4. نظرة واقعية إلى العصور الذهبية الفارسية المزعومة:
لم تذكر بلاد فارس عند الرواة العرب كإقليم مما يعني قلة شأنها، فقد ذكر ابن الجوزي ومن سبقوه ” أقاليم الأَرْض سَبْعَة فالإقليم الأول الْهِنْد وَالثَّانِي إقليم الْحجاز وَالثَّالِث إقليم مصر وَالرَّابِع إقليم بابل وَالْخَامِس إقليم الرّوم وَالشَّام وَالسَّادِس بِلَاد التّرْك وَالسَّابِع بِلَاد الصين”. (المدهش/64). لكننا سنحاول ان نوجز تأريخها.
أ. العصر الذهبي الأول:
يعتبر العصر الذهبي للحضارة الفارسية ـ حسب زعمهم ـ هي الفترة الممتدة بين (309 ـ 379) أي حوالي سبعين سنة فقط، وهي التي توفي فيها الملك هرمز الثاني، وبدأت المعارك بينهم وبين العرب، ووصل العرب إلى مدينة فارس وهي عاصمة الملوك الساسانيين، وكانت الفوضى قد عمت الدولة حيث قتل النبلاء إبن هرمز الثاني، وسبلوا عيون ابنه الثاني، وسجنوا ابنه الثالث، وتوج الملك شابور الثاني وهو في رحم أمه بوضع التاج على بطنها في حالة شاذة تاريخيا!
ثم تمكن الملك الصغير من إنهاء الفوضى وتوحيد البلاد وبناء جيش قوي، وساد الأمن في حدود الإمبراطورية الجنوبية. وتمكن شابور من توسيع رقعته بعد استعادة ما فقدته دولته في حروبها مع العرب والرومان من أراضي. وفي عهده المستقر نسبيا، لم تكن هناك حضارة علمية وأدبية بل يمكن تشخيص مظاهر التعامل الإيجابي مع اليهود، والاضطهاد القاسي للنصارى، والتنكيل بالإمبراطورية الرومانية المنافسة لفارس. تتلخص نهضتهم المزعومة في عصرهم الذهبي كما يسمونه بإكمال نصوص كتابهم المقدس (الفيستا). الحقيقة لا توجد غير الحملات العسكرية والانتصارات والتوسع الجغرافي في هذا العصر الذهبي، ولو قارناه بالعصر الذهبي لبغداد في عهد هارون الرشيد لأدركنا الفرق الشاسع بين العصرين الذهبيين.
ب. العصر الذهبي الثاني
يمتد للفترة ما بين 498 ـ622 بدأ مع حكم الملك قباذ الثاني الذي قاد حملة كبيرة ضد الإمبراطورية الرومانية وأحتل مناطق تابعة لها ثم احتل ديار بكر الحالية واسترد جورجيا ثم وسع الإمبراطورية، وكل الذي فعله هو تطوير نظام الضرائب للإنفاق على جيشه الضخم وتوسعاته، ولا توجد مظاهر تدل على أن العصر كان ذهبيا في مجال العلوم والفنون والآداب.
ثم تلت هذه الفترة عصر الانحلال والسقوط للفترة من 622 ـ 651. وفي الوقت الذي يدعي فيه مؤرخو الفرس بأنه كان لديهم نهضة عمرانية وموسيقية وأدبية تحديدا، فإنه لا توجد شواهد تبين تميزها عن غيرها من البلدان. الغناء والموسيقى والعمران موجود في كل البلدان وعند الأقوام البدائية أيضا، ولا يمكن اعتبارها مؤشرا حضاريا ما لم تتميز بمعالم عمرانية وعلمية واضحة كالجنائن المعلقة والأهرامات علاوة على النهضة الأدبية والفنية واتساع وفود الدارسين من طلاب العلم. الحقيقة أن هناك مبالغات كبيرة حول الانتصارات والتوسعات الفارسية لم تثبت صحتها في مؤلفات المؤرخين من غير الفرس، سيما الرومان والعرب.
بل إن أقدم المؤرخين اليونان هيرودوتس الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد ذكر في ملحمته التأريخية بأن كلمة ( بارسيوس) أي فارسي تعني (قاطع الطريق) أو المنفلت اخلاقيا. لذلك لا تجد كتاب فارسي قبل الفتح الإسلامي في الطب والصيدلة والفلك والفلسفة والهندسة والحساب، والآداب التي يتبجحون بها ولا تزيد عن كتاب واحد. يذكر د. ويسن بأن” الآداب البهلوية المتوفرة عندنا لا يزيد حجمها عن التوراة، وأنها في الغالب تتعلق في نصوص دينية أو فقهية فقط”. أما علوم العرب خلال تلك الفترة التي نصفها نحن مع الأسف بالجاهلية والتي تقابل العصر الذهبي للفرس فيحدثنا عنها المؤرخ الآلوسي.
