18 نوفمبر، 2024 5:23 ص
Search
Close this search box.

النظرية التربوية الكانطية والتأسيس البيداغوجي

النظرية التربوية الكانطية والتأسيس البيداغوجي

استهلال:
“إن مشروع نظرية في التربية لهو مثل أعلى سام لا يملك أن يكون ضارا ولو أننا غير قادرين على تحقيقه”1[1]
لا ندري إن كان عمونيال كانط قد ترك لنا فلسفة متكاملة في التربية أم لا، فهو قد ناضل في عصر التنوير من أجل ترك الاجترار وعزف عن الموروث والتقاليد وتشجع على استعمال العقل والتوجه نحو التفكير والنقد والحرية. لكن ما نعلمه أنه ألف عام1803 حول هذا الموضوع كتيب معنون “مقالة في البيداغوجيا” ولقد تضمن جملة من التأملات حول التربية والتدريس وبالتالي افترض وجود نظرية تعلمية عقلانية.

لقد قدم الكتيب في شكل محاضرة في جامعة königsberg وحاول فيه معالجة الأسئلة البيداغوجية التي طرحت في الأوساط التعليمية وأثبت فيه فيلسوف التنوير القدرة على التدخل النقدي في مختلف المجالات المعرفية ولكن بعض الشرّاح وبالخصوص ألكسيس فليلونكو قد أعادوا الاعتبار إلى هذه المحاضرة وقاموا بربط  “مقالة عن البيداغوجيا” بفكرته عن التاريخ الكوني وتوقه إلى السلم الدائم وبحثه عن قيام “الأنثربولوجيا من وجهة نظر براغماتية” وعنايته بالعلاقة المعقدة بين الغائية الطبيعية والغائية الأخلاقية.

من المعلوم أن التربية ميزة إنسانية وأن الكائن البشري لا يحقق إنسانيته إلا بالتربية وأن الطبيعة البشرية تنمى بالتربية السليمة ولذلك يجب التمييز بين تربية سيئة ومربين سيئين وتربية جيدة ومربين جيدين. وبالتالي لا تقوم التربية بصناعة إنسان على نحو تام وإنما تكتفي بتنمية صفات معينة واستعدادات طبيعية. كما ترتبط التربية بالتقدم وتدفع الإنسان في السير في طريق الاكتمال وتخطي مواطن نقصه وتناهيه والتغلب على تناقضاته وتمزقه التكويني بين انتمائه إلى نظام الأشياء الطبيعية واندراجه ضمن نظام الكائنات العاقلة. وبالتالي فإن التربية السليمة تمنح الإنسان شكلا جديرا بالإنسانية وتخلصه من التوحش والهمجية والتربية المبنية على التعسف والإكراه تعيده إلى المنزلة الحيوانية وتقوي رغبة التملك ودرجة الأنانية والعدوانية. لهذا السبب يجب أن نرفض وجود فكرة صحيحة ومعروفة عن التربية المثالية وأن ندفع التفكير الفلسفي في اتجاه وضع أسس وقواعد لتربية تتناسب مع مؤهلات الطبيعة البشرية وتتماشى مع تحولات العصر. فماذا يعني كانط بالتربية؟ وهل تربية البشر بالأمر اليسير أم أنها من أعسر المهام التي يجب على الدولة القيام بها ؟ ماذا تضيف التربية إلى الطبيعة؟ ما الفرق بين تربية موجهة نحو انفعالات الجسم وتلك التي تعتني بملكات العقل؟ وما علاقة التربية بالثقافة والتنوير؟ وبأي معنى تمثل الأخلاق ميدان التربية العملية؟ ألا يوجد تناقض بين التعويل على الذات من أجل تفعيل التنوير والحاجة إلى الآخر في العملية التربوية ؟ وماهو دور الانضباط في التربية ؟ وهل يربي كل جيل نفسه بنفسه أم يعول على جهود الأجيال السابقة؟ ما السبيل إلى الجمع بين امتثال المرء قسرا للقوانين وبين القدرة على استعمال حريته؟ وكيف يستطيع الإنسان استهداف الحرية في ظل الإكراه؟ ولماذا يفضل المرء التربية الخاصة القاصرة على التربية العمومية النافعة ؟ ومن أين نبدأ في التربية؟ هل ننطلق من الصفر أي من حالة طبيعية تتصف بالتوحش والهمجية وسيطرة الغرائز والأهواء أم نبدأ من حالة مثقفة سلفا ونكمل مكتسبات التربية الأسرية؟  كم من وقت ينبغي أن تدوم التربية في حياة الإنسان؟ وماهي القواعد التي يجب إتباعها في الميدان التربوي ؟ وكيف تشجع الثقافة المدرسية على الأشغال الجدية والأعمال الشاقة؟ وهل تتعارض ممارسة الألعاب مع تلقي العلوم واكتساب المهارات؟ وأي فلسفة للتربية نأمل في المستقبل؟

  إذا كانت نظرية التربية الراهنة تجعل الناس يتصرفون وفق مبادئ متماثلة ولا تمكنهم من بلوغ المرتبة الإنسانية وتحقيق الغاية من وجودهم بشكل تام فإن المطلوب من الجيل الحالي التخطيط لتربية متوافقة مع مطلب الحرية والاختلاف وتمكين الأجيال المقبلة من بيداغوجيا التعلم الذاتي والاستفادة من التعاليم الموروثة بالتدرج.

1-    التربية من التوحش إلى الانضباط:

” التربية العمومية الكاملة تجمع بين شيئين: التعليم والثقافة الأخلاقية. وغايتها بالخصوص تحقيق تربية سليمة”2[2]

لا يتحدد تطور الإنسان حسب كانط بشكل قبلي عن طريق الغريزة بل ماهو هام بالنسبة للإنسان هو أن يأخذ الارتقاء بنفسه مأخذ الجد ويوجه مشروعه الخاص بالتطور من خلال فكرة محددة ينتجها بنفسه 3 [3]. من هذا المنطلق تتمثل الأطروحة التي يدافع عليها كانط في كون التربية éducation تعمل على تطوير البذور الإنسانية الحاضرة بشكل جنيني في الطبيعة العضوية ونحت طبيعة ثانية تتميز بالتحضر والثقافة والأخلاق وتنقل الكائن البشري من حال الواقعة إلى حال الحق بتعلقه بالفكرة ودفع المثال نحو الاكتمال عبر خوض غمار التجربة. لهذا تقوم التربية بتجسيد القيمة والفكرة في الحياة اليومية وتمكن المرء من المرور من الوضع الحيواني إلى وضع جديد مازال لم يتشكل بعد ولكنه يجب أن يكون على نحو أفضل. وبالتالي يشكل فعل التربية واجب الوجود عند الإنسان ويتأسس على بيداغوجيا تستكمل ما ينبغي أن يكون بالنسبة إليه وتدفع بصيرورته بالفعل إنسانا وبصورة حقيقية. والحق أن الإنسان يأتي إلى العالم وهو في حالة خام وبعبارة أخرى على الفطرة وتنقصه مباشرة القدرة على أن يحدد فيما بعد بنفسه مسار سلوكه ولهذا السبب يعتمد على غيره ويقوم آخرون بمساعدته في القيام بفعله. إذا كان الحيوان يتحرك منذ الوهلة الأولى وفق توجيهات الغريزة فإن الإنسان على خلاف ذلك يجب عليه أن يطور الإنسانية التي ينتمي إليها وأن يقوم بتربية نفسه بشكل متدرج بما أن الإنسانية تتقدم بصورة ثابتة. فقد لا تحتاج الحيوانات إلى الرعاية، فالغريزة تتكفل بتوفير الغذاء والحماية والنمو والتكاثر بينما يحتاج الكائن البشري إلى التوجيه نحو استعمال عقله الخاص قصد اتخاذ الاحتياطات اللازمة لكي يتفادى الإضرار بنوعه ولكي يستعمل قواه في جلب ما ينفعه مثل التغذية والدفء والنمو وبالتالي يكون “الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يجب تربيته”4[4]، وتنقسم التربية إلى أفعال الرعاية بتوفير الحاجيات والتعهد بالحماية والأمن وفرض الانضباط La discipline بالتأديب والنهي وأفعال التعليم l’instruction  المفضية إلى التكوين.  لقد أكد كانط على أن أهمية الانضباط، بوصفه إتباع نظام معين، ونظر إليه على  أنه هو الذي يحول الكائن البشري من مرتبة الحيوانية إلى مرتبة الإنسانية ومن وضع التوحش والهمجية إلى وضع التمدن والتحضر.

غني عن البيان أن كانط يفرق بصورة منهجية بين تربية الجسم بالرعاية وتربية الروح بالثقافة وبين التربية النظرية بماهي ممارسة التفكير وحب الحكمة وطلب العلم والبحث عن الحقيقة والتربية العملية بماهي الالتزام بالواجب وطلب الحرية واحترام الإنسانية، ويعبر بذلك عن نظريته الفلسفية في التربية.

يوافق كانط تصورات جون جاك روسو بشأن حالة الطبيعة الخيرة وحالة الحضارة الفاسدة ويرى بأن الإنسان كان طيبا ويستمد من ذاته كل الصفات الطبيعية الإنسانية ولكن فيما بعد أفسدته الثقافة وصار متوحشا ووقع في الهمجية وألقى بحياته في المخاطر دون روية وذلك بسبب المادية والتفاوت والتملك.

على هذا الأساس يضع كانط الانضباط مكان التوحش لكي يعمل على تجريد الإنسان من حيوانيته ويثقفه ويقترح أن يستلهم المرء حالة بشرية خالية من المفاسد وأن يعمل الجيل الحالي على تربية الجيل اللاحق.

