مآكل العرب الحقيقية
بادئ ي بدء، هناك سوء نوايا واضح في عدم التفريق ما بين العرب والأعراب، وهذا ما وضحه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فالعرب غير الأعراب، مع ان الأعراب لهم مزايا جيدة كما قال عمر بن عبد العزيز” ما قوم اشبه بالسلف من الأعراب، لولا جفاء فيهم“. (البيان والتبيين). وقول الثعالبي” فطنة الْأَعْرَاب: يضْرب بهَا الْمثل وَذَلِكَ لصفاء أذهانهم وجودة قرائحهم”. (ثمار القلوب).
بين الأَزهري هذا الفرق لغويا بقوله” رَجُلٌ أَعْرَابيٌّ، بالأَلف، إِذا كَانَ بَدَوِياً، صاحبَ نَجْعَةٍ وانْتواءٍ وارْتيادٍ للكلإِ، وتَتَبُّعٍ لمَساقِطِ الغَيْث، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنَ العَرَب أَو مِنَ مَواليهم. ويُجْمَعُ الأَعرابيُّ عَلَى الأَعْراب والأَعارِيب. والأَعْرابيُّ إِذا قِيلَ لَهُ: يَا عَرَبيُّ! فَرِحَ بِذَلِكَ وهَشَّ لَهُ. والعَرَبيُّ إِذا قِيلَ لَهُ: يَا أَعْرابيُّ! غَضِبَ لَهُ. فَمَن نَزَل الْبَادِيَةَ، أَو جاوَرَ البَادِينَ وظعَنَ بظَعْنِهم، وانْتَوَى بانْتِوائهِم: فَهُمْأَعْرابٌ، ومَن نَزَلَ بلادَ الرِّيفِ واسْتَوْطَنَ المُدُنَ والقُرى العَربيةَ وَغَيْرَهَا مِمَّنْ يَنْتمِي إِلى العَرَب: فَهُمْ عَرَب، وإِن لَمْ يَكُونُوا فُصَحاءَ. وَقَوْلُ اللَّه، عَزَّ وَجَلَّ في سورة الحجرات/14(( قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا، قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا، وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم))، فَهؤُلاء قَوْمٌ مِنْ بَوادي العَرَب قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، المدينةَ، طَمَعاً فِي الصَّدَقات، لَا رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، فَسَمَّاهُمُ اللَّه تَعَالَى الأَعْرابَ، وَمِثْلُهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّه فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ/97 (( الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله)). وقال القرطبي في تفسيره لهذه الآية ما ملخص” إن العرب جيل من الناس، والنسبة إليهم عربيّ، وهم أهل الأمصار، والأعراب منهم سكان البادية خاصة، وجاء في الشعر الفصيح (أعاريب)، والنسبة إلى الأعراب أعرابي؛ لأنه لا واحد له، وليس الأعراب جمعًا للعرب، كما كان الأنباط جمعا لنبط، وإنما العرب اسم جنس، والعرب العاربة هم الخُلَّص منهم، والمستعربة هم الذين ليسوا بخُلَّص، وكذلك المتعرِّبة”. (تفسير القرطبي).
ووضع الأَزهري اصبعه على الجرح من خلال بيان سبب الخلط بين المفهومين” َالَّذِي لَا يَفْرِقُ بَيْنَ العَرَبِ والأَعْراب والعَرَبيِّوالأَعْرابيِّ، رُبَّمَا تَحامَلَ عَلَى العَرَب بِمَا يتأَوّله فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ العَرَبِ والأَعْراب، وَلَا يَجُوزُ أَن يُقَالَ للمهاجرين والأَنصار أَعرابٌ، إِنما هُمْ عَرَبٌ”. (لسان العرب). لذا العاقل لا يمكن أن يعقل ان تكون خير أمة أخرجت للناس هي أمة من لم يؤمنوا وكانوا أشد كفرا ونفاقا، لكن للشعوبيين أهدافهم الخبيثة والتي صارت مكشوفة.