كان العرب يؤرخون بالنجوم قديماً، ومِنه صار الكُتَّاب يقولون : نَجَمتُ على فلانٍ كذا حتى يؤديه في نجوم. وكانت العرب تؤرخ بكل عام يكون فيه أمرٌ مشهورٌ متعارَف. وكان للعرب عِلمٌ بالأجرام العلوية ، واشتغال بالرصد ، ومعرفةٌ بحركات الكواكب، وكانوا يقسمون الأنواء وأيامها. وكان لهم أقوالٌ مأثورة عند طلوع كل نوء، ومِن ذلك قولهم : إذا طَلَع العقرب جَمَس المذنب، وقرب الأشيب ومات الجِندب، ولَم يصِرَّ الأخطب، وكانوا يقسمون السنة إلى أجزاء ، ولهم فيها تسميات مختلفة.
مِن علومهم: عِلم القيافة، وهو على قسمين : قيافة الأثر : وهو عِلمٌ باحثٌ عن تتبع آثار الأقدام والأخفاف والحوافر، وقيافة بَشَر : وهو الاستدلال بهيئات أعضاء الشخصَين على المشارَكة والاتحاد بينهما في النسب والولادة في سائر أحوالهما وأخلاقهما، وأشهر مَن عُرِف به : بنو مُدلِج ، وبنو لِهب.
ومِن علومهم : عِلم الفِراسة، وهو الاستدلال بهيئة الإنسان وأقواله على أخلاقه. وهو على ضَربين : ضَربٌ يحصل للإنسان عن خاطرٍ لا يعرف سببه، وضَربٌ يكون بصناعة متعلَّمَة. ومما هو عندهم مِن العلوم : عِلم الطب، وكانوا ما يعلمونه منه مبنياً في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص، متوارثاً عن مشايخ الحي وعجائزه. وربما يصح منه البعض إلا أنه ليس على قانون طبيعي، وكان لهم علم تام في معالجة الدواب، ومِن مشاهير أطباء العرب : الحارث بن كلدة ، وابن حذيم . ومِن علومهم : عِلم الريافة، وهو : معرفة استنباط الماء مِن الأرض بواسطة بعض الأَمارات الدالة علة وجوده ، فيُعرَف بُعده وقُربه بِشَم التراب، أو برائحة بعض النباتات فيه، أو بحركة حيوان مخصوص. ومِن علومهم : عِلم الاهتداء في البراري وهو : علم يُتعرف به أحوال الأمكنة مِن غير دلالة عليه بالأمارات المحسوسة دلالة ظاهرة أو خفية بقوة الشامة فقط لا يعرفها إلا مَن تدرب فيها كالاستدلال برائحة التراب، ومسامته الكواكب الثابتة، ومنازل القمر. ومِن علومهم : العِلم بخَلق الإنسان، فمَن نظر في كتب العرب أدرك عظيم إلمامهم ومعرفتهم بكيفية تركيب أجزاء البدن وترتيبها.
ومِن أحسن الكتب المؤلفة في ذلك كتاب (خَلق الإنسان ) للخطيب الإسكافي، فإن كتابه جَمَع فأوعى حيث اشتمل على ترتيب سِن الإنسان مِن حين ولادته إلى آخر عمره، وعلى أسماء أعضاء الإنسان مِن رأسه إلى أخمص قدميه. ومِن علومهم : عِلم الملاحة، وأهل المعرفة به مِن العرب مَن سكن سواحل بحر القلزم وبحر الهند وبحر فارس. وقد كانت للعرب متاجر في الهند والحبشة والروم ، فكانوا ممن تمس حوائجهم إلى ركوب البحر، ومعاناة سيره، والقيام بما يعين على ذلك وهو عِلم الملاحة. وكانت للعرب علوم باطلة كعلم العرافة، والكهانة، والعيافة، والزجر، والطرق بالحصى وغيرها. ( بتصرف عن كتاب بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب) للعلامة محمود شكري الألوسي.