 إذا كان حياة التوحش تتبع النزوات والعيش بلا قوانين ودون ضوابط والاعتداء على القوانين والتخلص منها والبحث عن الاستقلالية بكل الطرق فإن الانضباط هو التخلي عن الحرية الطبيعية واحترام القوانين وإشعار الناس بأهميتها وذلك برسم الحدود والمطالبة بالامتثال والهدوء والتشجيع على التعلم والتمدرس.

بناء على ذلك يحتاج المرء إلى رعاية وتكوين ويشتمل التكوين على الانضباط والتعليم ويجري التعليم في المدرسة ويقتضي إجراء التجارب وتنمية الذكاء باستخدام العقل والتوجه إلى التفكير بالاعتماد على الذات.

من هذا المنطلق يقوم الانضباط بدور مركزي في العملية التربوية عندما يمنع المرء من العودة إلى الحالة الحيوانية ومن إتباع الغرائز والنوازع ويسلحه بالقدرة على الحكم والتمييز بين النافع والضار واختيار النافع ويحرص على دفع الكائن البشري نحو تحقيق غايات وجوده وتغيير نمط حياته وتعويده على طرق التواصل الحديثة ومجابهة معترك الحياة الاجتماعية بكل قواه وتهيئته للمشاركة في ممارسة شؤون الحكم.

2-    التربية بين المعرفة والحرية:

” فالتربية السليمة هي تحديدا الينبوع الذي ينبثق عنه كل خير في هذا العالم، فالبذور، التي تكمن في الإنسان، ينبغي أن تنمى دائما أكثر فأكثر…”5[5]

من البديهي أن يكون للكائن البشري ميل طبيعي إلى الحرية وأن ينفر من التقييد ويهرب من الانضباط ولكن لا يحتفظ بذاته ويحرز إنسانيته إلا بالتصرف وفق مشيئة العقل والتعود منذ وقت مبكر على القانون.

يحصل الإنسان حسب كانط على الحرية عن طريق المعرفة التي تحصل له من خلال تجاربه اليومية ويتوصل إلى معرفة موضوعية بالعالم بعد تفسير الأشياء كما تظهر له وكما يتمكن من التفكير فيها بعقله.

من المعلوم أن كانط ميز بين معرفة الظواهر والتفكير في الجواهر وبين المفهوم أو التصور والفكرة وبين أن المفاهيم تمنح المعنى إلى الظواهر وتقوم بتنظيمها بينما توجه الأفكار المفاهيم وتوحد بين المقولات. وبالتالي تشكل نظرية المعرفة هرما يتكون من رافدين هما الكلي وما يتم اختباره ويعمل الفكر على توحيد الشتات على طول تمشياته ويمثل الكلي والأساسي والمتعالي شروط إمكان التجربة ولكن ليست التجربة بالمعنى المتداول بل تلك التي تتشكل فيها الأشياء المقترحة من قبل نشاط الفكر ويعمل على إثرائها والنفاذ إلى الحقيقة. بهذا المعنى ترتبط المعرفة الإنسانية بتجارب الإنسان في العالم وبانتباه التفكير إلى الأشياء.

الأشياء لا تكذب ولذلك فهي تساهم في تشكيل الكائنات بما في ذلك البشر ولا يمكن إدراك الأشياء إلا ببذل جهد معرفي والاحتكام إلى التجربة ودون ذلك يغطس الذهن في الليل ويظل يتخبط وسط عماء الأشياء. على هذا الأساس تأتي التجربة قصد التنظيم والتوحيد ويقوم الفكر بمهمة الإنارة والكشف والتأييد والنقد وبالتالي تتحول التجربة إلى حياة الفكر ويقظته وحدوثه وتمثل الإطار المناسب من أجل أن يثبت ذاته ويتصل بالعالم ويلاحظ عناصر الطبيعة ويدرك العلاقات بين الأشياء ويتحكم في الظواهر ويسيطر عليها.

علاوة على ذلك يقوم الفكر بدور آخر وهو ضبط المعايير وتشريع القيم والتطابق مع بنى المعرفة واحترام القوانين التي يضعها بنفسه في الأشياء ويحرص على إيجاد التوازن بين الرغبة والمقدرة على إشباعها. كما أنه يجعل من إثبات الحق كيفية لامتلاك الذات ومن بحث الذات عن الحقيقية أسلوب الوضع البشري.

تسمح لنا المعرفة الحقيقية التي تلتزم بالمواضيع بالتخلص من ذاتيتنا وتتدخل في علاقتنا مع ذواتنا وتطور تمثلنا للعالم من جهة واقعية من ناحية وتستخلص الواقع من فكرتنا عنه من جهة مثالية من ناحية أخرى. لا يمكن للمرء أن ينتشل ذاتها من عالم الأشياء إلا إذا اتخذ مسافة نقدية منها وعاد إلى نفسها عن طريق التفكير وسعى إلى امتلاك الحقيقة العلمية ولا يمكن للمعرفة الحقيقية أن تحوز على قيمة روحية إلا إذا تحررت الذات من فرديتها وأشبعت التعطش إلى المعرفة وبنيت تصورا موضوعيا للكون وبلغت الكونية.

لكن لا يمكن اعتبار فهم الإنسان للأشياء معرفة مكتسبة وموضوعية وتواصلية إلا إذا تحققت الذات من حريتها وترجمة تجربتها الروحية في إدراك العالم عن طريق تربية للغرائز والأهواء والعمل بالحقيقة.

والحق أن التربية تقوم بتحديد ما ينبغي القيام به من سلوكيات وأفعال وتضع على ذمة الإنسان ما يختزنه من ذكاء وإرادة وتفكير من أجل استثمار هذا النور المتأتي من انفتاح الذهن في الذهاب نحو حدوث الخير. وبالتالي يجب أن تكون حركات البشر منبثقة من القيم وموجهة بالأفكار ومسددة بالمثل حتى تتمكن من التغلب على العوائق التي تعترضها وحتى تقتدر على دفع الثمن المناسب للحصول على الحرية الإنسانية.

من بين العراقيل التي تمنع وجود تنشئة سليمة وتربية متوازنة يذكر كانط حرص الأولياء على نجاح أبنائهم في الحياة وتكيفهم مع الواقع وتغلبهم على التحديات الاجتماعية من جهة ولكن من جهة المقابلة تسعى الدولة بكل الطرق إلى ترويضهم وتمدينهم وتحويلهم إلى مجرد رعايا وتجعلهم أدوات لأغراضها.

إضافة إلى اعتقاد في إمكانية الانطلاق من حالة خالية من الثقافة وإخضاع الأطفال إلى التجريب واختبار الخيارات التربوية دون تخطيط ويأملون في ووصولهم بسرعة إلى وضعية فاضلة وبلوغهم نموذج مثالي والحال أنه يجب الانطلاق من حال مثقفة سلفا ودراسة البيداغوجيا كعلم والتعامل معه كمجهود متماسك.

لقد ارتبطت بداية التربية في التاريخ ببداية الكتابة والقراءة والثقافة وقامت على أساس النظر والتفكير وتحولت التربية السليمة إلى مصدر الخير والمنفعة والسعادة والتوجه الكوني بالنسبة إلى البشرية جمعاء. ولكنها لا تقتصر على ممارسة التفكير المجرد ولا تكتفي بالوعظ والإرشاد والتلقين بل تحرص على التعليم وفق مبادئ وتسعى إلى فرض الانضباط والى جعل الإنسان مثقفا ومتصفا بالحيطة والحذر ومندمجا مع المجتمع وأن يكون له تأثير فيه ومتخلقا ومؤهلا للعديد من الغايات الحسنة والأهداف النبيلة.

لقد نبّه كانط على أن الترويض هو شرط ضروري للتربية ولكنه غير كاف إذا يجب أن يعقبه التدرب على التفكير من أجل تحصيل التنوير وتدريب المرء على الخروج من وضعية القصور والوصاية وتحمل مسؤولية نفسه والاعتناء بتربية نفسه بشكل خصوصي وممارسة الفضيلة لذاتها وليس لأغراض خارجية.

هكذا يدعو كانط إلى الجمع بين التنظير والتجريب في إعداد الأطفال وتنشئتهم بشكل سليم فنحن في حاجة إلى استعمال العقل وإجراء تجارب من أجل ضبط البرامج وتجويد المنهج وإعطاء المعلم الحرية اللازمة.

3-    التعلم بين الجدية واللعب:

” المنهج الخصوصي للتدريس في الفلسفة هو  تساؤلي zététique أي هو منهج البحث”6[6]

لقد أعلن كانط عن برنامج هذه الدروس في (1765-1766) وتناول فيها مسألة البيداغوجيا الفلسفية وخصوصية تعلم الفلسفة بالمقارنة مع الاختصاصات العلمية الأخرى على غرار الرياضيات والفيزياء.

 لا يمكن الاهتمام بالفلسفة إلا في مرحلة الكهولة وتمتع الكائن البشري بالرصانة الفكرية والحكمة اللازمة وحينما ينشغل الشباب والأطفال بهذا القطاع المعرفي فإن العديد من المشاكل تطرأ وتواجههم الكثير من العراقيل والصعوبات وخاصة التعود على ملء أدراج الذاكرة والحشو والحفظ والتكرار والتعليم البنكي.