لذا كان الأعراب وليس العرب هم الذين يأكلون الجراد والسحالي عند الفاقة، وهذه ظاهرة لا تقتصر على الأعراب فحسب، الكثير من الشعوب اضطرت في أحوال المجاعات والحروب والفقر الى أكل الجرذان والقطط وغيرها بما في ذلك الفرس أنفسهم كما سنبين لاحقا. لذا ليس من العدل أن يقتصر وصف هذه الظاهرة على الأعراب دون بقية الأقوام. بل حتى الآن هناك شعوبا في آسيا تأكل الكلاب والقطط والعقارب والخنافس والسحالي والضفادع وغيرها مما تقرف النفس منه.
اهتم العرب اهتماما كبير بالطعام ووضعوا مراسما خاصة لتناوله، وتفننوا في أعداده وتنوعه، ولكن للأسف الشديد الكثير من العرب لا يعرفون هذه الحقيقة، فما بالك بالفرس؟ وهناك المئات من أصناف الطعام والحلوى العربية المميزة والقديمة مع ان البعض يظن إنها مستحدثة، وهذا ما سنتحدث عنه لاحقا. قال ابن عبد ربه” الوليمة: طعام العرس. والنّقيعة: طعام الإملاك. والإعذار: طعام الختان والخرس: طعام الولادة. والعقيقة: طعام سابع الولادة. والنقيعة: طعام يصنع عند قدوم الرجل من سفره، ويقال: أنقعت إنقاعا. والوكيرة: طعام يصنع عند البناء يبنيه الرجل في داره. والمأدبة: كل طعام يصنع لدعوة، يقال: آدبت أودب إيدابا، وأدبت أدبا. والجفلى: دعوة العامة. والنّقرى: دعوة الخاصة.والسّلفة: طعام يعلل به قبل الغداء. والقفيّ: الطعام الذي يكرم به الرجل يقال منه: قفوته فأنا أقفوه قفوا؛ والقفاوة”. (العقد الفريد).
بعتبر الثريد من أهم وأشهر المأكولات العربية، وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: سيّد الطعام الثريد. ومثل عائشة في النساء، مثل الثريد في الطعام. ولعظم صفة الثريد في أعين قريش، سمّوا عمرو بن عبد مناف بهاشم، حين هشم الخبز، واتخذ منه الثريد، حتى غلب عليه الاسم المشتق له من ذلك“. (البخلاء/106). وذكر ابو هلال العسكري” عاب بعض الشعوبية العرب باتخاذ الثريد وقال: لابد أن يفضل من العرب اذا أكلوا فضلة مرق تجعل لمسكين قال: فأرادت العرب ألا يبطل عليهم ذلك فثردوا فيه قال: وليس من طعام العجم. واحتج بما أخبرنا به أبو أحمد بن الحسين بن عبد الله ابن سعيد عن الجلودى عن محمد بن زكريا عن محمد بن عبيد الله بن محمد بن على قال: قال حصين لفيروز أحب أن أتغذى عندك، قال: فما تشتهى؟ قال: ثريدا: قال: انى أكره أن أضع على مائدتي طعام الكلاب ولكنى أتحمل ذلك لك. وعلق ابو هلال على المسألة بقوله” قال أبو هلال:- أيده الله تعالى-: لو كان الثريد طعاما خبيثا مكروها لكان ما يقال فيه شائعا، فأما وهو طعام مشتهى طيب فلا اعتراض على العرب في اتخاذ طعام طيب، وليس ترك العجم اياه قدحا فيه فكم من شيء مختار قد تركته العجم غفلة عنه أو جهلا به، وليس ثردهم فى المرق يدل على أنهم أرادوا منع ما يفضل منه“. (الأوائل). ولأن الحديث يطول سنكتفي في هذا المبحث الإشارة الى الخبز فقط لأنه سيد المائدة قديما وحديثا. قال الثعالبي” أم الطَّعَام: هي الْحِنْطَة لِأَن لَهَا فضلا على سَائِر الْحُبُوب، وَمن أَبْيَات كتاب الحماسة:
ربيته وَهُوَ مثل الفرخ أطْعمهُ أم الطَّعَام ترى فى جلده زغبا
(ثمار القلوب).
سنتحدث عن بعض من أنواع الخبز العربي:
اولا: خبز العليث
قال ابن منظور” أَي الخُبْزِ المَخْبوز مِنَ الشَّعير والسُّلْتِ. والعَلْثُ والعُلاثَةُ: الخَلْطُ. والعَلَثُ والعَلِيثة: الطعامُ الْمَخْلُوطُ بِالشَّعِيرِ. وَفِي الْحَدِيثِ: مَا شَبِعَ أَهلُه مِنَ الخَمير العَلِيثِ”. (لسان العرب).