بل أن تراجمهم للكتب من اللغات الأخرى يشوبها العيب والنقص، فقد نقدهم ابو الريحان البيروني بقوله” من تأمل كتاب علم قد نقل إلى الفارسي، كيف ذهب رونقه، وكسف باله، واسودّ وجهه، وزال الانتفاع به “. (للمزيد راجع الصيدنه للبيروني). لذا يمكن الجزم بأن الحضارة الفارسية الحقيقية بدأت مع الفتح الإسلامي المبارك وإنهاء الديانة المجوسية، ولا يمكن أن ينكر لبيب بأن الفرس المسلمين لهم مساهمة إبداعية كبير في رفد الحضارة العربية الإسلامية بالمعارف والعلوم، فكانوا ركنا أساسيا في حضارته. وفي نفس الوقت كانت معظم الحركات الهدامة المعادية للعرب والإسلام فارسية الأصل أو المؤسس ابتداءا من فترة الدولة الأموية ولغاية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونفس الشيء يقال في الزندقة وحركات التصوف المنسوبة لأهل السنة كذبا وزورا، فهي حركة شعوبية أصولها فارسية. (للمزيد راجع كتابنا الصوفية والصفوية، خصائص وأهداف مشتركة/ طبع لندن).
يذكر لنا التاريخ أن يزدجر كسرى الفرس قال في مؤتمره الذي عقده في نهاوند، قولته الشهيرة ” اشغلوا عمر بن الخطاب في بلاده وعقر داره”، وهذا ما فعلوه فقد دخلوا الإسلام ليس إيمانا به، وإنما لغرض تدميره من الداخل، وهذه الحقيقة تتوضح يوما بعد آخر. حتى الكاتب الشعوبي المسعودي يصف بلاد فارس”أما بلد فارس، فخضب الفضاء، رقيق الهواء، مُتراكم المياه، معتم بالأشجار، كثير الثمار، وفي أهلهِ شحٌّ، ولهُم خبّ، وغرائزهم سيئة، وهممهُم دنيئة، وفيهم مكر وخداع”. (مروج الذهب2/50).
5. التعامل الدوني مع العرب
قال الجاحظ” خطب كسرى من النعمان بن منذر بعض بناته فرغب بها عنه، حتّى كان ذلك سبب هربه وعلّة لقتله. فهل رأيت شاعرا في ذلك الزّمان مع كثرة الشعراء فيه، ومع افتخارهم بالذي كان منهم في يوم جلولي ويوم ذي قار، وفي وقائع المثنّى بن حارثةوسعد بن أبي وقّاص– النّعمان مع هذه المثالب كلّها قد رغب بنفسه عن مصاهرة كسرى، وهو من أنبه الأكاسرة. وكما كان أبرويز أعظم خطرا، كانت أنفته أفخر للعرب، وأدلّ على ما يدّعون من العلوّ في النسب وكان الأمر مشهودا ظاهرا، ومردّدا على الأسماع مستفيضا. فإذ قد تهيّأ أن يكون مثل هذا الأمر الجليل، والمفخرة العظيمة، والعرب أفخر الأمم، ومع ذلك قد أغفلوه“. (كتاب الحيوان4/443)
يتعامل الفرس مع العرب بازدراء وعنجهية لحد الوقت الحاضر، وهذه النظرة قديمة ومتأصلة في فكرهم لا تغادره مطلقا. حتى وهو يعيشون من خيرات العرب والتزلف للخلفاء والملوك، مع هذا فإنهم يطعنون فيهم، أو على أقل تقدير يمجدون ملوكهم الفرس ودياناتهم الوثنية بكل وقاحة وصلافة.
قال أبو سعيد الرستمي:
بهاليل عــزّ من ذؤابة فارس إذا انتسبوا إلا من عرينة أو عكل
هم راضة الدّنيا وسادة أهلها إذا افتخروا لا راضة الشاء والإبل (محاضرات الأدباء1/424).