من المتعارف عليه أن الفلسفة مادة صعبة وتكتب بلغة معقدة وتعتمد على أفكار ثاقبة ونظريات مجردة ولذلك اقترح كانط اعتماد بيداغوجيا واضحة المعالم للانتقال من المعقد إلى الواضح ومن المركب إلى البسيط وللتدرج في المعرفة وفي التعلم ومخاطبة الناس على قدر عقولهم وقدرتهم على الفهم والاستيعاب.

لقد تعود الطالب على تلقي المعلومات وتدوينها وتخزينها وحفظها وإرجاعها عند اختباره أثناء الامتحان أحيانا دون أن يفهمها ويستوعبها ودون أن يقارنها ويميزها عن المعارف السابقة ودون تبين الجدة فيها. وهذا الأمر قد يجري بصورة معتادة مع العلوم الصحيحة والتاريخية وخاصة الرياضيات والفيزياء ولكن الأمر يختلف مع الفلسفة التي تستوجب التسلح بالمنهج وإتباع طريقة والتفتيش عن العلم وتواصل البحث.

يعتقد الطالب أن تعلم الفلسفة في المتناول وأنه يصبح فيلسوفا بمجرد مطالعاته أمهات الكتب الفلسفية والدراسة المستفيضة للآثار والسير والحكم والنظريات والأفكار والمواقف والعبر التي تركها الفلاسفة لكن هذه العملية مستحلية لأن المرء لا يتعلم الفلسفة بل يتعلم التفلسف أي يخوض تجربة التفكير الفلسفي.

كما تعلم الفلسفة يقتضي وجود فلسفة واحدة في الوسط العلمي للمتعلم وأن يكون هذا الاختصاص قد اكتمل واستقر ولكن من المعلوم أن الفلسفة تعيش جدلية الهدم والبناء وتتطور بصورة مستمرة وأن ما يوجد هو مجرد فلسفات تتطاحن فيما بينها وتزعم كل واحدة امتلاك الحقيقة وبدل التسلح بالنقد انتصرت الميتافيزيقا. لهذا يتعلم المرء تطبيق المنهج والإمساك بالواقع وفهم التجارب ووصف الطبيعة وقراءة الأحداث وتحليل الخطاب وبناء الموقف المناسب وتوسيع الرؤية وتصويب النظر والتمعن في التفسير والتثبت من المحكي.

إذا كانت العلوم تقدم معارف يقينية وتحظى بثقة الجمهور وتتحول إلى مدار التطبيق والصناعة التقنية فإن الفلسفة تطرح أسئلة جدية وتثير مشاكل حقيقية وتربك التصورات البديهية لدى الجمهور وتغزو الممارسة.

بناء على ذلك توجد علاقة وثيقة بين الفلسفة باعتبارها فن التفكير وفن التربية وفن سياسة البشر وترفض فلسفة التربية أن العمل الآلي الذي يفضل التعلم من التجربة وتدعو إلى تحويل الآلية إلى علم دقيق وتعد مخططات في الغرض وتتعالى عن تكوين البشر للتكيف مع الوضع الراهن وتمكنهم من تربية مثالية في عالم أفضل تنبثق من الماضي وتتجه نحو المستقبل وتقاوم رداءة المجتمع وبؤس المناخ السياسي السائد.

في الواقع” إننا نعيش عصرا يتميز بالانضباط والثقافة والحضارة، ولكننا لا نعيش عصرا يتسم بالتنشئة الأخلاقية. ويمكننا القول في حالة الإنسان الراهنة إن سعادة الدول تزداد في نفس الوقت الذي يزداد فيه بؤس البشر”7[7]. فهل يمكن أن يكون الامتثال للتعاليم والقدرة على المحاكاة للنماذج الجاهزة هي من الأمور الايجابية في بناء نظرية تربوية متوازنة ؟ وما العلاقة بين التربية المدرسية والتربية الأسرية؟

من المتعارف عليه أن البيداغوجيا هي علم التربية منقسمة إلى تربية جسمية وتربية عملية لكن إذا كانت التربية الجسمية يشترك فيها الإنسان والحيوان وتهدف إلى إكساب حسن التصرف وتعرف تربية الجسم وتربية العقل والثقافة المادية فإن التربية العملية تركز على قيمة الحرية والقيم الأخلاقية وتنقسم إلى الثقافة المدرسية (الآلية والتعلمية المتعلقة بالمهارة) والثقافة البراغماتية ( المتعلقة بالحيطة) والثقافة الأخلاقية (المتعلقة الخلقية)8[8]. كما يبدو أن من مهام من يباشر التربية البدنية بوصفه بيداغوجيا أو مربيا أن يهتم بتوجيه الأطفال نحو العناية بأجسامهم ورعايتها من جهة التغذية والنظافة والرياضة والتمرن والفنون والاسترخاء واللعب واكتساب العادات واستعمال الأدوات واستخدام أعضاء الحواس بطريقة إرادية والتمتع بالقوة والسرعة والوثوق وتقوية صبرهم بالمران وجعلهم ينتظرون طويلا شيئا ثمينا وعدم احباطهم وعدم تصييرهم خجولين .

من المعلوم أن التربية العقلية تركز على ثقافة النفس وثقافة الجسم على السواء وتتنزل ضمن ثقافة الذهن المادية وتتعلق بالطبيعة بينما تتعلق الثقافة الأخلاقية بالحرية وتسن قوانين مغايرة تماما لتنمية الطبيعة. وتحرص على تجنب الفساد وبالرغم من ذلك يحدث أن يكون مطلعا على المعارف والعلوم  ومثقفا من الناحية المادية ومع ذلك يتمتع بالحرية ويأتي أفعالا مشينة ويكون شريرا وسيء الثقافة من الناحية الخلقية. كما يجب تفادي ملء أوقات الفراغ بشغل النفس باللعب والعمل على توظيف حاجة الأطفال إلى اللعب في تجربة التعلم قصد تخفيف القلق ودون السقوط في اللهو وما يترتب عنه من استخفاف وانحلال وميوعة. ويمكن أن يصلح اشتمال التربية على التأديب من أجل الابتعاد عن العادات القبيحة والانحرافات دون الوقوع في الاستعباد ودون فقدان المتعلم للفضول وحب الاستطلاع والشغف بالمعرفة ومتعة الاكتشاف.

يدعو كانط إلى التعامل الجدي مع الحياة المدرسية وإشعار المتعلمين بكونهم يعملون دون أكراه أو قسر ويسعون بواسطة التربية إلى تحقيق الهدف الذين ينشدونه في حياتهم وأن حبهم للعمل ليس ميلا بل واجب.

تعمل الثقافة الحرة على تنمية قوى النفس وممارسة الملكات الذهنية بكل اقتدار في الحكم على الأشياء وخاصة تنمية القوى الدنيا مثل الحواس والمتخيلة والذاكرة من أجل تنمية القوى العليا مثل الذهن والعقل. يدعو كانط إلى تشغيل الحواس بانتباه والى امتلاك ذاكرة قوية دون تحويل الحفظ إلى مجرد تمرين والى توسيع فضاء الخيال وتسلح ملكة الحكم بالذكاء وفرز الصالح من التجارب. ” فالفاهمة هي معرفة الكلي . وملكة الحكم هي تطبيق الكلي على الجزئي والعقل هو القوة التي تسمح بادراك علاقة الكلي بالجزئي.”9[9]

يقدم كانط برنامج عمل بالنسبة إلى المربين يبدأ بتعلم اللغات الحية عن طريق حفظ الكلمات وسماع القصص وقراءة المكتوب بالربط بين المعرفة والقدرة على الكلام والانتقال إلى حفظ معلومات عن الجغرافيا والتاريخ لتكوين الثقة في النفس وتمثل الظروف والمتغيرات والارتقاء إلى تعلم الرياضيات بغية إجراء التمييز بين الظن والاعتقاد وبين الحس المرهف والذوق الصائب وبين القواعد وطرق استعمالها.

إن الغايات البيداغوجية من التعليم ليس تحقيق المتعلمين السعادة والمنفعة في حياتهم وإنما يشرعوا في اصلاح أنفسهم وتهذيب ذواتهم ليكونوا عقلاء ومواطنين صالحين ضمن دولة مزدهرة ومجتمع متكافل.

كما يؤكد على المضمون النقدي العقلاني لنظريته التربوية وعلى الجانب الوطني للبرامج من الزاوية السياسية والاجتماعية ويشترط الاستقلالية عن كل كنيسة ويدمج التعليم الديني ضمن مسار التعليم المدني.

