ له أنكم تمتلكون أكبر أسطول نقل على مستوى الشرق الأوسط، حتى صرتم تُنافِسون النقل الخاص بكافة قطاعاته، وقاطعين أرزاقهم، فأينَ يذهبْ نِتاج حَصادُكم يا تُرى! عِنْدَها ضَحِكَ كثيراً، فقُلتُ: ما يضحكك هلْ قَصصتُ لك نُكته، قال: لا، ولكن كلامك صحيح وغير صحيح في نفس الوقت، قلت له كيف، قال: من ناحية العَملْ والمردودات المادية للشركة جيدة جداً بل ممتازة، وعلى قَدَر مُزاحَمتِنا للنقل(الأهلي) صِرنا عرضة للخَطر وهناك عدة حوادث بهذا الخصوص، ولكننا لا نَحصل على شيء من هذه الأموال قط، فقلت: له عَجيب! وأين تذهب تلك الإيرادات، فقال: لي هذه قصة طويلة وأليمة في نفس الوقت، وتحتاج إلى جلسة طويلة أيضاً، ما رأيُك أن تستضيفني في فلتي الخلفية، حتى لا يسمعنا أحد، قلت لهُ حسناً سوفَ ائتي ولكن برفقة قرائي