وحول العلاقة الحالية بين العرب والفرس، ذكر المفكّر الإيراني والأستاذ بجامعة طهران صادق زيبا خلال مقابلتين أجراهما مع أسبوعية (صبح ازدي) الإيرانية، عن نظرة الإيرانيين الفرس تجاه العرب والشعوب الأخرى «أعتقد أن الكثير منا سواء أكان متديناً أو علمانياً يكره العرب. كما أن الكثير من العرب يكرهوننا أيضاً. يا للأسف أنا واثق من أن الكثير منا – نحن الإيرانيين- عنصريون، فلو نظرتم بإمعان إلى ثقافات الشعوب الأخرى تجاه سائر القوميات والشعوب والاثنيات وأخذتم ظاهرة النكت كمقياس لوجدتم أننا أكثر إساءة من خلال النكت، فانظروا كيف نسيء إلى الترك واللور، أعتقد أن الكثير من الإيرانيين يكرهون العرب، ولا فرق بين المتدين وغير المتدين في هذا المجال. وحول بداية النظرة الاستعلائية تجاه العرب قال زيبا “ منذ الحقبة الملكية كان الأمر على هذا المنوال، حيث كانت تسود إيران نظرة تحطّ من شأن العرب، وهي مستمرة إلى يومنا هذا، فأنا أريد أن أؤكد أكثر من ذلك، فأقول إن الدوافع من وراء تأسيس مجمع اللغة الفارسية كانت طرد الكلمات والمصطلحات العربية من الفارسية، وهذا يدل على حقدنا تجاه العرب”. قارن بين قول زيبا الحالي، ورسالة يزجر الثالث الى: عمر بن الخطاب خليفة المسلمين باسم (آهورا مزدا/ خالق الحياة والحكمة) لتدرك بأن زمان ومكان الكراهية لم يتغيرا منذ عهد يزدجر الى الخامنئي ” أنت في رسالتك كتبت أنك تريد إرشادنا الى ربك (الله أكبر) بدون أن تعرف حقيقة مَن نكون نحن وما نعبد. العجيب في الموضوع أنك جالس على كرسيخلافة العرب في حين أنّ مستوى فهمك (تفكيرك) هو مستوى فهم أي عربي من العوام. إنّ مستوى فهمك (تفكيرك) بالنسبة لنا هو مثل مستوى فهم رؤساء القبائل العربية المُشفَق عليهم. يا عُمر! أنت تدعوني الى عبادة إله الواحد الأحد من دون أن تعرف أن الفرس منذ آلاف السنين يعبدون إله الواحد الأحد ويسجدون لِربّهم في اليوم خمس مرات. العُرف والفن جزء من حياة الفرس منذ سنوات عديدة. عندما كنا نحن من صُنّاع العادات الفضيلة وحُسن الضيافة وحاملي راية (التفكير الحسن، القول الحسن، الفعل الحسن)، كنتم أنتم تأكلون السحلية والحشرات لأنه لم يكن لكم ما تاكلون غيرها، وكنتم تدفنون بناتكم البريئات. إن العرب لا يحترمون الإنسان، أنتم تذبحون مخلوقات الرب، بل حتّى أنكم تذبحون الأسرى وتعتدون على النساء وتدفنون بناتكم أحياءً وأنتم قطّاع طرق القوافل، تقتلون وتغنمون وتغتصبون أموال الناس. إن قلبكم من حجر. إننا نرفض كل هذه التصرفات الجنونية. كيف لكم أن تجدوا لنا إلهاً وأنتم تقومون بكل هذه الجرائم. أنت تقول لي بأن لا أسجد للنار! نحن نرى حب الخالق ونور الشمس في وهج النار. ان النور والنار تجعلاننا أن نرى شعاع الحقيقة والحق وأن نمنح قلوبنا الى الخالق لينوّرها ويساعدنا في أن نكون لطفاء مع بعضنا و نستنير كي يدوم الحب في قلوبنا الى الأبد. إنّ ربنا هو (آهورا مزدا) الذي أنتم الآن عرفتموه وسميتموه (الله أكبر)، ولكن نحن لسنا مثلكم. نحن نطوّر الحب بين البشر. نحن ننشر ونطوّر المحبة على الارض. منذ آلاف السنين ونحن نقوم بتطوير ثقافتنا وعاداتنا وفي نفس الوقت نحترم عادات وثقافات غيرنا، ولكنكم أنتم باسم (الله) تُدمّرون و تنهبون على الأرض، تقتلوننا وتقتلونغيرنا وتأتون بالفقر والجوع، وباسم الإله تخلقون الرعب والفقر. هل أنّ هذا الإله يأمركم بالقتل؟
وهل يأمركم بالتخريب و النهب؟
هل أنتم تبعية الإله (الله)، تقومون باسمه بكل هذه التصرفاتالمشينة؟ أو باسمه هربتم من الصحراء القاحلة وعن طريق غزواتكم ورؤوس سيوفكم تعطون دروساً لِمحبة الله؟ نحن منذ آلاف السنين لنا ثقافتنا. قل لنا ما الذي سوف تُعلّموننا إياه عن طريق غزواتكم واعتداءاتكم وقتلكم باسم (الله أكبر)؟ ما الذي علّمتموه للمسلمين كي هم بِدورهم يعلّموا غيرهم؟ ما الذي تعلّمتموه أنتم كي تأتون الآن وتعلّمون به غيركم عن طريق الإكراه؟ مع الأسفكل الأسف، جيشنا الآن قد انهزم أمام جيشكم. الآن يجب على الناس مواطنينا أن يسجدوا لهذا الإله الذي جاء إلينا من خلال سيوف العرب. أقترح عليك ان تجمع جيشك وترجعوا الى صحرائك، المكان الذي كنتم تعيشون فيه، المكان الذي لا توجد فيه ثقافة غير الخوف من النار (نار جهنم)، المكان الذي تحكمهالقبائل و يأكلون (قمقموك) (هو نوع من الحشرات التي تعيش في الصحراء). أنا لا أقبل أن يعيش جيشك في بلادنا الخيّرة. الناس العرب الذين أتيتَ بهم لغرض القتل والنهب، لا تقبل منهم ان يقوموا بهذه الاعمال باسم (الله). أُتركْ تصرفاتكم الإجرامية لأن الناس هنا يقبلون الاعتذار ويحسنون الضيافة. إنهم يزرعون بذور الصداقة أينما يذهبون. أنا أطلب منك ان تبقوا في الصحارى ولاتقتربوا من المدن الحضارية لأنّ معتقداتك رهيبة و همجية”.