” إننا ندلل الأطفال عندما نفعل كل ما يريدون، ونربيهم تربية مغلوطة تماما حينما نسارع تحديدا إلى الاستجابة لنزواتهم وأمانيهم… ولكن هذا التسامح هو مصدر ضرر كبير طوال حياتهم.”10[10] لكن إذا كان يحسب لكانط رفضه تعويد الطفل على كل شيء ومنحه كل شيء ودعوته إلى التدرج وتعود على الصبر فإنه يلام كثيرا حينما اعتبر أطفال العوام سيئي التربية وفاسدي الطباع ودعا إلى عزلهم عن أطفال الأشخاص الشرفاء جيدي التربية. كما يعتبر المنهج الآلي في التعليم الديني صالحا في حفظ العديد من العلوم ويتخذ المنهج السقراطي قاعدة في دراسة الدين11[11] ويدعو إلى ترشيد حضور التعاليم الدينية في التعليم المدني وينصح بضرورة تعليم الأطفال بعض المفاهيم عن الكائن الأسمى وتنمية الإحساس بالاحترام تجاه الله بماهو مصدر الحماية والنظام والحياة والرعاية. بناء على ذلك ” من الأكيد أنه لو صادف أن أطفالا لم يشهدوا أبدا إجلالا للكائن الأسمى، ولم يسمعوا أبدا حتى اسم الإله، لكان مما يتفق عندئذ ونظام الأشياء لفت انتبهاهم إلى الغايات والى اهو جدير بالإنسان، وتدريب ملكة الحكم لديهم، وإحاطتهم علما بنظام صنع الطبيعة وجمالها، ثم تمكينهم من معرفة أشد اتساعا بنظام العالم، وأخيرا مكاشفتهم على هذا الأساس بمفهوم كائن أسمى مشرع”12[12]. فهل يعني هذا أن العامل الثقافي هو المحدد في نظريته التربوية ؟
خاتمة:
” لابد لفن التربية، أو البيداغوجيا، من أن يصبح قائما على النظر والتفكير (أو الروية)، إذا ما أراد تنمية الطبيعة الإنسانية بحيث تبلغ غايتها”13[13]
من المفيد أيضا التأكيد على أن التربية والتعليم والتدريس والتهذيب هي من الأمور الصعبة والشاقة يطلبها المرء طوال حياته دون أن يدركها لوجود عوائق  كثيرة وموانع خارجية قاهرة ولذلك يجب التعامل معها كفن عزيز ولا ينبغي أن يستأثر به فرد دون غيره وإنما يقع انجازه وتستكمل ممارسته عبر أجيال كثيرة.
إن التفكير في التجربة التربوية هو مغامرة نبيلة ومشاركة في تجربة خطيرة وتقتضي التخلي عن الأنانية والخروج عن التفكير في الذات والإحساس بالآخر ومد يد العون إلى البشر الذين يحتاجون إلى المساعدة.
فالكائن البشري ليس كائنا أخلاقيا بالطبع بل يحتوي على الدوافع والغرائز والميولات المؤدية به إلى القيام بالرذائل وقد يصبح فاضلا ويحقق سعادته حينما يرفعه عقله إلى احترام الواجب والقانون ويمنحه القدرة على التغلب على تناهيه وانفعالاته والاختيار بين الخير والشر وإتباع الأحسن والابتعاد عن المضرة.  غير أن أكثر الرذائل التي يقع فيها الإنسان قد تكون متأتية من حالة الثقافة وخاصة العنف والحرب واللؤم ولهذا السبب يحتاج إلى التربية كمصدر الأخلاقية لكي يخرج من هذه الحالة المزرية نحو وضع مدني.
يجب التمييز بين التربية الآلية التي تقتصر على الإملاء وحشو الأدمغة وتحتوي على الكثير من النقائص والأخطاء والتربية المتوازنة والسليمة التي تنمي الاستعدادات إلى فعل الخير وتنشر الثقافة والأنوار في المجتمع. كما يتطور فن التربية بالتدرج ويصبح جهدا متماسكا ويساعد النوع البشري بأكمله على تنمية استعداداته وبلوغ غايته ومقاصده وتحصيل سعادته وفق التخطيط المبدئي الذي تتشكل منه طبيعتهم.
تتفوق التربية العمومية على التربية الخاصة من عدة مناحي لعل أهمها: الدولة تتعامل مع فن التربية كمؤسسة عمومية تشجع على الاختلاط وتحرص على ولادة مواطنين أحرار في مجتمع عادل وتكون أسر متوازنة وسليمة وتتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية للجيل الصاعد والنفقات المالية لهذا التعليم العمومي النافع بينما التعليم الخاص هو مواصلة لجهود الأولياء في تربية أطفالهم ويدخل ضمن نظام الأجرة ويعيد إنتاج السائد ويعاني من نقص في التأطير والتكوين والقدرة والكفاءة ويتعارض أحيانا مع الذوق العام ويؤدي إلى ظهور عيوب في العائلة وأضرار في المجتمع وميوعة ومتاجرة بالعلم والمعرفة. على هذا المنحى ” تتوفر التربية العمومية على مزاياها الأكثر بروزا: ففيها يتعلم المرء أن يختبر قواه، كما يتعلم التحديد الناتج عن حق الغير. ولا يتمتع فيها بأي امتياز لأنه يلقى فيها مقاومة حيثما كان، ولا يصبح ذا حظوة إلا بحسب جدارته. فالتربية العمومية تعطي أفضل نموذج للمواطن في المستقبل”14[14].     في هذا السياق يبدو أن كل إنسان ملزم بأن يربي نفسه بصورة مستمرة وأن يساعد غيره على تربية طبعه ولذلك بأن يبقي على الحرية الطبيعية للأطفال وأن ينمي لديهم طاقة اللعب ويدربهم على احترام غيرهم والتعاون معهم وينتقل في مرحلة الرشد إلى مستوى رعاية الآخرين والاعتناء بإعالة ذاته والأنفس العليلة.
كما يركز كانط على الثقافة المدرسية أو التعليم والتكوين المدرسي لأنه يرى فيهما أفضل الطرق لاكتساب المهارة والحيطة وبلوغ الرشد والنضج وذلك بمعرفة اختيار الوسائل وتحديد الأهداف والوعي بالمقاصد.
في نهاية المطاف تتضمن التربية العملية على المهارة والحيطة والخلقية، فإذا كانت المهارة تتجسد في انجاز المعرفة بجدية وتصبح عادة في التفكير مترسّخة في الطبع البشري وتفسح المجال أمام الموهبة وإذا كانت الحيطة تقوم على ما يكتسبه المرء من معرفة استعمال لمهاراته ومواهبه قصد بلوغ غاياته الخاصة فإن الخلقية ترتبط بالفضائل وتنشد التبصر والاعتدال والتعاطف والتقدير والاحترام والوفاء والطاعة والحزم في القرار والتعود على التحمل والزهد في الملذات والتشجع في الاستغناء عن الممنوع والسيطرة على الميولات والتسلح بالرفض والمقاومة للرذائل والانتصار لكرامة الإنسان والتحلي بالنزاهة والترقي وأداء الواجب تجاه الذات والغير. بهذا المعنى يتوجب على المربي تنمية المشاعر الإنسانية تجاه الذات والآخرين الذين نشأ معهم والاهتمام بالخير الكلي لأنفسهم ولأوطانهم وتقدير قيمة الحياة وما توفره من متع ومحاسبة النفس وعدم الخوف من الموت والإقبال على التصور الأخروي بكثير من الأمل والرجاء.
لقد اشترط كانط تعليم المفاهيم الدينية للذين يعرفون الضمير بوصفه القانون الذي يوجد فيهم ويميزون بين الحسن والقبيح ويشهدون إجلالا للكائن الأسمى ويفهمون واجبا مباشرا تجاه الله ولكنه دعا إلى تنجب تلقين الأطفال معتقدات لاهوتية في سن مبكرة وذلك لاعتمادهم على المحاكاة والتقليد والمخيلة وانقيادهم  للمنفعة وتجنبهم المضرة ونصص بالتالي على ضرورة تعليهم المفاهيم الملائمة للطبيعة والمتفقة مع سنن الكون.
“ينبغي أن لا نبدأ باللاهوت. فالدين الذي لا ينبني إلا على اللاهوت لا يمكن أن ينطوي على جانب أخلاقي. فلن نجد فيه من جهة سوى الخوف، ومن جهة أخرى سوى مشاريع ونوايا توجهها فكرة الثواب. ولا ينتج عن ذلك إلا مجموعة من الشعائر تتسم بالتطير. فيجب إذن أن تكون الخلقية هي الأولى وأن يتبعها اللاهوت ، وهذا ما نسميه دينا”15[15]. لكن ماهي الشروط التي تتوفر فيها تربية منتظمة تمام الانتظام للنوع البشري يدرك بها غاياته ويتكامل من خلالها وجوده؟ ومتى يتعلم المرء كيف يعلم الآخرين دون الوقوع في أخطاء التعالي والآلية والتربية المغلوطة؟ وأي المبادئ التي يجدر أن يتربى عليها المرء؟
الاحالات والهوامش:

[1]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، ضمن ثلاثة نصوص، تعريب وتعليق محمد بن جماعة ، دار محمد علي الحامي للنشر، صفاقس ، تونس ، طبعة أولى ، 2005.ص.15. (بتصرف)

[2]   كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص.25.(بتصرف).

[3] Kant (Emmanuel), Traité de pédagogie. Traduction de J. Barni, revue et actualisée, introduction et notes par Pierre-José About , édition Hachette, Paris, 1981.

[4]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص11.

[5]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، صص 19. 20.

[6] Kant (Emmanuel) , Annonce du programme des leçons (1765-1766), Philosophie et apprentissage, introduction et notes par Michel Fichant. Bibliothèque des textes philosophiques, édition Vrin, Paris, 1966.

[7]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص23.

[8]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص28.

[9]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص49.

[10]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص57.

[11]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص55.

[12]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص74.

[13]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص18.

[14]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص28.

[15]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص76.

 
المصادر:
 
كانط (عمونيال)، ثلاثة نصوص، تأملات في التربية، ماهي الأنوار؟، ما التوجه في التفكير؟، تعريب وتعليق محمود بن جماعة ، دار محمد علي الحامي للنشر، صفاقس، تونس ، طبعة أولى ،2005 .
Kant (Emmanuel), Traité de pédagogie. Traduction de J. Barni, revue et actualisée, introduction et notes par Pierre-José About , édition Hachette, Paris, 1981.

Kant (Emmanuel) , Annonce du programme des leçons (1765-1766), Philosophie et apprentissage, introduction et notes par Michel Fichant. Bibliothèque des textes philosophiques, édition Vrin, Paris,1966.