ثانيا: خبز الغليث
قال ابن منظور” فلانٌ يأْكل الغَلِيثَ. والغَلِيثُ: الخُبْز المخلوطُ مِنَ الحِنْطة وَالشَّعِيرِ . وعن عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا كَانَ يأْكُلُ السَّمْنَ مَغْلُوثاً إِلّا بإِهالَةٍ، وَلَا البُرَّ إِلَّا مَغْلوثاً بِالشَّعِيرِ”. (لسان العرب)
ثالثا: خبز الارز بالسمسم والزعفران
قال ابن خلّاد في خبز الأرز والملح:
إذا الطابقُ المنصوبُ ألقى ثيابهُ وقدت جيوبُ الخبز شبرين في شبرِ
رغيف بملح طيّبِ النشر خلطة خوارجه تغنيك عن أرج العطر
عليهِ من الشونيزِ آثارُ كاتب وجلبابُ وَرَاق ينقطُ بالحبر
ومن سمسم قد زعفروهُ كأنهُ قراضةُ تبرٍ في لجينية غر (ديوان المعاني)
رابعا: خبز البزماورد: نوع من الخبز يحشى بالشواء. قال الشاعر:
فتفضّل على العميد بيــــوم جد بوصل يكبت به أعدائي
وتفضّل على الكئيب ببز ما ورد وصل يشفي من الأدواء (الرسائل الأدبية للجاحظ)
خامسا: خبز الرقائق (الركاك)
قال أبو هلال العسكري” الرُّقَاقُ ما رقِّقَ منَ الخبزِ، الواحدةُ رقاقةٌ. ولا يُقالُ رقاقٌ، إنَّما الرَّقاقُ جمعُ رقيقٍ منَ الثَّيابِ وغيرها. وتقولُ: فلانٌ يخبزُ الرَّقيقَ والغليظَ. فإذا قلتَ: يخبزُ الجرادقَ، قلتَ: والرُّقاقُ، هكَذَا كلامُ العرب”.(التلخيص في معرفة الاشياء). وقال اليغموري” أول من خبز الرُقاق نمرود بن كنعان“.(نور القبس) وأحسن ما قيل في الرقاق قول ابن الرومي:
ما أنسَ لا أنسَ خبازاً مررتُ بهِ يدحو الرقاقةَ وشك للمح البصر
ما بينَ رؤيتها في كفهِ كــــــــرَةً وبينَ رؤيتها قوراء كالقمرِ (ديوان المعاني)
سادسا: خبز المليل
قال أبو هلال العسكري” المليلُ الخبزُ الَّذِي يخبزُ فِي الملَّةِ، وهوَ أنْ توقدَ النَّارُ فِي حفيرةٍ منَ الأرضِ، ويجعلَ العجينُ فيها، فيصيرَ خبزاً. فموضعُ النَّارِ والرَّمادِ الملَّةُ، والخبزُ مليلٌ ومملولٌ”.(التلخيص في معرفة الاشياء).
سابعا: خبز البلوط
قال المقدسي ورأيت تقوّتهم بالبلّوط ثمرة على مقدار التمر مرّ يفلق ويحلى ثم يطحن وثمّ شعير برىّ يخلط به“. (هامش أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم). وجاء في نسخة أخرى” اما الجبل الشريفة فجبل لبنان وجبل الجولان فيهم عبّاد عند عيون ضعيفة قد بنوا ثم اخصاصا من القصب والحلفاء يتقوّتون بشيء يقال له البلّوط على مقدار التمر عليه قشر وهو مرّ الّا انهم يلقونه في الماء حتّى يحلو ثم إذا جفّ طحنوه وخبزوه واخلطوا عليه شيئا من الشعير”.