وقال نظام الملك” يرْوى أَن الْملك يزدجر أرسل إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ رَسُولا يَقُول: لَيْسَ فِي الْعَالم الْيَوْم مملكة أَكثر سكانا من مملكتنا وخزانة أعمر من خزانتنا وجيش اكثر من جيشنا، وَلَيْسَ لأحد من الة وعدة عندنا.
فَأَجَابَهُ عمر أجل إِن مملكتك مكتظة لَكِن بالمتظلمين وَإِن خزانتك مترعة لَكِن بِالْمَالِ الْحَرَام وَأَن جيشك كثير لكنه شاق عَصا الطَّاعَة وَإِذا مَا دالت الدولة فَإِن الالة وَالْعدة لَا يغنيان فتيلا ان فِي هَذَا كُله لدليلا على انحطاط دولتكم وَقرب زَوَال ملككم وَهَكَذَا كَانَ”. (سياسة نامة/295).
قال ابو حنيفة الدينوري” ان يزدجر الملك كتب الى رستم يأمره بمناجزه العرب، فزحف رستم بجنوده وعساكره حتى وافى القادسية، فعسكر على ميل من معسكر المسلمين، وجرت الرسلفيما بينه وبين سعد شهرا، ثم ارسل الى سعد: ان ابعث إلي من أصحابك رجلا، له فهم وعقل وعلم، لأكلمه، فبعث اليه بالمغيرة بن شعبه، فلما دخل عليه قال له رستم: ان الله قد اعظم لنا السلطان، وأظهرنا على الأمم، واخضع لنا الأقاليم، وذلل لنا اهل الارضين، ولم يكن في الارض أمه اصغر قدرا عندنا منكم، لأنكم اهل قله وذله وارض جدبه، ومعيشة ضنك، فما حملكم على تخطيكم الىبلادنا؟ فان كان ذلك من قحط نزل بكم، فانا نوسعكم ونفضل عليكم، فارجعوا الى بلادكم.
فقال له المغيرة: اما ما ذكرت من عظيم سلطانكم، ورفاهه عيشكم، وظهوركم على الأمم، وما أوتيتم من رفيع الشان، فنحن كل ذلك عارفون، وسأخبرك عن حالنا: ان الله وله الحمد، أنزلنا بقفار من الارض، مع الماء النزر، والعيش القشف يأكل قوينا ضعيفنا، ونقطع أرحامنا، ونقتل أولادنا خشيه الاملاق، ونعبد الأوثان، فبينا نحن كذلك بعث الله فينا نبيا، من صميمنا واكرم ارومه فينا، وامره ان يدعو الناس الى شهاده ان لا اله الا الله، وان نعمل بكتابانزله إلينا، فآمنا به، وصدقناه، فأمرنا ان ندعو الناس الى ما امره الله به، فمن أجابنا كان له ما لنا، وعليه ما علينا، ومن ابى ذلك سألناه الجزية عن يد، فمن ابى جاهدناه، وانا ادعوك الى مثل ذلك، فان أبيت فالسيف. وضرب يده مشيرا بها الى قائم سيفه.فلما سمع ذلك رستم تعاظمه ما استقبله به، واغتاظ منه، فقال: والشمس، لا يرتفع الضحى غدا حتى اقتلكم اجمعين فانصرف المغيرة الى سعد، فاخبره بما جرى بينهما، وقال لسعد استعد للحرب، فامر الناس بالتهيؤ والاستعداد”. (الاخبار الطوال/121).