النظرية التربوية الكانطية والتأسيس البيداغوجي
استهلال:
“إن مشروع نظرية في التربية لهو مثل أعلى سام لا يملك أن يكون ضارا ولو أننا غير قادرين على تحقيقه”1[1]
لا ندري إن كان عمونيال كانط قد ترك لنا فلسفة متكاملة في التربية أم لا، فهو قد ناضل في عصر التنوير من أجل ترك الاجترار وعزف عن الموروث والتقاليد وتشجع على استعمال العقل والتوجه نحو التفكير والنقد والحرية. لكن ما نعلمه أنه ألف عام1803 حول هذا الموضوع كتيب معنون “مقالة في البيداغوجيا” ولقد تضمن جملة من التأملات حول التربية والتدريس وبالتالي افترض وجود نظرية تعلمية عقلانية.

لقد قدم الكتيب في شكل محاضرة في جامعة königsberg وحاول فيه معالجة الأسئلة البيداغوجية التي طرحت في الأوساط التعليمية وأثبت فيه فيلسوف التنوير القدرة على التدخل النقدي في مختلف المجالات المعرفية ولكن بعض الشرّاح وبالخصوص ألكسيس فليلونكو قد أعادوا الاعتبار إلى هذه المحاضرة وقاموا بربط  “مقالة عن البيداغوجيا” بفكرته عن التاريخ الكوني وتوقه إلى السلم الدائم وبحثه عن قيام “الأنثربولوجيا من وجهة نظر براغماتية” وعنايته بالعلاقة المعقدة بين الغائية الطبيعية والغائية الأخلاقية.

من المعلوم أن التربية ميزة إنسانية وأن الكائن البشري لا يحقق إنسانيته إلا بالتربية وأن الطبيعة البشرية تنمى بالتربية السليمة ولذلك يجب التمييز بين تربية سيئة ومربين سيئين وتربية جيدة ومربين جيدين. وبالتالي لا تقوم التربية بصناعة إنسان على نحو تام وإنما تكتفي بتنمية صفات معينة واستعدادات طبيعية. كما ترتبط التربية بالتقدم وتدفع الإنسان في السير في طريق الاكتمال وتخطي مواطن نقصه وتناهيه والتغلب على تناقضاته وتمزقه التكويني بين انتمائه إلى نظام الأشياء الطبيعية واندراجه ضمن نظام الكائنات العاقلة. وبالتالي فإن التربية السليمة تمنح الإنسان شكلا جديرا بالإنسانية وتخلصه من التوحش والهمجية والتربية المبنية على التعسف والإكراه تعيده إلى المنزلة الحيوانية وتقوي رغبة التملك ودرجة الأنانية والعدوانية. لهذا السبب يجب أن نرفض وجود فكرة صحيحة ومعروفة عن التربية المثالية وأن ندفع التفكير الفلسفي في اتجاه وضع أسس وقواعد لتربية تتناسب مع مؤهلات الطبيعة البشرية وتتماشى مع تحولات العصر. فماذا يعني كانط بالتربية؟ وهل تربية البشر بالأمر اليسير أم أنها من أعسر المهام التي يجب على الدولة القيام بها ؟ ماذا تضيف التربية إلى الطبيعة؟ ما الفرق بين تربية موجهة نحو انفعالات الجسم وتلك التي تعتني بملكات العقل؟ وما علاقة التربية بالثقافة والتنوير؟ وبأي معنى تمثل الأخلاق ميدان التربية العملية؟ ألا يوجد تناقض بين التعويل على الذات من أجل تفعيل التنوير والحاجة إلى الآخر في العملية التربوية ؟ وماهو دور الانضباط في التربية ؟ وهل يربي كل جيل نفسه بنفسه أم يعول على جهود الأجيال السابقة؟ ما السبيل إلى الجمع بين امتثال المرء قسرا للقوانين وبين القدرة على استعمال حريته؟ وكيف يستطيع الإنسان استهداف الحرية في ظل الإكراه؟ ولماذا يفضل المرء التربية الخاصة القاصرة على التربية العمومية النافعة ؟ ومن أين نبدأ في التربية؟ هل ننطلق من الصفر أي من حالة طبيعية تتصف بالتوحش والهمجية وسيطرة الغرائز والأهواء أم نبدأ من حالة مثقفة سلفا ونكمل مكتسبات التربية الأسرية؟  كم من وقت ينبغي أن تدوم التربية في حياة الإنسان؟ وماهي القواعد التي يجب إتباعها في الميدان التربوي ؟ وكيف تشجع الثقافة المدرسية على الأشغال الجدية والأعمال الشاقة؟ وهل تتعارض ممارسة الألعاب مع تلقي العلوم واكتساب المهارات؟ وأي فلسفة للتربية نأمل في المستقبل؟

  إذا كانت نظرية التربية الراهنة تجعل الناس يتصرفون وفق مبادئ متماثلة ولا تمكنهم من بلوغ المرتبة الإنسانية وتحقيق الغاية من وجودهم بشكل تام فإن المطلوب من الجيل الحالي التخطيط لتربية متوافقة مع مطلب الحرية والاختلاف وتمكين الأجيال المقبلة من بيداغوجيا التعلم الذاتي والاستفادة من التعاليم الموروثة بالتدرج.

1-    التربية من التوحش إلى الانضباط:

” التربية العمومية الكاملة تجمع بين شيئين: التعليم والثقافة الأخلاقية. وغايتها بالخصوص تحقيق تربية سليمة”2[2]

لا يتحدد تطور الإنسان حسب كانط بشكل قبلي عن طريق الغريزة بل ماهو هام بالنسبة للإنسان هو أن يأخذ الارتقاء بنفسه مأخذ الجد ويوجه مشروعه الخاص بالتطور من خلال فكرة محددة ينتجها بنفسه 3 [3]. من هذا المنطلق تتمثل الأطروحة التي يدافع عليها كانط في كون التربية éducation تعمل على تطوير البذور الإنسانية الحاضرة بشكل جنيني في الطبيعة العضوية ونحت طبيعة ثانية تتميز بالتحضر والثقافة والأخلاق وتنقل الكائن البشري من حال الواقعة إلى حال الحق بتعلقه بالفكرة ودفع المثال نحو الاكتمال عبر خوض غمار التجربة. لهذا تقوم التربية بتجسيد القيمة والفكرة في الحياة اليومية وتمكن المرء من المرور من الوضع الحيواني إلى وضع جديد مازال لم يتشكل بعد ولكنه يجب أن يكون على نحو أفضل. وبالتالي يشكل فعل التربية واجب الوجود عند الإنسان ويتأسس على بيداغوجيا تستكمل ما ينبغي أن يكون بالنسبة إليه وتدفع بصيرورته بالفعل إنسانا وبصورة حقيقية. والحق أن الإنسان يأتي إلى العالم وهو في حالة خام وبعبارة أخرى على الفطرة وتنقصه مباشرة القدرة على أن يحدد فيما بعد بنفسه مسار سلوكه ولهذا السبب يعتمد على غيره ويقوم آخرون بمساعدته في القيام بفعله. إذا كان الحيوان يتحرك منذ الوهلة الأولى وفق توجيهات الغريزة فإن الإنسان على خلاف ذلك يجب عليه أن يطور الإنسانية التي ينتمي إليها وأن يقوم بتربية نفسه بشكل متدرج بما أن الإنسانية تتقدم بصورة ثابتة. فقد لا تحتاج الحيوانات إلى الرعاية، فالغريزة تتكفل بتوفير الغذاء والحماية والنمو والتكاثر بينما يحتاج الكائن البشري إلى التوجيه نحو استعمال عقله الخاص قصد اتخاذ الاحتياطات اللازمة لكي يتفادى الإضرار بنوعه ولكي يستعمل قواه في جلب ما ينفعه مثل التغذية والدفء والنمو وبالتالي يكون “الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يجب تربيته”4[4]، وتنقسم التربية إلى أفعال الرعاية بتوفير الحاجيات والتعهد بالحماية والأمن وفرض الانضباط La discipline بالتأديب والنهي وأفعال التعليم l’instruction  المفضية إلى التكوين.  لقد أكد كانط على أن أهمية الانضباط، بوصفه إتباع نظام معين، ونظر إليه على  أنه هو الذي يحول الكائن البشري من مرتبة الحيوانية إلى مرتبة الإنسانية ومن وضع التوحش والهمجية إلى وضع التمدن والتحضر.

غني عن البيان أن كانط يفرق بصورة منهجية بين تربية الجسم بالرعاية وتربية الروح بالثقافة وبين التربية النظرية بماهي ممارسة التفكير وحب الحكمة وطلب العلم والبحث عن الحقيقة والتربية العملية بماهي الالتزام بالواجب وطلب الحرية واحترام الإنسانية، ويعبر بذلك عن نظريته الفلسفية في التربية.

يوافق كانط تصورات جون جاك روسو بشأن حالة الطبيعة الخيرة وحالة الحضارة الفاسدة ويرى بأن الإنسان كان طيبا ويستمد من ذاته كل الصفات الطبيعية الإنسانية ولكن فيما بعد أفسدته الثقافة وصار متوحشا ووقع في الهمجية وألقى بحياته في المخاطر دون روية وذلك بسبب المادية والتفاوت والتملك.

على هذا الأساس يضع كانط الانضباط مكان التوحش لكي يعمل على تجريد الإنسان من حيوانيته ويثقفه ويقترح أن يستلهم المرء حالة بشرية خالية من المفاسد وأن يعمل الجيل الحالي على تربية الجيل اللاحق.