ثامنا: الفطير
قال أبو هلال العسكري” الفطيرُ معروفٌ. وأظنُّ اشتقاقَهُ منْ قولهمْ: انفطرَ الشَّيءُ إِذَا انشقَّ، لأنَّ منْ عادةِ الفطيرِ منَ العجينِ أنْ يتشقَّقَ. أوْ قيلَ لهُ: فطيرٌ، لأنَّهُ بقيَ على حالتِهِ الأولى، منْ قولكَ: فطرتُ الشَّيءَ، إِذَا ابتدأتُهُ. وهذا أجودُ الوجهيِنْ. قالَ أبُو بكرِ ابن دريدٍ: المحلاجُ الَّذِي يوسعُ بهِ الخبزُ. والَّذي بينَ الفطيرِ والخميرِ خبيزٌ”.(التلخيص في معرفة الاشياء). هذا بما يتعلق بالخبز فقط! وسنتحدث عن المأكولات والحلوى العربية القديمة التي يفتقر اليها الفرس وبقية الشعوب.
عندما سمعت من أحد العراقيين بأن المطبخ العراقي مأخوذ من المطبخين الإيراني والتركي عجبت وفزعت من مقولته التي تعني محدودية علمه في هذا الجانب على أقل تقدير، ولكن عندما علمت ان القائل يعيش في إيران وزوجته فارسية وولائه للخامنئي زال فزعي وعجبي. لكن البعض ممن أيد وجه نظر هذا الرجل كما يبدو ليس لهم معرفة بالمطبخ العربي عموما والعراقي خصوصا، وهذا جانب من جوانب النقص في الثقافة العامة، كنا نطالع أحد الصحف النرويجية، وفيها مقال قصير عن نوع من الكعكة المشهورة في النرويج وتسمى (Pepper Kake) وهي تعني الكعكة الحارة، وليست هناك علاقة للفلفل بالكعكة ولكن المقصود به الدارسين (القرفة) لأن فيها شيء من الحرارة، المقال يقول ان أصل هذا الكعك والبسكويت هم العراقيين فقد كان يصنعه السومريون قبل آلاف السنين، العجيب ان الكثير من العراقيين لا يعرفون هذه المعلومة بل يعتقدوا إنها أجنبية.
المهم سنتناول في هذا الجزء ما يثبت ان العراقيين والعرب عموما هم أصحاب أفخم واقدم مطبخ عرفه العالم، والكثير من الأطعمة والحلوى التي نتناولها اليوم عرفها أجدادنا قبل أكثر من ألف سنة، وانه لا المطبخ الفارسي ولا الرومي (التركي سابقا) كانا يضاهيا المطبخ العربي، صحيح ان هناك مأكولات أخذها العرب عن الروم والفرس وبقية الشعوب بحكم العلاقات الثقافية والاجتماعية، لكن ما أخذه الفرس والروم وغيرهم من المطبخ العربي يكاد لا يقارن بما أخذه العرب منهم، وهنا ستبطل مقولة الفرس بأن طعام العرب كان السحالي والجراد وغيرها، وفي الجزء القادم سنقلب السحر على الساحر ونبين ان الفرس هم من كانوا يتناولون مثل هذه الأطعمة التي يعيبون الأعراب عليها.
من المعروف أن أقدم كتاب في الطبيخ هو (كتاب الطبيخ) لمحمد بن الحسن البغدادي، توجد مخطوطة منه في متحف (اياصوفيا)، وأخرى في المكتبة الوطنية بفنلندا. يتضمن الكتاب طرق صنع الطعام والحلوى، وآداب المائدة، وأنواع القدور والأواني المستخدمة، وتنظيم الموائد، وطرق تقديمها، ووصايا للطباخين منها” ينبغي للطباخ أن يكون حاذقاً عارفاً بقوانين الطبيخ، بصيراً بصنعته، وليتعاهد قص أظافره بحيث لا يحيف عليها، ولا يتركهاتطول، لئلا تجتمع الأوساخ تحتها، وليختر من القدور: البرم ثم من بعده الفخار، وعند الضرورة النحاس المبيض، وأردأ ما طبخ في قدر نحاس قد نصل بياضها”. (كتاب الطبيخ/ 23).
سنتحدث في هذا الجزء عن بعض المأكولات والحلوى العربية القديمة التي يفتقر اليها الفرس وبقية الشعوب. وسنعتمد المصادر العربية القديمة بعد الفتح الإسلامي للجزيرة العربية أي منذ القرن الهجري الأول وما بعده.