الحقيقة انه لا فرق مطلقا! نفس النظرة الاستعلائية الموجهة فقط للعرب منذ اكثر من 14 قرنا! الفرس يعتبروا الحروب حضارة! وان كانوا يعتقدون ان حدودهم السابقة مصدر فخر لهم وعنوان حضارتهم، فأن السكندر المقدوني والدولة العثمانية كان لهما ما يضاهي حدود الدولة الفارسية. ولا أحد يذكر امبراطورية عثمانية ولا امبراطورية مقدونية، ولم يتسم السكندر المقدوني ولا آل عثمان بلقب امبراطور ولا شاهنشاه (ملك الملوك).
كما أمطر الشاعر الإيراني (مصطفى بادكوبه ئي) العرب بوابل من الشتائم والعبارات المسيئة في مقطوعة شعرية تحت عنوان (اترك الحج) نشرها موقع (مشكين سلام)، زعم فيها أن الله ليس في كعبة العرب، وأنه إذا كنت إنساناً، فلا تذهب إلى الحج، وطالب الشعب الإيراني أن يترك الحج ويحول قلبه إلى بيت الله الطاهر، في إشارة غير مباشرة إلى عدم طهارة الكعبة على حد زعمه. (تحقق أمله على يد الخامنئي عام 2016). وأضاف بادكوبة ئي، اترك هذا الجهل والكسل، ولا تدعم الشيخ السعودي، أن الله ليس في كعبة العرب. أن طلب الرّب ليس اللعب مع الله، طَهِّر قلبك لترى الحق، وانضم إلى الحق بكل وجودك، هل سلب الشيخ (السعودي) عزتك؟ هل اقتادك إلى قصر جهله؟ أصبح الشعب الإيراني أسير الفقر والجهل. ويعتز العرب بدولاراتهم، ويتحرشون بأولادكم. وإذا كنت إنساناً ومن الأصل (العرق) الإيراني، يجب عليك أن تترك الحج! الله ليس سجين العرب، ولا يُحصر الله بالجمل والرطب (التمر الطازج). وأنت من الأصل (العرق) الإيراني، عار علي! هل ليس لديك شيء من عزة النفس؟ عار علي. خذني يا اللهي إلى أسفل السافلين !أيها الاله العربي شريطة ألا أجد عربيا هناك. أنا لست بحاجة لجنة الفردوس لأنني وليد الحب فجنة حور العين والغلمان هدية للعرب ألم تقل أنت إن الأعراب أشد كفرا ونفاقا؟ فلماذا يثني السفهاء على العرب؟”. وبعدها انتشرت الأغنية الإيرانية (كش عرب/ قاتل العرب) وهي أغنية مرخصة قانونا، حاولت وزارة الثقافة الإيرانية في البداية إنكارها والتنصل منها، لكن شيوعها وانتشارها أفشل محاولتها. أتخذ المغني اسما مستعارا (بهزاد بكس) وهاجم العرب بشدة، ودعوا إلى فرض حظر عليهم، والحج إلى إيران بدلا من الكعبة في مكة المكرمة. وللأغنية مدلولات مجوسية واضحة، مجد فيها الملك الفارسي قوروش. تقول الأغنية إن “لقوروش جيش في كل مكان، هذه هي إيران يا أيها الحمقى، هذا هو جيش قوروش”.