 إذا كان حياة التوحش تتبع النزوات والعيش بلا قوانين ودون ضوابط والاعتداء على القوانين والتخلص منها والبحث عن الاستقلالية بكل الطرق فإن الانضباط هو التخلي عن الحرية الطبيعية واحترام القوانين وإشعار الناس بأهميتها وذلك برسم الحدود والمطالبة بالامتثال والهدوء والتشجيع على التعلم والتمدرس.

بناء على ذلك يحتاج المرء إلى رعاية وتكوين ويشتمل التكوين على الانضباط والتعليم ويجري التعليم في المدرسة ويقتضي إجراء التجارب وتنمية الذكاء باستخدام العقل والتوجه إلى التفكير بالاعتماد على الذات.

من هذا المنطلق يقوم الانضباط بدور مركزي في العملية التربوية عندما يمنع المرء من العودة إلى الحالة الحيوانية ومن إتباع الغرائز والنوازع ويسلحه بالقدرة على الحكم والتمييز بين النافع والضار واختيار النافع ويحرص على دفع الكائن البشري نحو تحقيق غايات وجوده وتغيير نمط حياته وتعويده على طرق التواصل الحديثة ومجابهة معترك الحياة الاجتماعية بكل قواه وتهيئته للمشاركة في ممارسة شؤون الحكم.

2-    التربية بين المعرفة والحرية:

” فالتربية السليمة هي تحديدا الينبوع الذي ينبثق عنه كل خير في هذا العالم، فالبذور، التي تكمن في الإنسان، ينبغي أن تنمى دائما أكثر فأكثر…”5[5]

من البديهي أن يكون للكائن البشري ميل طبيعي إلى الحرية وأن ينفر من التقييد ويهرب من الانضباط ولكن لا يحتفظ بذاته ويحرز إنسانيته إلا بالتصرف وفق مشيئة العقل والتعود منذ وقت مبكر على القانون.

يحصل الإنسان حسب كانط على الحرية عن طريق المعرفة التي تحصل له من خلال تجاربه اليومية ويتوصل إلى معرفة موضوعية بالعالم بعد تفسير الأشياء كما تظهر له وكما يتمكن من التفكير فيها بعقله.

من المعلوم أن كانط ميز بين معرفة الظواهر والتفكير في الجواهر وبين المفهوم أو التصور والفكرة وبين أن المفاهيم تمنح المعنى إلى الظواهر وتقوم بتنظيمها بينما توجه الأفكار المفاهيم وتوحد بين المقولات. وبالتالي تشكل نظرية المعرفة هرما يتكون من رافدين هما الكلي وما يتم اختباره ويعمل الفكر على توحيد الشتات على طول تمشياته ويمثل الكلي والأساسي والمتعالي شروط إمكان التجربة ولكن ليست التجربة بالمعنى المتداول بل تلك التي تتشكل فيها الأشياء المقترحة من قبل نشاط الفكر ويعمل على إثرائها والنفاذ إلى الحقيقة. بهذا المعنى ترتبط المعرفة الإنسانية بتجارب الإنسان في العالم وبانتباه التفكير إلى الأشياء.

الأشياء لا تكذب ولذلك فهي تساهم في تشكيل الكائنات بما في ذلك البشر ولا يمكن إدراك الأشياء إلا ببذل جهد معرفي والاحتكام إلى التجربة ودون ذلك يغطس الذهن في الليل ويظل يتخبط وسط عماء الأشياء. على هذا الأساس تأتي التجربة قصد التنظيم والتوحيد ويقوم الفكر بمهمة الإنارة والكشف والتأييد والنقد وبالتالي تتحول التجربة إلى حياة الفكر ويقظته وحدوثه وتمثل الإطار المناسب من أجل أن يثبت ذاته ويتصل بالعالم ويلاحظ عناصر الطبيعة ويدرك العلاقات بين الأشياء ويتحكم في الظواهر ويسيطر عليها.

علاوة على ذلك يقوم الفكر بدور آخر وهو ضبط المعايير وتشريع القيم والتطابق مع بنى المعرفة واحترام القوانين التي يضعها بنفسه في الأشياء ويحرص على إيجاد التوازن بين الرغبة والمقدرة على إشباعها. كما أنه يجعل من إثبات الحق كيفية لامتلاك الذات ومن بحث الذات عن الحقيقية أسلوب الوضع البشري.

تسمح لنا المعرفة الحقيقية التي تلتزم بالمواضيع بالتخلص من ذاتيتنا وتتدخل في علاقتنا مع ذواتنا وتطور تمثلنا للعالم من جهة واقعية من ناحية وتستخلص الواقع من فكرتنا عنه من جهة مثالية من ناحية أخرى. لا يمكن للمرء أن ينتشل ذاتها من عالم الأشياء إلا إذا اتخذ مسافة نقدية منها وعاد إلى نفسها عن طريق التفكير وسعى إلى امتلاك الحقيقة العلمية ولا يمكن للمعرفة الحقيقية أن تحوز على قيمة روحية إلا إذا تحررت الذات من فرديتها وأشبعت التعطش إلى المعرفة وبنيت تصورا موضوعيا للكون وبلغت الكونية.

لكن لا يمكن اعتبار فهم الإنسان للأشياء معرفة مكتسبة وموضوعية وتواصلية إلا إذا تحققت الذات من حريتها وترجمة تجربتها الروحية في إدراك العالم عن طريق تربية للغرائز والأهواء والعمل بالحقيقة.

والحق أن التربية تقوم بتحديد ما ينبغي القيام به من سلوكيات وأفعال وتضع على ذمة الإنسان ما يختزنه من ذكاء وإرادة وتفكير من أجل استثمار هذا النور المتأتي من انفتاح الذهن في الذهاب نحو حدوث الخير. وبالتالي يجب أن تكون حركات البشر منبثقة من القيم وموجهة بالأفكار ومسددة بالمثل حتى تتمكن من التغلب على العوائق التي تعترضها وحتى تقتدر على دفع الثمن المناسب للحصول على الحرية الإنسانية.

من بين العراقيل التي تمنع وجود تنشئة سليمة وتربية متوازنة يذكر كانط حرص الأولياء على نجاح أبنائهم في الحياة وتكيفهم مع الواقع وتغلبهم على التحديات الاجتماعية من جهة ولكن من جهة المقابلة تسعى الدولة بكل الطرق إلى ترويضهم وتمدينهم وتحويلهم إلى مجرد رعايا وتجعلهم أدوات لأغراضها.

إضافة إلى اعتقاد في إمكانية الانطلاق من حالة خالية من الثقافة وإخضاع الأطفال إلى التجريب واختبار الخيارات التربوية دون تخطيط ويأملون في ووصولهم بسرعة إلى وضعية فاضلة وبلوغهم نموذج مثالي والحال أنه يجب الانطلاق من حال مثقفة سلفا ودراسة البيداغوجيا كعلم والتعامل معه كمجهود متماسك.

لقد ارتبطت بداية التربية في التاريخ ببداية الكتابة والقراءة والثقافة وقامت على أساس النظر والتفكير وتحولت التربية السليمة إلى مصدر الخير والمنفعة والسعادة والتوجه الكوني بالنسبة إلى البشرية جمعاء. ولكنها لا تقتصر على ممارسة التفكير المجرد ولا تكتفي بالوعظ والإرشاد والتلقين بل تحرص على التعليم وفق مبادئ وتسعى إلى فرض الانضباط والى جعل الإنسان مثقفا ومتصفا بالحيطة والحذر ومندمجا مع المجتمع وأن يكون له تأثير فيه ومتخلقا ومؤهلا للعديد من الغايات الحسنة والأهداف النبيلة.

لقد نبّه كانط على أن الترويض هو شرط ضروري للتربية ولكنه غير كاف إذا يجب أن يعقبه التدرب على التفكير من أجل تحصيل التنوير وتدريب المرء على الخروج من وضعية القصور والوصاية وتحمل مسؤولية نفسه والاعتناء بتربية نفسه بشكل خصوصي وممارسة الفضيلة لذاتها وليس لأغراض خارجية.

هكذا يدعو كانط إلى الجمع بين التنظير والتجريب في إعداد الأطفال وتنشئتهم بشكل سليم فنحن في حاجة إلى استعمال العقل وإجراء تجارب من أجل ضبط البرامج وتجويد المنهج وإعطاء المعلم الحرية اللازمة.

3-    التعلم بين الجدية واللعب:

” المنهج الخصوصي للتدريس في الفلسفة هو  تساؤلي zététique أي هو منهج البحث”6[6]

لقد أعلن كانط عن برنامج هذه الدروس في (1765-1766) وتناول فيها مسألة البيداغوجيا الفلسفية وخصوصية تعلم الفلسفة بالمقارنة مع الاختصاصات العلمية الأخرى على غرار الرياضيات والفيزياء.

 لا يمكن الاهتمام بالفلسفة إلا في مرحلة الكهولة وتمتع الكائن البشري بالرصانة الفكرية والحكمة اللازمة وحينما ينشغل الشباب والأطفال بهذا القطاع المعرفي فإن العديد من المشاكل تطرأ وتواجههم الكثير من العراقيل والصعوبات وخاصة التعود على ملء أدراج الذاكرة والحشو والحفظ والتكرار والتعليم البنكي.

من المتعارف عليه أن الفلسفة مادة صعبة وتكتب بلغة معقدة وتعتمد على أفكار ثاقبة ونظريات مجردة ولذلك اقترح كانط اعتماد بيداغوجيا واضحة المعالم للانتقال من المعقد إلى الواضح ومن المركب إلى البسيط وللتدرج في المعرفة وفي التعلم ومخاطبة الناس على قدر عقولهم وقدرتهم على الفهم والاستيعاب.