اولا: اصابع زَيْنَب
قال الابشيهي” أصابع زينب ضرب من الحلوى يعمل ببغداد، يشبه أصابع النساء المنقوشة”. (المستطرف/188). قال المأمون:
فما حملت كف امريء متطعما ألذ وأشهى من أصابع زينب
وقال العاملي” هي ضرب من حلواء تعمل في بغداد تشبه أصابع الناس المنقوشة”. (المخلاة). وقال الثعالبي” اصابع زَيْنَب: ضرب من الْحَلْوَاء بِبَغْدَاد يدعى أَصَابِع زَيْنَب وَفِيه يَقُول أَبُو طَالب المأمونى:
أحب من الْحَلْوَاء مَا كَانَ مشبها بنان عروس فى حبير معصب
فَمَا حملت كف الْفَتى متطعمــا ألذ وأشهى من أَصَابِع زَيْنَب ( ربيع الأبرار).
وَكَانَ ابْن الْمُطَرز شَاعِر الْعَصْر بِبَغْدَاد عِنْد صديق فأحضر لَهُأَصَابِع زَيْنَب فَأَهوى إِلَى وَاحِدَة مِنْهَا ليأخذها، فَقبض الصّديقعلى يَده وغمزها غمزة آلمته فَقَالَ:
يَا مسكرى بمدامــــة وَمن الْحَلَاوَة مَا نعى
حاولت إِصْبَع زَيْنَب فَكسرت خمس أَصَابِع (ثمار القلوب).
ثانيا: القطايف بماء الورد
قال أبو هلال العسكري” القطائفُ والواحدةُ قطيفةٌ، شبِّهتْ بالقطيفةِ الَّتِي تلبسُ، للعيونِ الَّتِي فيه”.(التلخيص في معرفة الاشياء). وأنشد :
كثيفةُ الحشو ولكنهـــــــــا رقيقةُ الجلدِ هوانيه
رشتْ بماء الوردِ أعطافُها منشورة الطيَ ومطويه
جاءَتْ من السكر فضـية وهي من الأدهان تبريه
قد وَهَبَ الليلُ لهــا بُردهُ وَوَهَبَ الخصبُ لها زيه (ديوان المعاني)
قال إبن سيرين” تأويل رؤية القطائف المحشوة هو مال ولذاذة وسرور”. (منتخب الكلام).
ومن مليح ما قيل في القطائف، قول علىّ بن يحيى بن أبى منصور المنجم:
قطائف قد حشيت باللّــــوز والسكر الماذىّ حشــو الموز
يسبح في آذىّ دهن الجوز سررت لما وقعت في حوزى
سرور عبّاس بقرب فوز ( زهر الآداب).
ثالثا: الكنافة
ويطلق احيانا عليها إختصارا (الكنا). قال الناظر المراكشي” بين صحراء لمتونة وبلاد السودان، مدينة أودغست ويجلب منها سودانيات طباخات محسنات، تباع الواحدة منهن بمائة ديناروأزيد، يحسنٌ عمل الأطعمة، ولا سيما أصناف الحلاوات مثل الجوزينقات، والوزينجات، والقاهريات، والكنافات والقطائف والمشهوات، وأصناف الحلاوات”. (الإستبصار).
قال جمال الدين بن نباتة:
قول وقد جاء الغـــــــلام بصحنه عقيب طعام الفطر يا غاية المنى
بعيشك قل لي جاء صحن قطائف وبح باسم من تهوى ودعني من الكنا (خزانة الأدب).
وكتب النصير الحمامي إلى الوراق ملغزاً في كنافة:
يا واحداً في عصره بمصره ومن له حسن السناء والسنا
تعرف لي اسماً فيه ذوق وذكا حلو المحيا والجنان والجنى
والحلّ والعقد له فـــــي دسته ومجلس الصدر وفي الصدر المنى
إن قيل يوماً هل لذاك كنية فقل لهم لم يخل يوماً من كنا
رابعا: الزلابية
قال إبن سيرين” تأويل رؤية الزلابية نجاة من هم ومال وسرور بلهو وطرب”. (منتخب الكلام). قال أبو هلال العسكري” وقدْ جاءَ فِي بعضِ الأرَاجيزِ: كأنَ فِي داخلِهِ زلابيهْ”. (التلخيص في معرفة الاشياء). كما قال الأشجعي الأندلسي” رأى احدهم الزَّلابِية، فقال: ويلٌ لأمها الزانية، أبأحشائي نُسِجَتْ، أم من صِفاقِ قلبي أُلفت؟ فإني أجدُ مكانها من نفسي مكيناً، وحبل هواها على كبديمتيناً، فمن أين وصلت كفُّ طابخها إلى باطني، فاقتطعتها من دواجني“. (رسالة التوابع والزوابع). وكانت تُعمل على شكل شبابيك أيضا، كما يتبين من قول إبن الرومي.