في كتابهم المقدس الشاهنامة توجد الكثير من مثالب العرب يقابلها الإشادة بملوك المجوسية والزرادشتية، وهم يصفون العرب بآكلي الضب والجرذان ويسبون أعراضهم. قال ابن خلدون عن كتبهم ” قال علماء الفرس: إن زرادشت جاء بكتاب ادّعاه وحيا، كتب في اثني عشر ألف بعده نقشا بالذهب، وأن كيستاسب وضع ذلك في هيكل بإصطخر ووكّل به الهرابذة ومنع من تعليمه العامّة. قال المسعودي: ويسمى ذلك الكتاب نسبناه وهو كتابالزمزمة، ويدور على ستين حرفا من حروف المعجم. وفسّره زرادشت وسمّى تفسيره زند، ثم فسّر التفسير ثانيا وسمّاه زنديّه، وهذه اللفظة هي التي عربتها العرب زنديق. وأقسام هذا الكتاب عندهم ثلاثة: قسم في أخبار الأمم الماضية، وقسم في حدثان المستقبل، وقسم في نواميسهم وشرائعهم مثل أنّ المشرق قبلة وأن الصلوات في الطلوع والزوال والغروب وأنها ذات سجدات ودعوات. وجدّد لهم زرادشت بيوت النيران التي كان منوشهر أخمدها، ورتب لهم عيدين: النيروز في الاعتدال الربيعيّ والمهرجان في الاعتدال الخريفي، وأمثال ذلك من نواميسهم”. (تأريخ ابن خلدون2/190). قال ابو هلال العسكري” عاب بعض الشعوبية العرب باتخاذ الثريد وقال: لابد أن يفضل من العرب اذا أكلوا فضلة مرق تجعل لمسكين قال: فأرادت العرب ألا يبطل عليهم ذلك فثردوا فيه قال: وليس من طعام العجم. واحتج بما أخبرنا به أبو أحمد بن الحسين بن عبد الله ابن سعيد عن الجلودي عن محمد بن زكريا عن محمد بن عبيد الله بن محمد بن على قال: قال حصين لفيروز أحب أن أتغذى عندك، قال: فما تشتهى؟ قال: ثريدا: قال: انى أكره أن أضع على مائدتي طعام الكلاب ولكنى أتحمل ذلك لك. وعلق ابو هلال على المسألة بقوله ” قال أبو هلال:- أيده الله تعالى-: لو كان الثريد طعاما خبيثا مكروها لكان ما يقال فيه شائعا، فأما وهو طعام مشتهى طيب فلا اعتراض على العرب في اتخاذ طعام طيب، وليس ترك العجم اياه قدحا فيه فكم من شىء مختار قد تركته العجم غفلة عنه أو جهلا به، وليس ثردهم في المرق يدل على أنهم أرادوا منع ما يفضل منه“. (الأوائل/25). لاحظ كيف أطلق على العجم لفظة الشعوبية!
وقد ردُ التوحيدي على مثالبهم للعرب بطريقة مثيرة.
قال ابو حيان التوحيدي” إنّي لأعجب كثيرا ممّن يرجع إلى فضل واسع، وعلم جامع، وعقل سديد، وأدب كثير، إذا أبى هذا الذي وصفته، وأنكر ما ذكرته، وأعجب أيضا فضل عجب من الجيهانيّ في كتابه وهو يسبّ العرب، ويتناول أعراضها ويحطّ من أقدارها،ويقول: يأكلون اليرابيع والضّباب والجرذان والحيّات ويتغاورون ويتشاورون، ويتهاجون ويتفاحشون، وكأنّهم قد سلخوا من فضائل البشر، ولبسوا أهب الخنازير وقال: ولهذا كان كسرى يسمّي ملك العرب: (سكان شاه)، أي ملك الكلاب. قال: وهذا لشدّة شبههم بالكلاب وجرائها، والذئاب وأطلائه”. (الإمتاع والمؤانسة/74).
وأضاف التوحيدي” أعجب من الجيهانيّ في كتابه وهو يسبّ العرب، ويتناول أعراضها ويحطّ من أقدارها، ويقول: يأكلون اليرابيع والضّباب والجرذان والحيّات ويتغاورون ويتشاورون، ويتهاجون ويتفاحشون، وكأنّهم قد سلخوا من فضائل البشر، ولبسوا أهب الخنازير. ولهذا كان كسرى يسمّي ملك العرب: سكان شاه أي ملك الكلاب لشدّة شبههم بالكلاب وجرائها، والذئاب وأطلائها. أترى أنوشروان إذا وقع إلى فيافي بني أسد وبرّ وسفوح طيبة، ورمل يبرين وساحة هبير، وجاع وعطش وعري،أما كان يأكل اليربوع والجرذان، وما كان يشرب بول الجمل وماء البئر، وما أسن في تلك الواهدات؟ أو ما كان يلبس البرجد والخميصة والسّمل من الثياب وما هو دونه وأخشن؟ بلى والله، ويأكل حشرات الأرض ونبات الجبال، وكلّ ما حمض ومرّ، وخبث وضرّ، هذا جهل من قائله، وحيف من منتحله، على أن العرب أحسن الناس حالا وعيشا إذا جادتهم السماء، وصدقتهم الأنواء، وازدانت الأرض، فهدّلت الثمار، واطّردت الأودية، وكثر اللّبن والأقط والجبن واللّحم والرّطب والتّمر والقمح، وقامت لهم الأسواق، وطابت المرابع وفشا الخصب، وتوالى النّتاج، واتّصلت الميرة، وصدق المصاب وأفرغ المنتجع، وتلاقت القبائل على المحاضر، وتقاولوا وتضايفوا، وتعاقدوا وتعاهدوا، وتزاوروا وتناشدوا، وعقدوا الذّمم، ونطقوا بالحكم، وقروا الطّرّاق، ووصلوا العفاة، وزوّدوا السابلة، وأرشدوا الضّلّال، وقاموا بالحمالات، وفكّوا الأسرى، وتداعواالجفلى، وتعافوا النّقرى، وتنافسوا في أفعال المعروف”. (الإمتاع والمؤانسة1/75).