لقد تعود الطالب على تلقي المعلومات وتدوينها وتخزينها وحفظها وإرجاعها عند اختباره أثناء الامتحان أحيانا دون أن يفهمها ويستوعبها ودون أن يقارنها ويميزها عن المعارف السابقة ودون تبين الجدة فيها. وهذا الأمر قد يجري بصورة معتادة مع العلوم الصحيحة والتاريخية وخاصة الرياضيات والفيزياء ولكن الأمر يختلف مع الفلسفة التي تستوجب التسلح بالمنهج وإتباع طريقة والتفتيش عن العلم وتواصل البحث.

يعتقد الطالب أن تعلم الفلسفة في المتناول وأنه يصبح فيلسوفا بمجرد مطالعاته أمهات الكتب الفلسفية والدراسة المستفيضة للآثار والسير والحكم والنظريات والأفكار والمواقف والعبر التي تركها الفلاسفة لكن هذه العملية مستحلية لأن المرء لا يتعلم الفلسفة بل يتعلم التفلسف أي يخوض تجربة التفكير الفلسفي.

كما تعلم الفلسفة يقتضي وجود فلسفة واحدة في الوسط العلمي للمتعلم وأن يكون هذا الاختصاص قد اكتمل واستقر ولكن من المعلوم أن الفلسفة تعيش جدلية الهدم والبناء وتتطور بصورة مستمرة وأن ما يوجد هو مجرد فلسفات تتطاحن فيما بينها وتزعم كل واحدة امتلاك الحقيقة وبدل التسلح بالنقد انتصرت الميتافيزيقا. لهذا يتعلم المرء تطبيق المنهج والإمساك بالواقع وفهم التجارب ووصف الطبيعة وقراءة الأحداث وتحليل الخطاب وبناء الموقف المناسب وتوسيع الرؤية وتصويب النظر والتمعن في التفسير والتثبت من المحكي.

إذا كانت العلوم تقدم معارف يقينية وتحظى بثقة الجمهور وتتحول إلى مدار التطبيق والصناعة التقنية فإن الفلسفة تطرح أسئلة جدية وتثير مشاكل حقيقية وتربك التصورات البديهية لدى الجمهور وتغزو الممارسة.

بناء على ذلك توجد علاقة وثيقة بين الفلسفة باعتبارها فن التفكير وفن التربية وفن سياسة البشر وترفض فلسفة التربية أن العمل الآلي الذي يفضل التعلم من التجربة وتدعو إلى تحويل الآلية إلى علم دقيق وتعد مخططات في الغرض وتتعالى عن تكوين البشر للتكيف مع الوضع الراهن وتمكنهم من تربية مثالية في عالم أفضل تنبثق من الماضي وتتجه نحو المستقبل وتقاوم رداءة المجتمع وبؤس المناخ السياسي السائد.

في الواقع” إننا نعيش عصرا يتميز بالانضباط والثقافة والحضارة، ولكننا لا نعيش عصرا يتسم بالتنشئة الأخلاقية. ويمكننا القول في حالة الإنسان الراهنة إن سعادة الدول تزداد في نفس الوقت الذي يزداد فيه بؤس البشر”7[7]. فهل يمكن أن يكون الامتثال للتعاليم والقدرة على المحاكاة للنماذج الجاهزة هي من الأمور الايجابية في بناء نظرية تربوية متوازنة ؟ وما العلاقة بين التربية المدرسية والتربية الأسرية؟

من المتعارف عليه أن البيداغوجيا هي علم التربية منقسمة إلى تربية جسمية وتربية عملية لكن إذا كانت التربية الجسمية يشترك فيها الإنسان والحيوان وتهدف إلى إكساب حسن التصرف وتعرف تربية الجسم وتربية العقل والثقافة المادية فإن التربية العملية تركز على قيمة الحرية والقيم الأخلاقية وتنقسم إلى الثقافة المدرسية (الآلية والتعلمية المتعلقة بالمهارة) والثقافة البراغماتية ( المتعلقة بالحيطة) والثقافة الأخلاقية (المتعلقة الخلقية)8[8]. كما يبدو أن من مهام من يباشر التربية البدنية بوصفه بيداغوجيا أو مربيا أن يهتم بتوجيه الأطفال نحو العناية بأجسامهم ورعايتها من جهة التغذية والنظافة والرياضة والتمرن والفنون والاسترخاء واللعب واكتساب العادات واستعمال الأدوات واستخدام أعضاء الحواس بطريقة إرادية والتمتع بالقوة والسرعة والوثوق وتقوية صبرهم بالمران وجعلهم ينتظرون طويلا شيئا ثمينا وعدم احباطهم وعدم تصييرهم خجولين .

من المعلوم أن التربية العقلية تركز على ثقافة النفس وثقافة الجسم على السواء وتتنزل ضمن ثقافة الذهن المادية وتتعلق بالطبيعة بينما تتعلق الثقافة الأخلاقية بالحرية وتسن قوانين مغايرة تماما لتنمية الطبيعة. وتحرص على تجنب الفساد وبالرغم من ذلك يحدث أن يكون مطلعا على المعارف والعلوم  ومثقفا من الناحية المادية ومع ذلك يتمتع بالحرية ويأتي أفعالا مشينة ويكون شريرا وسيء الثقافة من الناحية الخلقية. كما يجب تفادي ملء أوقات الفراغ بشغل النفس باللعب والعمل على توظيف حاجة الأطفال إلى اللعب في تجربة التعلم قصد تخفيف القلق ودون السقوط في اللهو وما يترتب عنه من استخفاف وانحلال وميوعة. ويمكن أن يصلح اشتمال التربية على التأديب من أجل الابتعاد عن العادات القبيحة والانحرافات دون الوقوع في الاستعباد ودون فقدان المتعلم للفضول وحب الاستطلاع والشغف بالمعرفة ومتعة الاكتشاف.

يدعو كانط إلى التعامل الجدي مع الحياة المدرسية وإشعار المتعلمين بكونهم يعملون دون أكراه أو قسر ويسعون بواسطة التربية إلى تحقيق الهدف الذين ينشدونه في حياتهم وأن حبهم للعمل ليس ميلا بل واجب.

تعمل الثقافة الحرة على تنمية قوى النفس وممارسة الملكات الذهنية بكل اقتدار في الحكم على الأشياء وخاصة تنمية القوى الدنيا مثل الحواس والمتخيلة والذاكرة من أجل تنمية القوى العليا مثل الذهن والعقل. يدعو كانط إلى تشغيل الحواس بانتباه والى امتلاك ذاكرة قوية دون تحويل الحفظ إلى مجرد تمرين والى توسيع فضاء الخيال وتسلح ملكة الحكم بالذكاء وفرز الصالح من التجارب. ” فالفاهمة هي معرفة الكلي . وملكة الحكم هي تطبيق الكلي على الجزئي والعقل هو القوة التي تسمح بادراك علاقة الكلي بالجزئي.”9[9]

يقدم كانط برنامج عمل بالنسبة إلى المربين يبدأ بتعلم اللغات الحية عن طريق حفظ الكلمات وسماع القصص وقراءة المكتوب بالربط بين المعرفة والقدرة على الكلام والانتقال إلى حفظ معلومات عن الجغرافيا والتاريخ لتكوين الثقة في النفس وتمثل الظروف والمتغيرات والارتقاء إلى تعلم الرياضيات بغية إجراء التمييز بين الظن والاعتقاد وبين الحس المرهف والذوق الصائب وبين القواعد وطرق استعمالها.

إن الغايات البيداغوجية من التعليم ليس تحقيق المتعلمين السعادة والمنفعة في حياتهم وإنما يشرعوا في اصلاح أنفسهم وتهذيب ذواتهم ليكونوا عقلاء ومواطنين صالحين ضمن دولة مزدهرة ومجتمع متكافل.

كما يؤكد على المضمون النقدي العقلاني لنظريته التربوية وعلى الجانب الوطني للبرامج من الزاوية السياسية والاجتماعية ويشترط الاستقلالية عن كل كنيسة ويدمج التعليم الديني ضمن مسار التعليم المدني.