رأيته سحرا يقلـــي زلابية في رقّة القشر والتجويف كالقصب
كأنما زيته المغليّ حين بدا كالكيمياء التي قالوا ولم تصب
يلقى العجين لجينا من أنامله فيستحيل شبابيكا من الذهب
(ديوان ابن الرومي). (كتاب المحاضرات والمحاورات)
وقال المقدسي عن أهل الشام” يسمّون من السكّر ناطقا ويصنعون زلابية في الشتاء من العجين غير مشبّكة“. (هامشأحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم). ذكر الأبشيهي المثل” هانت الزلابية حتى أكلها بنو وائل”. (المستطرف)
خامسا: حلوى الخبيص
تصنع من التمر والسمن.، قال شمس الدين المرداوي” َقَالَ السُّيُوطِيّ: أَوَّلُ مَنْ خَبَّصَ الْخَبِيصَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – خَلَطَ الْعَسَلَ وَالنَّقِيَّ مِنْ الدَّقِيقِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إلَى مَنْزِلِ أُمِّ سَلَمَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: مَنْ بَعَثَ بِهَذَا؟ قَالُوا: عُثْمَانُ قَالَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ إنَّ عُثْمَانَ يَسْتَرْضِيك فَارْضَ عَنْهُ”.( غذاء الألباب).
سادسا: حلاوة ومعجنات السنبوسج ( السنبوسة).
قال التيفاشي” سنبوسق محشو معطر وحلاوة ناشفة جعله في خريطة”. (نزهة الألباب). ملاحظة: السنبوسق هي فطائر مثلثة الشكل من رقائق العجين بالسمن وتحشى بالجوز والعسل (او اللحم) ،وربما منها اخذت كلمة السنبوسة او السمبوسة. والخريطة- وعاء من الجلد او نحوه يشد على ما فيه. هذا جزء يسير من عشرات الأصناف من الحلوى، قال البغدادي” السنبوسج: يؤخذ اللحم الموصوف في عمل المقلوبة (اكلة المقلوبة)، ويقطع الخبز الرقيق المتخذ لذلك، ويُحشى باللحم المذكور بعد أن يقطع سيورا ويعمل مثلثا، ثم يلصق بيسير عجين، ويلقى في الشيرج (الزيت) ثم يرفع”. (كتاب الطبيخ). وكذلك ” يُحشى بالسكر واللوز المدقوقين ناعما، والمعجونين بماء الورد”. (المصدر السابق). هناك الكثير من الأطعمة التي لها جذور تأريخية مثل الكباب قال الغزولي” الكباب: بفتح الكاف وهو اللحم المشروح وأجوده ما شرح اللحم شريحاً خفيفاً ونثر عليه الملح ونصب له مقلى على النار بلا دسم وطرح عليه وقلب من جنب إلى جنب حتى ينضج ويحمر هذا هو الكباب الخالص بعينه وهو الذي كان يعمل ليحيى بن خالد ولولده وفيه يقول أبو الفتح البستى:
عليك إذا أنجاب الدجى بكباب وعقبه مرتاحاً بكأس شراب
فلم يفتح الأقوام بابا إلى المنى كباب شراب أو كباب كباب (مطالع البدور ومنازل السرور).