وانتهى بالقول” فليستحي الجيهاني بعد هذا البيان والكشف والإيضاح، بالإنصاف من القذع والسّفه اللّذين حشا بهما كتابه، وليرفع نفسه عما يشين العقل، ولا تقبله حكّام العدل، وصاحب العلم الرصين، والأدب المكين، لا يسلّط خصمه على عرضه بلسانه، ولا يستدعي مرّ الجواب بتعرضه ويرضى بالميسور في غالب أمره، فإنّ العصبيّة في الحق ربّما خذلت صاحبها وأسلمته، وأبدت عورته، واجتلبت مساءته، فكيف إذا كانت في الباطل”. (الإمتاع والمؤانسة1/77).
كما قال الجيهانيّ” ممّا يدل على شرفنا وتقدّمنا وعزّنا وعلوّ مكاننا، أنّ الله أفاض علينا النّعم، ووسّع لدينا القسم وبوّأنا الجنان والأرياف، ونعّمنا وأترفنا. ولم يفعل هذا بالعرب، بل أشقاهم وعذّبهم، وضيّق عليهم وحرمهم، وجمعهم في جزيرة حرجة، ورقعة صغيرة، وسقاهم بأرنق ضاح، وبهذا يعلم أنّ المخصوص بالنعمة والمقصود بالكرامة فوق المقصود بالإهانة”. (الإمتاع والمؤانسة1/78).
قال الجيهانيّ أيضا: ليس للعرب كتاب إقليدس ولا المجسطيّ ولا الموسيقي ولا كتاب الفلاحة، ولا الطّبّ ولا العلاج، ولا ما يجري في مصالح الأبدان، ويدخل في خواصّ الأنفس”. (الإمتاع والمؤانسة1/79). الطريف ان يعير العرب ليس بعلومه الفارسية، وانما علوم اليونان! لذا رد عليه التوحيدي ” قال الجيهانيّ أيضا: ليس للعرب كتاب إقليدس ولا المجسطيّ ولا الموسيقي ولا كتاب الفلاحة، ولا الطّبّ ولا العلاج، ولا ما يجري في مصالح الأبدان، ويدخل في خواصّ الأنفس. فليعلم الجيهانيّ أنّ هذا كلّه لهم بنوع إلهيّ لا بنوع بشريّ، كما أنّ هذا كلّه لغيرهم بنوع بشريّ لا بنوع إلهيّ، وأعنى بالإلهيّ والبشريّ الطّباعيّ والصناعيّ، على أن إلهيّ هؤلاء قد مازجه بشريّ هؤلاء، وبشريّ هؤلاء قد شابه إلهيّ هؤلاء، ولو علم هذا الزاري لعلم أن المجسطي وما ذكره ليس للفرس أيضا، وما عندي أنّه مكابر فيدّعي هذا لهم. فإن قال: هو لليونان، ويونان من العجم، والفرس من العجم، فأنا أخرج هذهالفضيلة من العجم إلى العجم فهذا منه حيف على نفسه، وشهادة على نقصه، لأنّه لو فاخر يونان لم يستطع أن يدّعي هذا للفرس، ولا يمكنه أن يقول: نحن أيضا عجم، وفضيلتكم في هذه الكتب والصناعة متّصلة بنا، وراجعة إلينا. ومتى قال جبه بالمكروه وقوبل بالقذع”. (الإمتاع والمؤانسة/79).
وذكرا لقزويني” حكي أن الشيخ قطب الدين أستاذ الغزالي اجتاز على قبر الفردوسي مع أصحابه، فقال بعضهم: نزور الفردوسي! فقال الشيخ: دعه فإنه صرف عمره في مدح المجوس،فرأى ذلك القائل الفردوسي في نومه يقول له: قل للشيخ لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق، وكان الانسان قتوراً “. (آثار البلاد وأخبار العباد1/417). وقال ابن الجوزي” وصف لشاعر طيب خُرَاسَان فَلَمَّا سَافر إِلَيْهَا لم تعجبه فَقَالَ:
تمينا خراسانا زَمَانا فَلم نعط المني وَالصَّبْر عَنْهَا
فَلَمَّا أَن أتيناها سرَاعًا وجدناها بِحَذْف النّصْف مِنْهَا (الأذكياء/157).