” إننا ندلل الأطفال عندما نفعل كل ما يريدون، ونربيهم تربية مغلوطة تماما حينما نسارع تحديدا إلى الاستجابة لنزواتهم وأمانيهم… ولكن هذا التسامح هو مصدر ضرر كبير طوال حياتهم.”10[10] لكن إذا كان يحسب لكانط رفضه تعويد الطفل على كل شيء ومنحه كل شيء ودعوته إلى التدرج وتعود على الصبر فإنه يلام كثيرا حينما اعتبر أطفال العوام سيئي التربية وفاسدي الطباع ودعا إلى عزلهم عن أطفال الأشخاص الشرفاء جيدي التربية. كما يعتبر المنهج الآلي في التعليم الديني صالحا في حفظ العديد من العلوم ويتخذ المنهج السقراطي قاعدة في دراسة الدين11[11] ويدعو إلى ترشيد حضور التعاليم الدينية في التعليم المدني وينصح بضرورة تعليم الأطفال بعض المفاهيم عن الكائن الأسمى وتنمية الإحساس بالاحترام تجاه الله بماهو مصدر الحماية والنظام والحياة والرعاية. بناء على ذلك ” من الأكيد أنه لو صادف أن أطفالا لم يشهدوا أبدا إجلالا للكائن الأسمى، ولم يسمعوا أبدا حتى اسم الإله، لكان مما يتفق عندئذ ونظام الأشياء لفت انتبهاهم إلى الغايات والى اهو جدير بالإنسان، وتدريب ملكة الحكم لديهم، وإحاطتهم علما بنظام صنع الطبيعة وجمالها، ثم تمكينهم من معرفة أشد اتساعا بنظام العالم، وأخيرا مكاشفتهم على هذا الأساس بمفهوم كائن أسمى مشرع”12[12]. فهل يعني هذا أن العامل الثقافي هو المحدد في نظريته التربوية ؟
خاتمة:
” لابد لفن التربية، أو البيداغوجيا، من أن يصبح قائما على النظر والتفكير (أو الروية)، إذا ما أراد تنمية الطبيعة الإنسانية بحيث تبلغ غايتها”13[13]
من المفيد أيضا التأكيد على أن التربية والتعليم والتدريس والتهذيب هي من الأمور الصعبة والشاقة يطلبها المرء طوال حياته دون أن يدركها لوجود عوائق  كثيرة وموانع خارجية قاهرة ولذلك يجب التعامل معها كفن عزيز ولا ينبغي أن يستأثر به فرد دون غيره وإنما يقع انجازه وتستكمل ممارسته عبر أجيال كثيرة.
إن التفكير في التجربة التربوية هو مغامرة نبيلة ومشاركة في تجربة خطيرة وتقتضي التخلي عن الأنانية والخروج عن التفكير في الذات والإحساس بالآخر ومد يد العون إلى البشر الذين يحتاجون إلى المساعدة.
فالكائن البشري ليس كائنا أخلاقيا بالطبع بل يحتوي على الدوافع والغرائز والميولات المؤدية به إلى القيام بالرذائل وقد يصبح فاضلا ويحقق سعادته حينما يرفعه عقله إلى احترام الواجب والقانون ويمنحه القدرة على التغلب على تناهيه وانفعالاته والاختيار بين الخير والشر وإتباع الأحسن والابتعاد عن المضرة.  غير أن أكثر الرذائل التي يقع فيها الإنسان قد تكون متأتية من حالة الثقافة وخاصة العنف والحرب واللؤم ولهذا السبب يحتاج إلى التربية كمصدر الأخلاقية لكي يخرج من هذه الحالة المزرية نحو وضع مدني.
يجب التمييز بين التربية الآلية التي تقتصر على الإملاء وحشو الأدمغة وتحتوي على الكثير من النقائص والأخطاء والتربية المتوازنة والسليمة التي تنمي الاستعدادات إلى فعل الخير وتنشر الثقافة والأنوار في المجتمع. كما يتطور فن التربية بالتدرج ويصبح جهدا متماسكا ويساعد النوع البشري بأكمله على تنمية استعداداته وبلوغ غايته ومقاصده وتحصيل سعادته وفق التخطيط المبدئي الذي تتشكل منه طبيعتهم.
تتفوق التربية العمومية على التربية الخاصة من عدة مناحي لعل أهمها: الدولة تتعامل مع فن التربية كمؤسسة عمومية تشجع على الاختلاط وتحرص على ولادة مواطنين أحرار في مجتمع عادل وتكون أسر متوازنة وسليمة وتتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية للجيل الصاعد والنفقات المالية لهذا التعليم العمومي النافع بينما التعليم الخاص هو مواصلة لجهود الأولياء في تربية أطفالهم ويدخل ضمن نظام الأجرة ويعيد إنتاج السائد ويعاني من نقص في التأطير والتكوين والقدرة والكفاءة ويتعارض أحيانا مع الذوق العام ويؤدي إلى ظهور عيوب في العائلة وأضرار في المجتمع وميوعة ومتاجرة بالعلم والمعرفة. على هذا المنحى ” تتوفر التربية العمومية على مزاياها الأكثر بروزا: ففيها يتعلم المرء أن يختبر قواه، كما يتعلم التحديد الناتج عن حق الغير. ولا يتمتع فيها بأي امتياز لأنه يلقى فيها مقاومة حيثما كان، ولا يصبح ذا حظوة إلا بحسب جدارته. فالتربية العمومية تعطي أفضل نموذج للمواطن في المستقبل”14[14].     في هذا السياق يبدو أن كل إنسان ملزم بأن يربي نفسه بصورة مستمرة وأن يساعد غيره على تربية طبعه ولذلك بأن يبقي على الحرية الطبيعية للأطفال وأن ينمي لديهم طاقة اللعب ويدربهم على احترام غيرهم والتعاون معهم وينتقل في مرحلة الرشد إلى مستوى رعاية الآخرين والاعتناء بإعالة ذاته والأنفس العليلة.
كما يركز كانط على الثقافة المدرسية أو التعليم والتكوين المدرسي لأنه يرى فيهما أفضل الطرق لاكتساب المهارة والحيطة وبلوغ الرشد والنضج وذلك بمعرفة اختيار الوسائل وتحديد الأهداف والوعي بالمقاصد.
في نهاية المطاف تتضمن التربية العملية على المهارة والحيطة والخلقية، فإذا كانت المهارة تتجسد في انجاز المعرفة بجدية وتصبح عادة في التفكير مترسّخة في الطبع البشري وتفسح المجال أمام الموهبة وإذا كانت الحيطة تقوم على ما يكتسبه المرء من معرفة استعمال لمهاراته ومواهبه قصد بلوغ غاياته الخاصة فإن الخلقية ترتبط بالفضائل وتنشد التبصر والاعتدال والتعاطف والتقدير والاحترام والوفاء والطاعة والحزم في القرار والتعود على التحمل والزهد في الملذات والتشجع في الاستغناء عن الممنوع والسيطرة على الميولات والتسلح بالرفض والمقاومة للرذائل والانتصار لكرامة الإنسان والتحلي بالنزاهة والترقي وأداء الواجب تجاه الذات والغير. بهذا المعنى يتوجب على المربي تنمية المشاعر الإنسانية تجاه الذات والآخرين الذين نشأ معهم والاهتمام بالخير الكلي لأنفسهم ولأوطانهم وتقدير قيمة الحياة وما توفره من متع ومحاسبة النفس وعدم الخوف من الموت والإقبال على التصور الأخروي بكثير من الأمل والرجاء.
لقد اشترط كانط تعليم المفاهيم الدينية للذين يعرفون الضمير بوصفه القانون الذي يوجد فيهم ويميزون بين الحسن والقبيح ويشهدون إجلالا للكائن الأسمى ويفهمون واجبا مباشرا تجاه الله ولكنه دعا إلى تنجب تلقين الأطفال معتقدات لاهوتية في سن مبكرة وذلك لاعتمادهم على المحاكاة والتقليد والمخيلة وانقيادهم  للمنفعة وتجنبهم المضرة ونصص بالتالي على ضرورة تعليهم المفاهيم الملائمة للطبيعة والمتفقة مع سنن الكون.
“ينبغي أن لا نبدأ باللاهوت. فالدين الذي لا ينبني إلا على اللاهوت لا يمكن أن ينطوي على جانب أخلاقي. فلن نجد فيه من جهة سوى الخوف، ومن جهة أخرى سوى مشاريع ونوايا توجهها فكرة الثواب. ولا ينتج عن ذلك إلا مجموعة من الشعائر تتسم بالتطير. فيجب إذن أن تكون الخلقية هي الأولى وأن يتبعها اللاهوت ، وهذا ما نسميه دينا”15[15]. لكن ماهي الشروط التي تتوفر فيها تربية منتظمة تمام الانتظام للنوع البشري يدرك بها غاياته ويتكامل من خلالها وجوده؟ ومتى يتعلم المرء كيف يعلم الآخرين دون الوقوع في أخطاء التعالي والآلية والتربية المغلوطة؟ وأي المبادئ التي يجدر أن يتربى عليها المرء؟
الاحالات والهوامش:

[1]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، ضمن ثلاثة نصوص، تعريب وتعليق محمد بن جماعة ، دار محمد علي الحامي للنشر، صفاقس ، تونس ، طبعة أولى ، 2005.ص.15. (بتصرف)

[2]   كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص.25.(بتصرف).

[3] Kant (Emmanuel), Traité de pédagogie. Traduction de J. Barni, revue et actualisée, introduction et notes par Pierre-José About , édition Hachette, Paris, 1981.

[4]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص11.

[5]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، صص 19. 20.

[6] Kant (Emmanuel) , Annonce du programme des leçons (1765-1766), Philosophie et apprentissage, introduction et notes par Michel Fichant. Bibliothèque des textes philosophiques, édition Vrin, Paris, 1966.

[7]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص23.

[8]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص28.

[9]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص49.

[10]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص57.

[11]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص55.

[12]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص74.

[13]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص18.

[14]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص28.

[15]  كانط (عمونيال)، تأملات في التربية، مصدر مذكور، ص76.

 
المصادر:
 
كانط (عمونيال)، ثلاثة نصوص، تأملات في التربية، ماهي الأنوار؟، ما التوجه في التفكير؟، تعريب وتعليق محمود بن جماعة ، دار محمد علي الحامي للنشر، صفاقس، تونس ، طبعة أولى ،2005 .
Kant (Emmanuel), Traité de pédagogie. Traduction de J. Barni, revue et actualisée, introduction et notes par Pierre-José About , édition Hachette, Paris, 1981.

Kant (Emmanuel) , Annonce du programme des leçons (1765-1766), Philosophie et apprentissage, introduction et notes par Michel Fichant. Bibliothèque des textes philosophiques, édition Vrin, Paris,1966.

أحدث المقالات