سابعا: لقمة القاضي
قال البغدادي” هذا اللون يكون في عجينه قوة، وإذا أختمر، يؤخذ منه قدر البندقة، وتقلى بالضيرج، ثم تغمس في الجلاب (الشيرة)، ويُذر عليها السكر المدقوق (المطحون). ومن المأكولات (الدجاج المحشي بالسكر والفستق)، قال محمد بن شاكر” كان يذبح في مطبخ الملك الناصر صاحب الشام كل يوم أربعمائة راس غنم سوى الدجاج والطيور والأجدية. وكان يبيع الغلمان من سماطه شي كثير عند باب القلعة بدمشق بأرخص الأثمان من المآكل الفاخرة. حكى علاء الدين بان نصر الله أن الناصر جاء إلى دارهبغتة؛ قال: فمددت له شيئاً كثيراً في الوقت بالدجاج المحشي بالسكر والفستق وغيره، فقال: كيف تهيأ لك هذا؟ فقلت: هو من نعمتك، اشترتيه من باب القلعة”. ( فوات الوفيات). ومنها (المهلبية)قال الغزولي” المهلبية: أول من اتخذها بنو المهلب فنسبت إليهم وهي من الألوان المستحسنة المستلذة تنفع لحفظ الصحة واحمدها منفعة السلسلة والانعقاد بالدجاج الحديث السمان والعسل الخالص الذهبي والسكر النقي وهي معتدلة الحرارة والرطوبةتغدو غداء صالحاً إلا أنها مضرة بالصفراء وتدفع مضرتها بالحصرمية منه قبلها“.(مطالع البدور ومنازل السرور). و(تشريب الباقلاء بالزيت والنعناع)، قال ابن خلّاد في الباقلاء:
فلا تنسَ فضلَ الباقلاءِ فإنه من المنى قدوافي به الفضل في الزبر
إذا جعلوا فيه سذاباً ونعنعاً وجزءاً من الزَّيت المقدّس في الذَّكر (ديوان المعاني)
و(الهريسة بلحم الدجاج والبط)، قال ابن الرومي:
أيا هنتاهُ هل لك في هَريس بلحمانِ الفراخِ أو البطوطِ
أملّ الليلَ صانعها بضربٍ فجاء بها تمددُ كالخيوطِ (ديوان المعاني)
ومن أغذية الفطور (الزيتون والجبن مع اللوز والجوز). قال جحظة:
ودنّر بالجوزِ أجوازه ودَرهمَ باللوز ما دَرهمه
وقابل زيتونها والجبن صفائح من بيضةٍ مدغمه
و(الأرز باللبن)، قال الغزولي” الأرز باللبن: قال محمد بن خرد كان كثير من رؤساء العراق يقدمون في أول الطعام الأرز باللبن والسكر المنخول ثم يتبعونه ما شاءوا إيثارا له على غيره وكان الحسن ابن سهل يفضله على كثير من المطعم ميلا إلى رأى المأمون فيه وقال له أنه يزيد في العمر يا أمير المؤمنين قال من أين قلت هذا قلت لأن الأطباء زعموا أن الأرز يولد أحلاماً صحيحة فإذا صحت الأحلام فهي من زيادة النوم على اليقظة لن النوم موت واليقظة حياة“.(مطالع البدور ومنازل السرور). و(الملوخيا)، قال الغزولي” الملوخيا: غليظة لزجة باردة كثيراً، الإكثار منها يضر بالمرطوبين والمبلغمين وإصلاح ضررها أن تطبخ بلحوم الغزلان لخفته وحرارته أو مع الحجل أو مع الفراخ النواهض أو الفراريج السرخسية فإن لم يتفق فتلقى فيها الشرايح الجافة المدخنة أو التنورية عند خروجها من التنور وكذلك الباذنجان المقلى يلقى عليها ويكمر ساعة ثم تؤكل وماء الليمون يلطف غلظها ويقطع بلزوجتها ولا يصلحها إصلاحاً تاماً“.(مطالع البدور ومنازل السرور). علاوة على ( الباجة والفصيد والصميد والكشكشية والمجدرة والترمس والنكوع) والعشرات غيرها، علما ان هذه المأكولات ترجع الى أكثر من ألف سنة، كما عرف العرب أنواع العصائر والتوابل وكانوا يستخدمونها كنكهة مع الطعام.
إذن! هل كان العرب يأكلون السحالي والجراد كما إدعى الفرس؟
لنضع كل هذا جانبا، ونسأل السؤال التالي: لماذا يغض الفرس النظر عن كل هذه المأكولات وفنون الطبخ العربي وتنوعه، ويركزون على أكل الضب والجراد؟ نترك الجواب للقاريء اللبيب.